التحولات الاستراتجية .... والتتار الجدد في باباعمرو

التحولات الاستراتجية....

والتتار الجدد في باباعمرو

جان عبد الله

[email protected]

لم يتغير كثيرا واقع العالم الخاضع للمنافسة الأميركية الروسية وروحها التقسيمية في الفترة الممتدة بين 1945-1980 . مع أنّ العرب والمسلمين كانا في تلك الفترة بالنسبة للرأي العام الغربي يشكلان أيضا موضوعا مثيرا للقلق منذ تأميم قناة السويس وتصاعد حرب البترول التي أعادت النظر في عادات الاستهلاك والأسعار والتنمية الصناعية.

الأزمة السورية اليوم كشقت عمق الخلافات الأميركية الروسية وأثبتت أن أميركا لم تعد القطب الأوحد الذي يدير شوؤن العالم خاصة بعد أن تفردت بكل الغنائم النفطية في ليبيا, الأمر الذي دفع الروس والصينيين الي التثبت بنفوذهم في ايران وسوريا والا فأنهم سيفقدون آخر موقع لهم في المياه الدافئة في قرن التحولات السياسية وتغيير المواقع وانفجار العنف , فالنفوذ الروسي خرج من العالم العربي بعد اتفاقيات كامب ديفيد وهو يخشى اليوم أن يخرج من العالم الاسلامي بعد ثورة الخميني وتموضع جمهوريات اسلامية ثلاث على حدوده لذلك نجده يكثر من القواعد الجوية على مناطقه الحدودية بغية مراقبة مناطق النفط والخليج ومضيق هرمز ومرفأ بندر عباس.

وللمرة الثانية بعد غزو أفغانستان تجرؤ موسكو على قلب كل المعادلات الدولية وتهدم الحواجز بينها وبين المحيط الهندي وتصيب بخلل كبير ميزان توازن القوى في المنطقة مستفيدة من تردد الآخرين , ومن التواطؤ الايجابي بين القوى الاقليمية اتفاق تركيا ايران روسيا وتفاهمهم والقوى الدولية على عدم التدخل بالشأن السوري. كما أنّ روسيا لم تعد تبالي بعداء الشعوب العربية لها نتيجة هذه المواقف فما دامت الولايات الأميركية قد أبعدتها نسبيا عن المنطقة العربية وهي بصدد أخراجها من آسيا الاسلامية .

وفي تقديرها الخاطىء  أنّ المكاسب التي ستجنيها من وقوفها مع نظامي طهران ودمشق الاجراميين لهو أكبر بكثير من الخسائر, لأنها عندما تشرف غلى منابع النفط سيكون في وسعها ايضا السيطرة على طرق التموين به كما وستشارك في النفوذ الاستراتيجي في المحيط الهندي.......وهنا يتساءل البعض ما هو مدى تأثير وانعكاس هذه الصراعات والتحولات على واقعنا السوري ؟؟

انّ ثمة اقتناعا يجتاح المنطقة العربية وشعوب العالم الاسلامي أنّ ما يحدث في سورية وفي حمص  بابا عمرو فظيع جدا وخطير جدا وآثاره قد تؤدي الى كوارث لايوازيها الا ما قام به السوفيات يوما في افغانستان حين ارتكبوا فظائع ومجازر فعلها قبلهم هولاكو وجنكيز خان. لهذا لايمكن لأحد أو مجموعة أو دولة أن تقبل حمامات الدم التي يرتكبها بشار الأسد وعصابته بكل ما فيها من دماء تهرق وأرواح تزهق وأعراض تنتهك وكأنّ فاعليها وحوشا ضارية لاينتمون للانسانية باية صلة .

على الطرف الآخر, وأعني المعارضة , نجد حالة من انعدام المسؤولية والأنانيات الفردية والتنظيمية لا بل حالات من العمى السياسي في سلوك المعارضات السورية المتنابذة والتي يسمى بعضها معارضة اسطنبول ومعارضة الدوحة وخاصة التي هبطت منها فجأة بعد بداية الثورة بمظلات اسقطت على ساحة العمل الوطني في مناهضة الظلم والطغيان , وبعضا آخر وصل الى المؤتمرات الكثيرة مندوبا عن أجهزة النظام المخابراتية لاختراق هذه الساحة وافشالها ,كما فعلوا سابقا في التحالف الوطني واعلان دمشق وجبهة الخلاص الوطني حتى يتحقق لهذه الأجهزة ما فعلته مع القوى الوطنية لشعبنا في الداخل .

اليوم وبعد كل مايتعرض له شعبنا في حمص وبقية المدن السورية من فظائع على ايدي التتار الجدد مجرمي محور الشر الايراني السوري الحزب اللاتي نحتاج الى خارطة طريق واضحة لمستقبل شعبنا تقنع العالم انّ هنالك محاورا سوريا جديرا بالثقة وللوصول الى ذلك لا بدّ من تجاوز كل تناقضاتنا الفرعية في مواجهة التناقض الرئيسي مع محور الشر . وللتذكير فقط فان أكاديميا مثل الدكتور برهان غليون وطنيا محترما لكنه لايصلح لقيادة هذه المرحلة بكل تعقيداتها الاقليمية و السياسية.

لهذا فأنني أهيب بكل معارض مخلص وكل وطني شريف أن يعي استحقاقات هذه المرحلة الخطيرة في تاريخ سوريا وأتمنى على بعض القيادات في المعارضة السورية مثل الأستاذ علي صدر الدين البيانوني الذي احترم أن يعمل على توحيد المعارضة في مواجهة هذا المحور الاجرامي لا على الاستئثار بها والوقوع في أخطاء الماضي.

انّ مئات آلاف الدولارات ينفقها أعضاء أمانة المجلس الوطني ومكتبه التنفيذي في تنقلاتهم اليومية بالطائرات من بلد الى بلد ومن مطار الى آخر دونما نتيجة تذكر في الوقت الذي لم يقدم هذا المجلس دولارا واحدا الى الجيش السوري الحر الذي لا يملك ذخيرة أو عتادا لمتابعة نضاله ومقاومته . انّ شعبنا اليوم يحتاج الى كل دولار يهدر من هذه الأموال وهو يدفع الثمن دما وعرقا.

لهذا أتمنى على هؤلاء القادة وكل من يتصدى لقيادة هذه المرحلة أن يسعى الى توحيد الجهود دون استثناء بالفعل والعمل لا بالقول ,لأن التاريخ السوري الحديث يصنع اليوم وليس غدا ومن لايشارك في صنعه لا مستقبل له فيه .