شعوب عربية ثائرة، وليست خائرة
شعوب عربية ثائرة، وليست خائرة
أ.د. ناصر أحمد سنه - كاتب وأكاديمي من مصر
المتأمل فيما كان، ومازال ـ يُروج في الغرب.. رسمياً وفي بعض دوائره البحثية والشعبية المرتبطة بسياساته، ورأيه العام.. عن "العرب، والطغيان". يجد نظريات وسياسات وإتجاهات رسّخت: "أن الطغيان صناعة عربية، والإستبداد سمة شرقية، والإذعان له شأن عربي خالص". فالحضارات التي قامت، وتقوم: علي "الزراعة" (الحضارات الزراعية)، رسخت كل صور القهر والإستعباد والإستبداد والظلم والتبعية والجباية. وليس علي عامة شعوبها إلا الخنوع والقبول بالطغاة وسياساتهم وقهرهم وظلمهم وفحشهم السياسي والإجتماعي الخ (راجع أ.د. "أمام عبد الفتاح إمام": "الطاغية"، ضمن سلسلة كتاب المعرفة العدد، 183، الكويت).
وبالمقابل يُعظم هؤلاء الغربيون، نظماً وباحثين ومُنظرين "عنصريين"، غير محايدين، الغرب وحضارته. ومنها بالطبع إمتدادها السرطاني العنصري الإستئصالي الصهيوني المسموم في فلسطين. فهذه الحضارة الغربية، وإمتدادها، حضارة فائقة سائدة قامت علي حب الحرية والتحرر، وعشق الديموقراطية، وحقوق الإنسان، مغالبة نظم القمع والقهر والظلم والطغيان. لذا فقد نهضت تفوقت وسادت وهيمنت.. ويحق لها ذلك فهي"أهل للسيادة والريادة دون غيرها من الحضارات". وليست مقالة/ نظرية "صموئيل هنتنتجون" عن "صراع/ صدام الحضارات" منا ببعيد.
لكن مع الثورات الشعبية العربية "الرائعة والمُبهرة والمُلهمة".. غير المسبوقة تاريخياً. لم يعد الزمان العربي هو الزمان. ولم تعد الأرض العربية هي الأرض. ولم تعد الشعوب العربية هي الشعوب. ولم تعد الأمة العربية هي الأمة. ولم يعد ما يُزيف ويًُروج بشأنها "حقيقة بل محض "إفتراء، وإدعاء، وكذب، وتضليل عنصري".
لقد خرج المارد العربي من القمقم، وباتت الشعوب العربية عصية علي التدجين. لقد أمست عصية علي السوق كالقطيع. إنها شعوب عربية ثائرة وليست ـ أيها الغرب الإستعماري العنصري الإستئصالي ـ خائرة.
فبعد إحتجاجات شديدة في اسبانيا وبريطانيا واليونان.. هاهي حركة "احتلوا وول ستريت" قد سارت علي خطي "الربيع العربي الثائر"، الذي اجتاح منطقة العربية، وأطاح، حتى اللحظة، برؤوس نظم تونس، ومصر، وليبيا، واليمن. فيما لا تزال رياح التغيير تهب علي مناطق أخرى.
ولسوف يأتي الدور علي النظام السوري الدموي القاتل. فيأيها النظام السوري القاتل للشعب: إخسأ، ولا تقتل. ماعاد يجدي القتل ووسفك الدماء، ولا الإعتقال، ولا التشريد. بل إنها وقود الثورة المنتصرة بعون الله تعالي، والويل لكم منها. ويا أيها النظام الروسي والصيني.. لن تنسي لكم الشعوب العربية الثائرة، لا الخائرة، مواقفكم المُخزية بجانب نظم القتل والتشريد، وضد إرادة التحرر والكرامة والعزة والنصر.
وعلي قدر أهل العزم تأتي العزائم. ولقد كانت الشعوب العربية أهل عزم، وستأتي العزائم. لقد عرفت الشعوب العربية ثمن حريتها وعزتها.. فبذلته رخيصاً عن طيب خاطر. دفعت الثمن.. واستحقت الكرامة والعزة والحرية والتحرر والعدالة والتنمية الحقيقية. دفعت الثمن.. وستأخذ القصاص. دفعت الثمن، ورفعت الرأس. لا لتحصد بل لتبقي عالية خفاقة.
