يا ثوار سورية اتحدوا
نبيل شبيب
انتهى وجود الاستبداد.. وينتظر ضربتكم القاضية
استجيبوا لنداء شعبكم.. وسيمضي شعبكم الثائر وجيشكم الحر معكم، فالوطن المشترك ينادي الجميع، والمصير الواحد يحمّل المسؤولية للجميع.. دون استثناء
تعلمون أيها الثوار الأبرار أنّ "السياسيين" الذين يتصدّون للمعارضة باسم سورية وثورتها لم يتمكّنوا حتى الآن من:
- توحيد أنفسهم على قواسم مشتركة للتغلب بها على ما يفرّقهم من توجّهات وولاءات تنظيمية..
- وضع مشروع سياسي متكامل لسورية ما بعد الاستبداد يتجاوز حدود العناوين العامة..
- فرض أنفسهم على الساحة الإقليمية والدولية عبر قوّة تأييدهم الشعبية بدلا من المحاولة في اتجاه معاكس..
وقد استطعتم أكثر من مرة وأنتم مع الشعب الذي يحتضنكم تدفعون الثمن الكبير -دماء وآلاما ودمارا- أن تحولوا دون "تدهور سياسي" تسببه اختلافات وأنانيات سياسية.
أيها الثوار الأبرار لم يعد هذا كافيا.. وفي استطاعتكم أنتم تحقيق المزيد:
- باستطاعتكم دفع التحرك السياسي في الاتجاه الذي يجعله جديرا -ولو جزئيا- بالثورة البطولية التاريخية..
- باستطاعتكم فرض مشروع سياسي متكامل لسورية ما بعد الاستبداد على من لم يقم بواجبه لوضعه وتبنيه وبيانه كما ينبغي..
- باستطاعتكم التعجيل بمرحلة إسقاط الاستبداد بجذوره وفروعه وتخفيف ما يقدّمه الشعب الثائر من تضحيات على هذا الطريق..
ما الذي يمنع من ذلك أيها الثوار الأبرار؟..
. . .
صحيح أنكم لا تحملون المسؤولية عن تعدّد تنظيماتكم الثورية وتفرّقها، لأسباب وجيهة، فقد:
- نشأت من رحم الثورة الشعبية العفوية السلمية البطولية.. بعد عشرات السنين من الاستبداد الهمجي
- وجدت نفسها من اللحظة الأولى بين سندان الإجرام القمعي ومشكلات ما يسمّى "المعارضة" السياسية..
- واجهت الألاعيب السياسية الملتوية، الإقليمية والدولية، أثناء ازدياد نزف الدماء وتصاعد العطاء..
ورغم ذلك:
- نجحتم في تصعيد الثورة الشعبية يوما بعد يوم حتى أشرفتم على عامها الثاني ببطولة منقطعة النظير..
- نجحتم في تصديع البنية العسكرية والاقتصادية والمالية والسياسية وجميع ما رسّخته الطغمة المتسلّطة عبر خمسة عقود..
- نجحتم في إنقاذ الثورة الشعبية من محاولة جرّها إلى صدامات طائفية مقيتة أو عسكرة غير منضبطة..
- نجحتم في صناعة قوّة عسكرية ذاتية أصبح الجيش الحرّ وكتائب الأحرار نواة لها..
وأنتم تواجهون اليوم -أيّها الثوار الأبرار- مزيدا من التحديات:
- استمرار محاولات القوى الدولية والإقليمية أن يضعوا للثورة نهاية ترضيها وتحقق مصالحها.. وتعلمون أنّ محطاتها الأخيرة في (تونس) بالأمس وفي (اسطنبول) قريبا، لن تخرج بها كثيرا عن هذا المسار
- استمرار تصعيد الإجرام القمعي حتى تحوّل إلى حرب إجرامية مفتوحة ضدّ الشعب دون استثناء.. وتعلمون أنّ محطاتها الأخيرة في (حمص) بالأمس وفي (إدلب) اليوم لن تكون آخر المحطات
- استمرار التناحر فيما يسمّى المعارضة السياسية.. وتعلمون أنّ محطاتها الأخيرة في (تونس) بالأمس وفي (اسطنبول) أثناء كتابة هذه السطور لن يحوّلها إلى قوّة سياسية فاعلة تستمدّ وجودها وتأثيرها من المشروعية الثورية..
. . .
