المنهجيّة الرّوسيّة في قمع الثّورة السّوريّة

المنهجيّة الرّوسيّة في قمع الثّورة السّوريّة

صلاح حميدة

[email protected]

الطّريقة الّتي يدير بها النّظام السّوري قمعه للثّورة الشّعبيّة السّوريّة ملفتة للغاية، وتحتاج للكثير من الدّراسة، وبعمليّة مقارنة لما يجري على الأرض في سوريّا وما يتّبعه النّظام الرّوسي في التّعامل مع الحالات المماثلة في الشّيشان وأفغانستان وداغستان وفي لتوانيا قبل زمن طويل، وكذلك يلحظ وجود مشتركات كثيرة بين تلك المنهجيّة القمعيّة فيما اقترفه مجرمون آخرون تخرّجوا من نفس المدرسة الرّوسيّة، وهو ما جرى في البوسنة والهرسك وكوسوفا وليبيا، بالإضافة إلى دفاع  " الأستاذ" الرّوسي عن تلاميذه جميعاً في جرائمهم تلك.

إنّ ادعاء وزير خارجية روسيا بأنّه لا توجد لبلاده مطامح استعماريّة في المنطقة كما لا يوجد لها تاريخ احتلالي فيها، لا يعني بالضّرورة أنّه بريء من دماء وآلام الشّعب السّوري الّذي يذبح كل يوم، فالقتل يتم بتغطية سياسية وتسليح وبإشراف خبراء روس، وبطائرات استطلاع إسرائيليّة اشترتها روسيا، وبدعم وتوجيه استخباري روسي، وأخيراً بقوّات خاصة وتجهيزات أنزلت في طرطوس من أجل حرب العصابات والمدن، وروسيا هنا تضع كامل خبرتها وجهودها في قمع الثّورات في الشّيشان وداغستان في خدمة ارتكاب المجزرة في سوريا، كما وضعتها من قبل – ولا زالت- في خدمة كل من يحارب الحركات الاسلاميّة.

يوجد شبه كبير بين ما يجري في سوريا وما جرى على يد حلفاء روسيا في البوسنة والهرسك، بل تعتبر هذه الحالة من أشبه الحالات للحالة السّوريّة، فالقتلة تخرّجوا من نفس المدرسة، ويتمّ تسليحهم بنفس السّلاح، ويتمّ الدّفاع عنهم من قبل نفس " المعلّم"، ويقوم هؤلاء المجرمون بقمع إرادة الأغلبيّة بكل الوسائل المتاحة تحت عنوان القضاء على الإسلام والإسلاميين، ولا تخفي روسيا وتلاميذها أنّهم في حرب دائمة تستهدف الإسلام والإسلاميين، ويعتبر الدّافع العقدي مهم جدّاً لدى هؤلاء، وتعتبر روسيا أنّ نتائج الرّبيع العربي ستضعها أمام الاسلام الحضاري، صاحب مشروع نهضة شاملة للامّة، ولذلك تضع كامل ثقلها في هذه المعركة، وتتواطؤ معها القوى الدّوليّة لوأد الثّورة في مهدها وإيقاف عجلة الرّبيع العربي في دمشق تمهيداً للتّفرغ لإجهاض الثّورات الأخرى في مصر وليبيا وتونس واليمن، والقضاء على الحراك الشّعبي المطالب بالتّغيير في دول أخرى، ولذلك لا بدّ أن يعلم كل من يعنيه الأمر فيما يخصّ الثّورة السّوريّة، أنّ القوى الغربيّة لن تتدخّل في الشّأن السّوري عسكريّاً إلا إذا رأت أنّ الرّوس فقدو القدرة على إبادة الثّوار وحضانتهم الشّعبيّة في سوريا، وأنّ الكفّة بدأت تميل بشكل واضح لصالح القوى الّتي يخشاها هؤلاء، فهذا ما جرى في البوسنة والهرسك على وجه التّحديد، حيث ترك البشناق لمصيرهم من القتل والتّهجير والاغتصاب بإشراف دولي وتوجيه روسي، حتّى بدأ البشناق ومعهم المقاتلون العرب يستعيدون زمام المبادرة، فكان قرار التّدّخّل العسكري حينها لمنع قيام كيان إسلامي يهدّد المصالح الاستعماريّة الغربيّة والرّوسيّة، وفرض حلّ بإبقاء البوسنة تحت الانتداب ونكّل بالمقتلين العرب، ولذلك من المهم أن يكون الدّعم المقدّم من أحرار الأمّة للشّعب السّوري مباشرةً ومنع انتصار النّظام على الشّعب بأيّ ثمن، فلو انتصر النّظام بدعم هذا الخليط الاستعماري و الطّائفي، فسيعاني العرب أيّاماً أسوأ بكثير من الّتي يعانيها السّوريون الآن.