إن عيونها شاخصة، لتحقق كل أهداف ثوراتها، وتحافظ علي مكتسباتها، وزخم "حالتها الثورية". فلا تراخ أو تكاسل كي لا ينحرف المسار، أو تضيع الثمار، أو يقطفها آخرون. وهيهات.. هيهات أن تعود تلك الشعوب أدرجها. هيهات.. هيهات أن تعود لزمن القهر والقمع والذل والظلم والطغيان والإستعباد والفساد. فالشعوب باقية، والمتحكمين الطغمة الطغاة الفاسدين المُفسدين إلي زوال. ولن تُغلب الشعوب العربيةـ اليوم ـ من قلة، ولا من قوة، ولا من إرادة، ولا من عزة، ولا من عزيمة، ولا من شجاعة، ولا من تضحية، ولا من وعي وحكمة الخ.
لقد تنسمت العبير، نقيا بعد تلوث. لقد ذاقت العزة والكرامة بعد إذلال. لقد حلقت في سماء الحرية التحرر بعد طول سجن وإعتقال. لقد عرفت قدرتها وقدراتها، وحررت إرادتها، وحطمت خوفها. لقد عرفت حقوقها بعد طول هضم وغمط.
لقد حققت شرعيتها، وكرست سلطتها دون وصاية فهي التي قامت بالثورات، وقدمت التضحيات. فلا ينبغي ـ بحال ـ إختزال رغباتها، أو إغفال أهدافها، أو الإستهانة بطموحاتها لصالح أفراد أو فئات أو جماعات.
وستسعي لتطهير كل مؤسسات دولها، وجنبات مجتمعها، ومن ثم بنائها علي أسس سليمة وصحيحة، وشفافة. سيتـُولّ كل مسئولية، صغُرت أم كبُرت: الأكفأ والأصلح، والقوي الأمين، الصالح المُصلح، الحفيظ العليم ألخ. فليس ثمة "إحتكار لمنصب أو سلطة"، أو"اغتيال لحلم" الأبناء.. الأكفاء الأقوياء الأمناء.
أيتها الشعوب العربية: حان الوقت للتحلي بأسباب الحرية والكرامة والعزة والرفعة والنهضة والتوافق والعدالة الإجتماعية. أيتها الشعوب العربية: لديكم كل المقومات الشرعية والتشريعية والقيمية والمعنوية والثقافية والحضارية والإقتصادية والمادية لتكونوا "خير أمة أخرجت للناس".
أيتها الشعوب العربية: استعيدوا مجدكم التليد، ووحدتكم الآسرة، وأمتكم الواحدة، وحضارتكم المميزة. أيتها الشعوب العربية: تذكروا عقوداً سار العالم كله خلفكم. ونشرتم فيه أنوار حضارتكم العربية الإسلامية، وقد كان في غياهب الظلمات. فلعقود تحدث العلم، ونطقت الثقافة، وأبانت الحضارة باللغة العربية. وعلمتم الآخر سبل الحياة الكريمة والنهوض الحضاري
أيتها الشعوب العربية: لستم أقل مكاناً، وإمكاناً، وشأناً من شعوب دول النمور الأسيوية. ولا بعيدين عن التجربة التركية، ولا البرازيلية ولا غيرهما. أيتها الشعوب العربية: الثورات مستمرة ليشمل تجديدها وغربلتها كل مناحي وجوانب الحياة. ثم يحين الوقت للإنتقال من الثورة إلي بناء الدولة، ومن ثم الأمة الواحدة.
أيتها الشعوب العربية: حان الوقت لمؤسسات وسياسات ونظم وتشريعيات وشخصيات تحقق سبل النهضة المرتقبة.. راسخة ثابتة قارة مستقرة مطردة. أيتها الشعوب العربية: حان الوقت لعقد إجتماعي وسياسي جديد يُحق الحقوق، دون تمييز، ويضمن لكل مواطن شريف حقوقه وكرامته وسبل عيشه وأمنه. وإتاحة كل السبل المتساوية لكل فرد ليطلق قدراته وإمكاناته ليخدم وطنه وأمته.
ولقد قضي الأمر.. بثورات الشعب العربي الحر الأبي.. سيصون مقدراته، ولن تطأ قدم محتل ـ خارجي أو داخلي ـ أرضه لتنهب ثرواته، وتكرس فيه نظريات إستعلائه. قضي الأمر.. يا تونس "الخضراء". قضي الأمر.. يا مصر "المحروسة". قضي الأمر يا ليبيا "المختار". قضي الأمر.. يا يمننا "السعيد". قضي الأمر.. يا سوريا "الإباء". قضي الأمر.. يا كل شعبنا العربي المسلم.. الثائر، لا الخائر:
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
ولا بــــــــــد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر