الأغلبية منزوعة الدسم
الأغلبية منزوعة الدسم
علاء الدين العرابي
عضو رابطة الإسلام العالمية
أصحاب الاتجاهات اليسارية والعلمانية لهم تحليل عبقري في مسألة كتابة الدستور مفاده : أنه لا يجوز بل يحرم علي الأغلبية أن يكون لها الكلمة الفصل في اختيار من يكتب الدستور ، ويعللون ذلك بأن الأغلبية تتغير والدستور مستمر ، ويفترضون أن الأغلبية القادمة سوف يحسمها الشعب لصالحهم دون شك ، ورغم أن أصحاب الأغلبية في البرلمان أكدوا أكثر من مرة أن التوافق في كتابة الدستور هو سيد الموقف ، وأن الدستور لن تضعه الأغلبية منفردة ، إلا أن هؤلاء يصرون على موقفهم من الأغلبية ذات الصبغة الإسلامية والتي جاءت وفق إرادة شعبية حرة ، وهم قد يعترفون أحيانا بهذه الأغلبية ، ولكنهم يريدونها أغلبية منزوعة الدسم لا ترسم سياسة ولا تضع قانونا فضلا عن تختار من يكتب الدستور 00
وهذا الموقف يجر هؤلاء إلى الكشف عن مكنونات أنفسهم - وليست قضية الدستور هي أولى القضايا التي تكشف المستور - ففي كل مرة يرون أنفسهم رقما ضئيلا في المعادلة السياسية يثورون على الأغلبية ويمارسون ما يسمى " بدكتاتورية الأقلية " رغم أن صيحاتهم في عهد النظام البائد كانت تتعالى لصالح الديمقراطية ولست أدري أي ديمقراطية يريدون
هؤلاء يتصورون أنه في الفترة البرلمانية القادمة سوف يتحول مزاج شعب مصر عن الهوية الإسلامية ويأتي بأغلبية يسارية أو أغلبية علمانية ، وطبعا هم يقيسون ذلك على تجارب الغرب الذي يتحول من اليمين إلى اليسار أو العكس في سباق الديمقراطية رغم أن دساتير تلك البلاد لا تتغير بتغير الاتجاه السياسي الذي يحكم ، ويفوتهم دائما أن الشعب المصري له تركيبة خاصة ترتبط بالهوية الإسلامية منذ أنارت شمس الإسلام أرضه ، تلك الهوية التي تتسع لتشمل المسلم والقبطي كما عبر عن ذلك مكرم عبيد باشا بقوله " أنا مسيحي العقيدة 00 مسلم الوطن "
والسؤال هنا : ماذا يحدث في حال فشل التيار الإسلامي السياسي في مهمته ؟ 00 هل يحول الشعب اختياره ناحية اليسار أو ناحية العلمانية ؟
والجواب في تصوري هو : إذا فشل برلمانيو الثورة الحاليين في تجربتهم السياسية الأولى ، فليس معنى هذا أن الشعب المصري سوف يسقط الهوية الإسلامية من حساباته ويستبدلها بغيرها ، بل سوف يسقط فقط الأشخاص ويأتي بغيرهم ، المسألة هنا تتعلق بالكفاءة وليست بالهوية ، فسيمضي صاحب الهوية الإسلامية غير الكفء ويأتي صاحب الهوية الإسلامية الكفء ، ويظل هذا ساريا حتى يميز الله الخبيث من الطيب ، وأعتقد أن الشعب المصري بغالبيته لن ينحاز إلى أصحاب الهوية غير الإسلامية ، ولن يثق بفاقدي الهوية الإسلامية ، وأقصد بالهوية هنا حالة تلبس المسلم بمرجعية الإسلام عقيدة وشريعة ، ودينا ودنيا ، وموتا وحياة
" قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين "
ولماذا ينحاز لغيرها وهو يعلم أن في الإسلام كل ما يتشدق به أصحاب التوجه الليبرالي واليساري من حرية وعدالة وكرامة ، ومن مدنية ، ومن شورى ، ومن احتكام لإرادة الشعب وغيرها
ولابد هنا أن نقرر أنه ليس كل من حمل الهوية الإسلامية قادرا على القيادة ، وقصة الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه مشهورة حين عرض نفسه ليتولى موقعا في القيادة فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : إنك ضعيف وإنها أمانة
ولذلك سوف يستطيع الشعب تحت آلية الاختيار الحر أن يأتي بمن يستطيع تحمل الأمانة ، وقد وضع له الإسلام معيار الاختيار الصحيح وهو أن يختار " القوي الأمين "
وأخيرا أقول لهؤلاء كفى ضجيجا فلن يغير الشعب المصري مزاجه ويتحول من الإسلام إلى العلمانية أو اليسارية ، ودعونا نمارس الديمقراطية كما يمارسها غيرنا والتي تكون فيها الأغلبية سارية الصلاحية ، ولا تكون منزوعة الدسم.