واقع السياحة في سورية

بنيامين يوخنا دانيال

واقع السياحة في سورية

في ظل الاضطرابات السياسية والامنية القائمة

بنيامين يوخنا دانيال

[email protected]

انطلقت موجة الاضطرابات السياسية و الامنية في سورية منذ اواسط آذار 2011 ، و قد تصاعدت حدتها و اشتدت وتيرتها على نحو بين و سريع ، لتدخل الاقتصاد السوري في نفق معتم ، واجهت البنوك فيه ازمة حقيقية بسبب السحوبات الضخمة و المتلاحقة للودائع ، بلغت ( 100 ) بليون ليرة سورية في غضون عام واحد ، اي ( 30 % ) من قيمتها ، لتهبط الى ( 346،4 ) بليون ليرة بنهاية 2011 . قابلها انخفاض شديد في قيمة العملة المحلية ( 57 ليرة لكل دولار مقابل 47 ليرة سابقا ) . كما سجل الانتاج النفطي تراجعا حادا و بنسبة ( 30 % - 36 % ) جراء تنفيذ رزمة من العقوبات العربية و الدولية ، وفقا لتصريحات وزير النفط السوري . مع تفاقم مشكلة البطالة و ارتفاع اسعار السلع و الخدمات و تعثر الانتاج و تراجع حجم الصادرات خصوصا الى العراق و لبنان و روسيا و اوكرانيا و غيرها ، و تراجع اعمال الموانىء . و لم تكن السياحة في سورية بمنـأى عن هذه التأثيرات التي اصابت جميع الانشطة و القطاعات الاقتصادية و بدرجات متفاوتة ، بل كانت اكثرها تعثرا و تراجعا بسبب عمق الازمة السياسية و الامنية التي القت بظلالها الثقيلة على البلاد من جهة ، و لحساسية هذا النشاط العالية تجاه التغيرات و المستجدات على جميع الاصعدة ، خصوصا الامنية و السياسية منها . و قد تجلى ذلك من خلال : -

اولا : التراجع الشديد في حجم السياحة الواردة الى سورية اجنبية كانت او عربية ، و بمعدلات صاعدة ، متقابلة مع التصاعدات الحاصلة على الصعيد الامني و العسكري .

ثانيا : التراجع في العائدات السياحية المتأتية من الضرائب و الرسوم على السواح و الانشطة السياحية المرتبطة بالمرافق و المنشآت السياحية و الفندقية المختلفة .

ثالثا : تضرر العمالة المشتغلة بالقطاع السياحي و القطاعات و النشاطات المرتبطة بها ، و تفاقم مشكلة البطالة على المستوى الوطني لتبلغ مستويات قياسية. و تشير الاحصائيات الرسمية الى بلوغ نسبة البطالة في سورية عام 2009 نحو ( 9،2 % ) بوجود ( 594000 ) عاطل عن العمل .

رابعا : فقدان الاهتمام بسورية كمقصد سياحي مهم بالنسبة للسواح من ايران و العراق و دول الخليج العربي و غيرهم ، و تحول هؤلاء الى مقاصد بديلة مثل تركيا و دول اوروبا الشرقية و بعض الدول الاسيوية مثل ماليزيا و تايلاند و اندونيسيا و غيرها .

خامسا : تعثر السياحة الداخلية في ظل الظروف الامنية السيئة و انخفاض المستوى الاقتصادي للاسر و الافراد .

سادسا : تضرر المرافق و المنشآت السياحية و الفندقية بسبب انحسار اعداد السواح و انخفاض اشغال الغرف الفندقية خصوصا تلك الواقعة في المناطق الساخنة .

سابعا : تضرر القطاعات و النشاطات المرتبطة بالسياحة مثل العقارات و المقاولات و الانشاءات و النقل و المصارف و و غيلرها حتى وصلت قيمة الفاتورة التي دفعها الاقتصاد السوري الى ( 30 ) بليون دولار امريكي بحسب بعض المصادر . .

حظي قطاع السياحة باهمية خاصة في الاقتصاد السوري ، و قد تجلى ذلك من خلال مساهمته المباشرة في الناتج المحلي الاجمالي عام 2010 بنسبة ( 5،5 % ) و بقيمة ( 128 ) بليون ليرة سورية ، و بمساهمة كلية بنسبة ( 14 % ) و بقيمة ( 371،5 ) بليون ليرة مقابل ( 9 % ) عام 2002 و ( 14،4 % ) عام 2007 و ( 12 % ) عام 2009 ، وفقا لمجلس السياحة و السفر و الاحصائيات المحلية . اما العائدات السياحية فقد بلغت ( 8،5 ) بليون دولار امريكي عام 2010 مقابل ( 2،13 ) بليون دولار عام 2005 . و تم استقبال نحو ( 8،5 ) ملايين سائح عام 2010 مقابل ( 6،9 ) ملايين سائح تقريبا في العام الذي سبقه ، و قد خطط لرفع الرقم الى ( 15 ) مليون سائح عام 2015 ، و بزيادة ( 40 % ) تقريبا . و قد شكلت الايدي العاملة المشتغلة فيه عام 2008 نسبة ( 13 % ) من مجموع الايدي العاملة المشتغلة في الاقتصاد الوطني ، و وفر ( 772100 ) فرصة عمل مباشرة و غير مباشرة عام 2009 ، منها ( 252800 ) فرصة عمل مباشرة ارتفعت الى ( 304500 ) فرصة عمل مباشرة عام 2010 ، بزيادة ( 20،4 % ) . كما ساهم في توفير ( 23،1 % ) من النقد الاجنبي عام 2009 و نحو ( 23،8 % ) عام 2010 بحسب تصريح لوزير السياحة السوري السابق .

و قد اقترن نمو و ازدهارقطاع السياحة في سورية باصدار مجموعة قوانين و مراسيم تشريعية و قرارات هيأت ارضية خصبة لذلك و دفعت بأتجاه تنويع و تطوير و توصيل المنتوج السياحي الوطني الى الاسواق العربية و الدولية ، و منها : القانون ( 46 /1966 ) المعدل بالقانون ( 36/1972 ) القاضي بمنح اعفاءات و تسهيلات للمنشآت السياحية ، و المرسوم التشريعي ( 4/1972 ) القاضي باحداث وزارة السياحة و المجلس الاعلى للسياحة ، قرار المجلس المذكور ( 186/1985 ) بخصوص الاستثمار في القطاع السياحي ، و القرار ( 198/1987 ) حول شروط اقامة المجمعات و المنشآت السياحية ، و القانون ( 65/2002 ) القاضي باحداث غرفة للسياحة و اتحاد لها و انتخاب غرفة سياحة ، و القرار ( 2121/2005 ) الخاص بالمواصفات السياحية للمنشآت الموظفة بالدور التراثية التاريخية ، و القرار ( 136/2006 ) بالموافقة على قيام وزارة السياحة بعرض المواقع المقترحة من قبلها للاستثمار السياحي ، و القانون ( 15/2008 ) المتضمن احداث الهيئة العامة للتطوير و الاستثمار العقاري ، و القانون ( 2 /2009 ) المتعلق بمؤسسات تنظيم الرحلات السياحية و وكلاء السفر و مكاتب السفر ، والقرار ( 1725/2009 ) الخاص بالتعليمات التنفيذية لاحداث مراكز التدريب السياحي و الفندقي او الفندق التدريبي ، و القرار ( 2272/2009 ) حول ترخيص المنشآت السياحية و الخدمية ، و المرسوم التشريعي ( 32/2010 ) القاضي بالسماح للاشخاص الطبيعيين و الاعتباريين بتشييد مشروعات التلفريك و غيرها .

اما اهم التحولات التي شهدها قطاع السياحة في سورية في ظل الاضطرابات السياسية و الامنية القائمة فقد شملت تراجع السياحة في سورية بنسبة ( 8 ) بالمائة خلال الاشهر( كانون الثاني – شباط – ايار) 2011 بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام السابق ، وفقا لتقرير رسمي صادر عن وزارة السياحة السورية . و بنسبة ( 26 % ) للفترة كانون الثاني – نيسان و بنسبة تزيد على ( 60 % ) في الفترة حزيران – تموز بحسب تصريح ( لمياء عاصي ) وزيرة السياحة الى صحيفة ( الشرق الاوسط ) اللندنية ، مع انحسار اعداد السواح في الفترة ( نيسان – تشرين الثاني ) بنسبة ( 64 ) بالمائة . و خلو الدور التراثية من النزلاء الاجانب و العرب خلال نيسان و ايار 2011 و انخفاض نسبة اشغال الغرف في الفنادق من فئة ( 5 نجوم ) الى ( 15 % ) فقط بسبب الغاء و تأجيل اكثرية المجموعات السياحية من اوروبا لحجوزاتها لسورية بحسب ( محمد رامي ) رئيس غرف السياحة في لقاء مع ( اسيريا نيوز ) . و وصول نسبة الاشغال هذه الى ( صفر % ) في صيف 2011 وفقا لتصريح وزيرة السياحة المشار اليه اعلاه . و من ( 96 % ) في عام 2010 الى ( 30 % ) في عام 2011 وفقا لتقرير وزارة السياحة في سورية . و تراجع السياحة العلاجية في سورية و على النحو الذي اثر على ( 80 ) بالمائة من اطباء الاسنان في البلاد ( وفقا لتصريح د . فاديا ديب – نقيب اطباء الاسنان ) ، و غيرهم من الاطباء ، و على سائر اعمال المشافي و العيادات و المراكز الصحية التي كانت تستقبل في الماضي الاف السواح لغرض العلاج من العراق و الاردن و ايران و اليمن و غيرها . و تهديد الاستثمارات الاجنبية و العربية المسجلة في قطاع السياحة في سورية ، و منها الاستثمارات السعودية في السياحة و العقارو الصناعة و غيرها و بقيمة ( 2 ) بليون دولار امريكي . خصوصا بعد فرض عقوبات اقتصادية على سورية من قبل جامعة الدول العربية و المتضمنة تجميد اي مشروعات او استثمارات فيها .

كما انعكست الاضطرابات السياسية و الامنية في سورية سلبا على قطاع السياحة في لبنان اثر تأثر حركة انتقال السواح من سورية و الاردن و دول الخليج اليها برا بحسب ( بيار اشقر ) رئيس اتحاد النقابات السياحية. و ايضا على السياحة الاردنية جراء تنفيذ بند السفر من العقوبات الاقتصادية التي يتصاعد نهجها يوما بعد يوم .

-- --------------

للمزيد من الاطلاع على الموضوع و مواضيع قريبة ، ينظر : ( السياحة و الازمات السياسية ) للكاتب ، مطبعة بيشوا ، اربيل 2011 ، و ( السياحة في زمن الازمات ) للكاتب ايضا ، مطبعة بيشوا ، اربيل 2011