لهذا كلّه أيها الثوار الأبرار بات عليكم أنتم على وجه التحديد أن تستكملوا الطريق التاريخية التي تسلكونها، لتصنعوا ما يبدو لجميع معاصريكم "معجزة" تاريخية، وإن إنجازكم قريب من المعجزة، فقد أصبحت ثورتكم تُصنع صنعا بيد العزيز القدير كما يعبّر عنه هتافكم الجامع لشعبكم بمختلف انتماءاته وتطلعاته: يا ألله ما لنا غيرك يا ألله..
يا أيها الثوّار الأبرار.. وحّدوا صفوفكم، من وراء كل توجّه ورؤية، ومن وراء كل موقع جغرافي أو تاريخي، لا تملكون أمره، ولكن تملكون أمر توظيفه في الاتجاه الصحيح لتتحوّل هذه الثورة البطولية وهي على أبواب عامها الثاني، من مرحلة الإنجاز بعد الإنجاز، إلى لحظة فاصلة تسقطون بها النظام الفاجر، وتحولون من خلالها دون تنفيذ أيّ مخطط غادر، وترتفعون بها بقوتكم الذاتية إلى العلياء التي يتطلع إليها شعبكم الذي صنعكم وتصنعه ثورتكم المجيدة من جديد.
إنّ توحيد صفوفكم لا يتحقق من خلال تنظيم واحد مشترك.. بل من خلال رؤية واحدة مشتركة، وقواسم مشتركة، وتواصل يحقق التنسيق الضروري في هذه المرحلة من ثورتكم البطولية أكثر من أي وقت مضى، مع الإصرار على الأهداف الشعبية المشروعة مهما بلغت الإغراءات.. ورغم شدّة الآلام على طريق التضحيات.
يا أيها الثوّار الأبرار.. يجب أن تتحرك دمشق وريفها في لحظة واحدة مع حلب وريفها، وأن يتحرّك أبطال حمص في اللحظة ذاتها مع أبطال إدلب ودرعا، وأن يستجيب لنداء الثورة أهل اللاذقية والساحل بكامل قوتهم، كإخوانهم من أهل الحسكة والجزيرة.. ويجب أن تتحرّك المظاهرات والفعاليات السلمية في لحظة واحدة مع تحرّك الكتائب التي تحرّرت من قبضة الطاغوت.
هذا ما يمكن أن تصنعه وحدة صفوفكم على قواسم مشتركة وأهداف آنية موحّدة ومشروع مستقبلي يستمدّ قوّته من رؤية مشتركة، وقواعد ضابطة لتعاملكم مع بعضكم اليوم، وتعامل مختلف القوى السياسية مع بعضها غدا.
إنّ هذه الوحدة لم تعد مجرّد مطلب وطني ثوري تاريخي، بل أصبحت من شروط الانتقال إلى مرحلة النصر الأول باستكمال إسقاط النظام الباغي دفعة واحدة، فقد تزعزعت أركانه وتزلزلت أقدام شبيحته وانتشر الذعر في الصف الأوّل من عصاباته.. ولم يعد يفيده أمل فاسد يعقده على عون خارجي يمنع سقوطه، ولا على مدد عسكري يضاعف قدرته على البطش.
لقد انتهى وجود الاستبداد.. وينتظر ضربتكم القاضية، فعجّلوا بها عبر وحدة صفوفكم ورؤيتكم، وعبر توحيد فعالياتكم وخطواتكم.
انتهى وجود الاستبداد بفضل ما قدّمه الشهداء والمعتقلون وأهلوهم من عطاء لا ينضب.. وإن لهؤلاء جميعا حقا على السياسيين، ولا نملك إلا الدعوة لهم بالهداية، أن يرتفعوا بأنفسهم إلى مستوى عطاءات شعبهم وثورته البطولية..
انتهى وجود الاستبداد بفضل ما قدّمه الشهداء والمعتقلون وأهلوهم من عطاء لا ينضب.. وإنّ لهؤلاء جميعا حقا على الثوار، وإنّنا على يقين بأنّكم جديرون بحمل الأمانة وأدائها خير أداء، فعليكم من بعد الله عز وجلّ تنعقد الآمال الكبيرة، وعليكم من بعد الله عزّ وجلّ المعتمد الأوّل على طريق تحقيقها، وقد أصبحتم قاب قوسين أو أدنى من النصر العزيز.. فانصروا الله ينصركم، وانصروه يثبت أقدامكم، واستجيبوا لنداء شعبكم.. وسيمضي شعبكم الثائر وجيشكم الحر معكم، فالوطن المشترك ينادي الجميع، والمصير الواحد يحمّل المسؤولية للجميع.. دون استثناء.