الذكرى 66 لعيد استقلال سورية الأول
الذكرى 66 لعيد استقلال سورية الأول
في ظل ثورة الحرية و الكرامة
17 نيسان 1946 يوم خالد في تاريخ سورية الحديثة، أنتصرت فيه إرادة الشعب
و حققت التحرر و الوحدة السياسية و الإدارية التي فرضتها عصبة الأمم بعد
مؤتمر سان ريمو و تفكك السلطنة العثمانية، و قسمت سورية الطبيعية الى
ثلاث مناطق وزعتها على فرنسا و انكلترا تطبيقا لاتفاقية سايكس-بيكو، و
التي شكلت خيانة لعهود قٌطعت للعرب، و ضربة قاسية للآمال الشعبية و
التطلعات الى الاستقلال و الوحدة.
لقد قوبل هذا التصرف الإستعماري بإستياء عميق على المستوى الوطني نخبا و
قيادات و قواعد، فبادر الشعب السوري لإنتخاب ممثلين كسلطة تشريعية أٌطلق
عليها المؤتمر العام (1919-1920) و أٌنتخب الأمير فيصل أبن الشريف حسين
ملكاً في 8 آذار 1920، فقابلته فرنسا بعقلية و صلف دولة استعمارية إذ
وجّه الجنرال غورو في 11 تموز 1920 إنذارا للحكومة السورية طالبا
موافقتها على الإنتداب و إلغاء التجنيد الإجباري و لقد تخاذلت الحكومة و
انصاعت للانذار، إلا إن وطنية و شهامة يوسف العظمة و من كان حوله و
إعتدادهم بشرفهم العسكري، دفعهم للمقاومة في معركة غير متكافئة جرت في
منطقة ميسلون قرب دمشق سقط فيها العظمة شهيداً مع أعداد كبيرة من
المقاومين، و دخلت الجيوش الغازية دمشق.
لقد عملت فرنسا على تجزئة المجزء الى ثلاث دول و هو ما رفضه الشعب و
قاومه و عمل على التحرر و الوحدة التي تحققت سياسياً و إدارياً بعد 17
نيسان.
لقد كانت معركة ميسلون بداية لمرحلة جديدة من الصراع، قادها رجال وطنيون
بالسلاح و الثورات أحياناً و بالسياسة أخرى، و أثبتوا حكمتهم الوطنية و
كفاءتهم في تكييف البنية الاجتماعية و توحيد مسارها و حركتها و أهدافها
قاطعين الطريق على الإنتداب من استغلال ما كان سائدا من جهل و أٌمية و
خلق تناقضات في النسيج الوطني و مكوناته الدينية و المذهبية و العرقية و
الإرث الثقافي و الإجتماعي و إستغلالها لصالح مشروعه الإستعماري.
لقد أثبتت النخبة الوطنية عن سمو وعيها و قدرتها على تحقيق التلاحم بين
أبناء الوطن المتنوع بنسيج واحد وألوان متعددة تحت سقف الوطن و مصالحه
العليا.
إن ذكرى 17 نيسان و تحقيق الاستقلال هي استحضار للتاريخ و استلهام لدروسه
لا سيّما في هذه الفترة العصيبة من تاريخه و هو يخوض معركة التحرر
الثانية من الإستبداد و أحتلال المدن و الارياف و يناضل من أجل حريته و
كرامته وإقامة دولة المواطنة و المساواة دون تمييز أمام القانون.
لقد كان 17 نيسان حداً فاصلاً بين مرحلتي الإنتداب و التحرر و بداية
لبناء سورية دولة مدنية ديموقراطية تسودها العدالة في ظل التعددية
الفكرية و السياسية، و برغم الإنقلابات العسكرية من 1949 – 1954 التي
أعاقت مسيرتها فإنها عاشت فترة عصر ذهبي للديمقراطية و الأخوة الوطنية من
1954 – 1958، ما لبثت أن خضعت مرة أخرى الى الحكم البوليسي و الإنقلابات
العسكرية المتتالية و التي كان أسوءها و اخطرها إنقلاب 16 تشرين الثاني
1970 الذي قاده حافظ أسد، و ما آل إليه من حكم إستبدادي و بناء مؤسسات
عسكرية و أمنية لدعم إستمراره مستغلاً الطائفية السياسية البغيضة، و عاث
فساداً و قتلاً و تدميراً و أرتكب مجازراً عديدة ذهب ضحيتها أكثر من 100
ألف شهيد و 25 الف مفقود و عشرات ألوف المعتقلين و مئات ألوف المنفيين، و
هذا البناء المؤسساتي سهّل فيما بعد تحول الجمهورية الى وراثية.
و في مناخ الربيع العربي الذي أسقط بعضا من الدكتاتوريات هبّ الشعب
السوري مطالباً بحريته و كرامته و حقه في إقامة نظام ديموقراطي و دولة
مدنية، فقوبل بالاتهام تارةً بتنفيذ مؤامرة و بالتخوين و أخرى بإثارة
الطائفية و الأرهاب، لتبرير القتل و البطش و التدمير و أستمرار التسلط.
إن تصرفات النظام و جهله و خطئه في تقدير الموقف قاده الى رفض الأصلاح و
التغيير مبرهناً أنه غير قابل للإصلاح و لا يوجد لديه النية و الإرادة و
أدت سياسته الحمقاء لإتباع الحل الأمني الى رفع سقف مطالب الشعب باسقاطه
و تحرير البلاد و العباد، و أفرزت الجيش الحر و إزدادت الأمور تعقيداً.
إن رفع المتظاهرين علم الأستقلال ليس صدفة و إنما هي حالة رمزية بالعودة
الى الكفاح من أجل التحرر الذي تحقق في 17 نيسان، و هذا يتطلب إتباع نهج
قادة الإستقلال و الرعيل الأول بالحرص على الوحدة الوطنية و تعزيزها و
الأستمرار بالكفاح السلمي و عدم الوقوع في أفخاخ النظام و سعيه لتفكيك
اللحمة الوطنية. إن الأستمرار بالتظاهر و العصيان المدني و الإعتماد على
الله أولاً ثمّ الذات هي عوامل النصر الحقيقية على الإستبداد و للإنتزاع
الحرية و تحقيق الديموقراطية.
الرحمة للشهداء و الشفاء العاجل للجرحى و الحرية للمفقودين و المعتقلين.
الحركة السورية للديموقراطية و العدالة
دمشق
16-4-2012