أمَة عربية أم لمّة عربية؟
سامح عودة/ فلسطين
إهداء إلى – لاجئي البرد - اللاجئين السورين في مخيمات اللجوء
تمر المجتمعات العربية بحالة فصام ثقافي حضاري سياسي تاريخي تؤثر سلباً على وحدة المجتمعات العربية وتماسكها، تنذر بما هو أسوأ من ذلك في ظل حالة التشرذم والاقتتال الداخلي، الذي ينتشر من قطر إلى آخر، يمتد يوماً بعد يوم كنار في الهشيم ليكشف عيوب مجتمعاتنا التي تغنت لعقود بحالة تشبه الاستقرار، فاخرت بذلك تحت نمطٍ دعائيِ مارسته الدكتاتوريات لسنوات طويلة ما جعل الكثيرين يغرقون في بحر أمجاد بنيت في عالم من الخيال، لم تجد لها على الارض مكاناً، لأنها – حالة الاستقرار – تشبه فقاعات الصابون ما تلبث أن تتلاشى امام هبة هواء لتكون لا شيء!!.
أن ما يجري داخل المجتمعات العربية له أبعاده الخطيرة وتداعياته على المجتمعات العربية برمتها ، ولن يكون سحابة صيف عابرة وسيكون له انعكاسات خطيره لا يمكن احصاء خسائرها، ما يجري تهتك لكل قيم التسامح والتعددية والتعايش التي كان تُمنّى النفس بها، أمام ما يجري هناك تراجع للمشروع القومي العربي، وتراجع لكل المشاريع الأخرى التي كانَ يُعولُ عليها لتوحيد إقليم أو أكثر تحت شعار الوحدة العربية التي كانت شعاراً مطلع الستينات من القرن الماضي، فشعار بلاد " العرب أوطاني " لم يكن الا حالة هذيان أمام الهزائم التي راكمناها لعقود .
نعم .. فمجتمعاتنا التي ظلت تَئنُ تحتَ " سياط " الفقر والجهل والمجاعة والتخلف، فالأمعاء والعقول الخاوية لن تصنعَ مجداً ولن تبني صرحاً يمكنها من الصعود الى سلم وحدتها وبناءَ جهاز مناعةٍ يجعلها عصيةً على الكسر، يهابها الطامعون ويخشاها الحاقدون، لذلك بقينا نردد المجتمعات العربية ولم نقل المجتمع العربي.
كلما تقدمت بنا الايام نهرم وينخر عظامنا برد الفرقة والتمزق والتشرذم، وتنثرنا رياح الفرقة في صحراء قاحلة لا ينبت فيها الا شوك القتل والسحل والاشلاء الممزقة في العواصم والمدن العربية.
" هرمنا " .. تلك الكلمة التي قالها ذاك التونسي الذي ذاق مرارة القهر والخوف قبل وبعد الثورة ...!! تلك الكلمة التي قيلت بعفوية لخصت وجع السنين الماضية وتنبأت بظلام وظلم الايام القادمة، كأن ذلك الكهلُ كان مدركاً أن الفقر والقهر والجهل وقلةِ الحيلة، ستؤدي بنا في نهاية المطاف، إلى مزيد من التفتت والانقسام وهامشية مجتمعاتنا، وفقرها وإيقاظ نار الفتن، التي ناضلنا ضدها حتى لا تكتوي الاجيال بلهيبها الحارق.
ليس من محض الصدفة أن يطفو الى السطح في ظل سديم التناحر البغيض اشكاليات الاقليات الدينية والعرقية، وسيمفونياتٍ مشروخةٍ تصم الأذن، وتدمي المقل..!! مواضيع كانت نائمة لعقود طويلة، لم نتنبه بأن مجتمعاتنا تحولت الى مزيج غير متجانس من الأقليات، أقول .. غير متجانس لأننا كان من المفروض أن نؤسس لمجتمع مدني متجانس يعبر عن هويتنا الأصيلة، التي تجمع كافة المُرَّكبات بداخلها وتنمي روح المسؤولية لغدٍ يعيش فيه الجميع بأمن وسلام ويكون الافراد برغم اختلافهم عناصر بناء لا معاول هدم .
ما زرعناه خلال قرن من الزمان لن نجني منه الا الشوك، لأن زرعنا البائس لم نسقيه الا ماء التشرذم والقهر البغيض، وتصارع الايدولوجيات، فأقطارنا العربية الممتدة من الشرق إلى الغرب بائسة، ولم توحدها الجغرافيا ولا اللغة ولا التاريخ المشترك، وكل ما عدا ذلك ضحك على الذقون.
الأقطار التي من المفروض ان تكون لبنات مجتمع واحد متماسك يشد بعضه بعضا، لا يترك مكاناً للغرباء يعبثوا بأمنه وأمانه ويهددوا استقراره ويعيدوا تقسيمه فتات يسهل طحنه، لهذا لم تتطور العلاقات داخل الأقطار العربية- علاقات اقتصادية وفكرية – ولم تؤسس لبناء متين قادر على مواجهة تحديات المرحلة دون ارتباك أو خوف، يقتل روح التجديد والانبعاث الحضاري، وفي الوقت نفسة علاقة الاقطار بعضها ببعض كانت على نفس النسق السائد داخل القطر نفسه.
لذلك هي لمة عربية .. وليست أمة عربية..!!
وما يسود في بلاد الأعراب لا يؤسس لبناء أمة متماسكة أنما هو مقدمة للمّة متهالكة !!.