حقوق المرأة بين الإسلام والغرب
حقوق المرأة بين الإسلام والغرب
د. محمد علي الهاشمي
المبادئ الكلية العامة للشريعة، جاءت شاملة لكل أصول الحياة الإنسانية وجوانبها المتعددة، فتناولت حياة الفرد والأسرة والمجتمع، وعلاقات الأفراد بعضهم ببعض، والأسس التي تقوم عليها الدولة، والمبادئ التي تقوم عليها العلاقات الدولية، ووضعت التشريعات التي تنظم الحياة المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وباختصار لم تدع جانباً من جوانب الحياة الإنسانية دون تنظيم وتقنين، ولا تزال هذه التشريعات سابقة لكل ما وصلت إليه النظريات التشريعية التي وضعها البشر.
يكفي في هذا المجال أن أسوق شاهداً على هذا السبق: نظام المواريث في الإسلام الذي جاءت به الشريعة السمحة منذ خمسة عشر قرناً، فقد جاء كاملاً ثابتاً شاملاً، يحقق العدل والإنصاف والتوازن لدى الوارثين جميعاً من أبناء وبنات وأحفاد وحفيدات وزوجات وأزواج وآباء وأمهات وأخوات وإخوة وأجداد وجدات وذوي القربى جميعاً.
ويتجلى سبق الشريعة الإسلامية في هذا النظام إذا علمنا أن النظم التشريعية في بريطانيا ظلت حتى أواخر القرن التاسع عشر تورث الابن الأكبر، وتدع بقية الورثة تحت رحمته، إن شاء أعطاهم، وإن شاء حرمهم.
حقوق المرأة
ومن شواهد سبق الشريعة الإسلامية أيضاً لكل النظريات التشريعية التي وضعها البشر، ما جاءت به من أحكام أعطت المرأة حقوقها كاملة، لأول مرة في التاريخ، وجعلتها تستمتع بحقوق الإنسان، قبل أن تعرف الدنيا منظمات حقوق الإنسان ومواثيق حقوق الإنسان، بقرون طويلة.
لقد أعلن الإسلام في ذلك الوقت المبكر أن النساء شقائق الرجال كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه أبو داود والترمذي والدارمي وأحمد، وفي الوقت الذي كانت الأوساط الاجتماعية في العالم النصراني تشك في إنسانية المرأة وطبيعة روحها، أعلن القرآن الكريم "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض" (آل عمران: 195).
وبايع الرسول صلى الله عليه وسلم النساء على الإسلام والسمع والطاعة، كما بايع الرجال، وكانت بيعتهن مستقلة عن رجالهن، وليست تبعاً لهم، وفي ذلك تأكيد على استقلال شخصية المرأة المسلمة، وأهليتها لتحمل المسؤولية في البيعة والعهد وإعطاء الولاء لله ولرسوله.
هذا كله كان قبل قرون من اعتراف العالم الحديث للمرأة بحقها في التعبير عن رأيها، وذلك إلى جانب مجموعة كبيرة من الحقوق، كاستقلالها بمالها وملكياتها، وإعفائها من النفقة ولو كانت غنية، ومساواتها بالرجل في الكرامة الإنسانية والتربية والتهذيب والتكاليف الشرعية عامة.
إن ما حققه الإسلام في إصلاح وضع المرأة منذ خمسة عشر قرناً دفعة واحدة لم يستطع أحد في التاريخ أن يحققه في هذا القرن.
يكفي أن نعلم أن الثورة الفرنسية حين أعلنت في أواخر القرن الثامن عشر وثيقة حقوق الإنسان أعلنتها بعنوان "حقوق الرجل" فقد جاء في المادة الأولى من هذه الوثيقة: "يولد الرجل حراً، ولا يجوز استعباده".
ثم جرت المحاولات لإضافة كلمة "والمرأة". غير أن هذه المحاولات رفضت وظلت المادة الأولى من إعلان الثورة للحرية مقتصرة على قولها: "يولد الرجل حراً، ولا يجوز استعباده".
ويأتي بعد قرن العالم الفرنسي الكبير جوستاف لوبون –في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين- ليعلن في كتابه "روح الاجتماع": أن المرأة لم تكن قط مساوية للرجل إلا في عهد الانحطاط، وذلك في رده على من يطالب بمساواة المرأة بالرجل في الحقوق.
وظل الأمر كذلك حتى جاء عهد "عصبة الأمم" بعد الحرب العالمية الأولى، ثم عهد "منظمة الأمم المتحدة" بعد الحرب العالمية الثانية ولم ينجح العاملون لحقوق المرأة في النص على مساواتها بالرجل إلا بعد لأي، لأنهم كانوا يصطدمون بأعراف وتقاليد ذات صفة دينية، تقف عقبة في وجوههم، ولم يكن لديهم نصوص قانونية محلية أو دولية تنصف المرأة ليتخذوها وسيلة شرعية للتغلب على تلك العقبات في الوصول إلى تحرير المرأة من رواسب ماضيها الكثيفة الثقيلة. في حين جاءت النصوص الإسلامية قاطعة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم منذ خمسة عشر قرناً تسوي بين الرجل والمرأة في الثواب والعقاب والمسؤولية والجزاء، والعبادة والكرامة والحقوق الإنسانية جميعاً.
أما وضع المرأة في الشرائع القديمة فقد كان سيئاً، كما يقول الزعيم الهندي "جواهر لال نهرو" في كتابه "اكتشاف الهند"، إذ يرى أن حالها في الهند القديمة أفضل من حالها في بلاد اليونان القديمة، أو في روما القديمة، أو في عهد النصرانية الأولى، إذ كانت فاقدة شخصيتها، محرومة من حرية تصرفاتها، لا ترث، ولا تتمتع بالحقوق الإنسانية التي كان الرجل يتمتع بها.
والخلاصة أن: مبادئ الشريعة الإسلامية جاءت منذ أول يوم كاملة تقدمية، لم تكن ناقصة واستكملت نقصها بالتدريج، ولم تكن رجعين فتلافت تخلفها لتصبح تقدمية، ولا تزال قادرة على تحقيق هذا الكمال والسبق والتفوق متى أتيح لها أن تأخذ طريقها إلى التطبيق الصحيح.