تتجسّد المنهجيّة الرّوسيّة في القمع في ظاهرة القصف العنيف للمدن بلا تمييز، والقتل العشوائي الّذي يطال الجميع من الكبير حتّى الصّغير، وباستباحة الأموال والممتلكات، وهذا ما جرى بالصّوت والصّورة في الشّيشان والبوسنة وفي ليبيا و سوريا، ف " المدن تدمّر على رؤساء أهلها في سوريا ويتمّ نهب البيوت والمحال التّجاريّة والمصانع" كما قال حسن عبد العظيم من مدينة حلب، ويتمّ اغتصاب الأطفال والرّجال و الفتيات جماعيّاً بطرق وحشيّة وبساديّة قذرة، ثم يتمّ تقتيل والتّمثيل بجثث الضّحايا وحرق بعضها، وهذا ما جرى بشكل منهجي أيضاً في البوسنة والهرسك، حيث كان يتمّ قتل الرجال واغتصاب جماعي للنّساء، بل كانت "الفتاة تغتصب حتّى تحمل ثمّ بعد ذلك يطلق سراحها" وهو ما جرى في سوريا حسبما أعلن الكثير من مؤسّسات حقوق الإنسان، وعلى رأسهم الحقوقيّان السّوريّان هيثم المالح ورامي عبد الرّحمن، بل يضاف على ذلك - سوريّاً- بتقطيع الأعضاء التّناسليّة للرّجال، هذه الجرائم تمّ اقترافها من قبل تلميذ آخر للرّوس في ليبيا أيضاً، ودفع ثمنها تنكيلاً وقتلاً عند القبض عليه من قبل الشّعب.

هدم المساجد والاعتداء على المقدّسات، اعتبار الرّوس وتلاميذهم في البوسنة وليبيا وسوريا أنّهم في معركة ضدّ الإسلام أو الاسلاميين، جعلهم يستبيحون كل المقدّسات، فلم يكن غريباً تركيزهم على قصف المساجد وهدمها، وذبح واعتقال وتعذيب وملاحقة أئمّة المساجد والتّنكيل بهم وبأهاليهم، بالإضافة إلى مهاجمة علماء الأمّة ومحاولة تشويههم، وحرق المصاحف والكتب العلميّة وتدنيسها، والعمل على إجبار المعتقلين على السّجود وتوحيد تلاميذ الرّوس بدلاً من الله عزّ وجل.

لا يمكن تبرئة قوى الإستعمار والإحتلال والدكتاتوريّة الأخرى من جرائم مشابهة، فقد أجرم الطّليان والإسبان والفرنسيون والإسرائيليون والأمريكان والبريطانيون وغيرهم بحقّ الشّعوب الّتي احتلّوها وحكموها، ولكن المنهجيّة الرّوسيّة وتطبيقات تلاميذها على الأرض تعتبر الأكثر وحشيّة وبدائيّة، و لا يوجد أمامها أيّ روادع أو خطوط حمراء، وتفعل أيّ شيء حتّى ولو كان مغطّى إعلاميّاً، وتغطّي أي نقص في المناهج الاحتلاليّة والاستعماريّة والدّكتاتوريّة الأخرى، ولا يردعها ما يردع أو يحرج الآخرين.

ذكر دبلوماسي روسي سابق على فضائيّة عربيّة أنّ مجزرة حماة في ثمانينيّات القرن الماضي تمّت تحت إشراف خبراء روس من الإتحاد السّوفيّاتي وبرضى وضوء أخضر غربي، بل أبدت بعض القوى الغربيّة عن ارتياحها للقضاء على الإسلاميين في سوريا في حينه، ما يجري الآن مشابه لما جرى في السّابق، ولكنّه يجري على الهواء مباشرةً، ويظهر بما لا يدع مجالاً للشّك أنّ أعداء حرّيّة الشّعوب هم نفسهم ولم يتغيّروا في طريقة تعاطيهم مع هذا الموضوع، ولكن ما تغيّر هو الشّعوب نفسها والّتي لن تسمح لهم ولا لأدواتهم وتلاميذهما بمصادرة هذه الإرادة بعد الآن.