سيكولوجية المرأة الوحيدة

سيكولوجية المرأة الوحيدة

محمد مسعد ياقوت - باحث تربوي

[email protected]

المرأة الوحيدة على أربعة أصناف، عانس، أو أرمل، أو مطلقة، أو معلقة .

هي امرأة وحيدة، وإن اجتمع الناس من حولها، فهي بلا زوج، فالمجتمع عن بكرة أبيه لا يستطيع أن يعوض المرأة عن زوجها، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي أخرجه ابن ماجة – بسند صحيح – " لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا"، وذلك لأن الزوج هو الإنسان الوحيد الذي يلبي للمرأة ما لا يلبيه أحدٌ سواه، ويشبع فيها ما لا يشبعه أحد غيره.

لذا كانت المرأة الوحيدة، امرأةً مسكينة، محرومة . المجتمع الصالح ينظر له نظرةَ شفقة، ويمد لها يد العون والدعم، أما المجتمع الفاسد ينظر لها نظرة ريبة، وتربص، وتشكيك .

المرأة الوحيدة تعاني في هذه المجتمعات من النظرة القاسية، التي تحمل الشماتة تارة وتحمل الإهانة تارة أخرى .

وفي هذه الأجواء تعيش المرأة الوحيدة العديد من المشكلات النفسية :

ـ فقد تنتابها موجه حادة من الاكتئاب.

ـ  تعيش حالة من القلق بسبب المعاناة النفسية.

ـ تشكو حالة من فوبيا المستقبل، فهي تخاف دومًا من القادم بسبب غياب شريك الحياة.

ـ تعاني من حالة عدم الاتزان النفسي لغياب الإشباع الجنسي، الذي هو يمثل أحد عناصر قاعدة الهرم النفسي للحاجات الإنسانية .

ولو مررنا الحالة النفسية للمرأة الوحيدة على هرم  " ماسلوا " للحاجات الإنسانية، يتبين لنا مدى الخلل الكبير الذي يعتري احتياجات هذه المرأة .

ـ أما الحاجات الفسيولوجية العضوية: والتي منها الطعام والشراب والنوم والنكاح، فنجد أن المرأة الوحيدة محرومة من الإشباع الجنسي الطبيعي، ونظرا لكون الزوج هو العائل الأول لها في معظم فترات عمرها، فسنرى الخلل في تحقيق حد الكفاية الطبيعي من المأكل والمشرب، أما النوم فغير مستقر نظرًا لحالة القلق التي تصيب أكثر المطلقات والعوانس والأرامل .

ـ وأما الحاجة إلى الأمن : فالمرأة الوحيدة من الصعب أن تشعر بالأمان التام من دون شريك حياتها . وقد قالوا في الأمثال الشعبية : " ظل رجل ولا ظل حائط"، وأحسن منه ألف مرة؛ قوله تعالى : "  وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " [ الروم :21].

وحالة السكن هنا، تصف حالة الأمن النفسي التي يُشبعها كل زوجة لزوجه .

وقال أيضًا : " هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ " [ البقرة : 185].

أي : قد جعلهن الله لكم لباسًا وسكنًا ، وجعلكم الله لهن لبسًا وسكنًا ([1]) ، كذلك الرداء الذي يكتن فيه الإنسان ابتغاء الستر والدفىء والأمان .

وقال : " وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (21)" [ النساء ].

فحالة الإفضاء هذه هي حالة اللباس، هي حالة السكن، وكلها أوصاف تتعلق بتحقيق هذه الحاجة الإنسانية المهمة .. الحاجة إلى الأمن.

أما الحاجات الاجتماعية: والتي منها العلاقات الأسرية والعاطفية، فالمرأة الوحيدة فقيرة في هذا الباب، فلا أسرة كاملة تمارس فيها أمومتها، ولا شريك الحياة الذي تبادله العاطفة الطبيعية التي تكون بين المرء وزوجه .

ـ وأما الحاجة إلى تقدير الذات: والتي أساسها احترام الآخرين، فتلك حاجة ناقصة عند المرأة الوحيدة وخصوصًا حينما تكون في مجتمع ينظر إليها نظرة ازدراء وتشكيك .

ـ وأما الحاجة إلى تحقيق الذات : كالإبداع والابتكار، فتلك حاجة مختلة في كثير من الأحيان عند المرأة الوحيد، فهي امرأة محبطة ومتوترة، فلا فرصة سانحة للإبداع في علم أو عمل .

حلول وعلاجات :

ـ أن تكون المرأة الوحيدة أكثر واقعية، وأن تتقبل مشكلاتها، وتتعامل معها بعقلانية .

ـ أن تستثمر وقتها في الارتقاء بمستواها المهني والعلمي والاجتماعي، كأن تستأنف دراستها العليا، أو تحصل دورات في التنمية البشرية، أو تطلب العلم الشرعي ...

ـ ألا تبالي بنظرات الازدراء والشماتة حتى الشفقة الجارحة، وأن تتقبل كل شعور نفسي قد يصدر من المحيطين بها، وأن تلتمس لهم العذر في ذلك وتحيله إلى جهلهم أو لقلة ثقافتهم.

ـ أن تتقبل فكرة الزواج مرة أخرى، حتى لو علمت أنها ستكون زوجة ثانية، مادامت هذه الزيجة تقوم على التفاهم والتراضي بين جميع الأطراف، ولاسيما: الزوج والزوجة الأولى.

ـ أن تلتمس العبرة في نساء أخريات مررن بظروف أسوأ، ومنهن متزوجات، لكن حياتهن جحيم بسبب سوء العشير، هنالك تستحضر النعمة التي أنعم الله بها عليها.

ـ أن تحتسب هذه الوحدة لله عز جل ، فهي تدخل في باب قوله تعالى : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ " .

وتدخل هذه المعاناة أيضًا في قوله – صلى الله عليه وسلم -  : (( مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا )) ([2]) .

 وأن تستحضر الثواب العظيم، والجزاء المنتظر ، ففي مثل مصيبتها قال – النبي – صلى الله عليه وسلم - : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ "إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ " اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا ، إِلا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا )) ، قَالَتْ أم سلمة : فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ : أَيُّ الْمُسْلِمِـينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِـي سَلَمَـةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَـرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ  ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا ، فَأَخْلَفَ اللهُ لِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ([3]).

               

([1]) يقال : لَبِسْتُ امرأَة ، أَي : تمتَّعتُ بها زماناً ، ولَبِستُ قَوْماً أَي : تملَّيْت بهم دهراً . (( لسان العرب ))  ( لبس ) .

([2]) أخرجه البخاري ( 5209 ) .

([3]) أخرجه مسلم ( 1525) .