تأمين وحماية المنشآت الهامة من أخطار الحريق

محمد عبد الفتاح حسن

تأمين وحماية المنشآت الهامة

من أخطار الحريق

الكيميائي: محمد عبد الفتاح حسن

حماية المنشآت من أخطار الحريق علم متخصص يقوم على أصول وضعها خبراء فنيون متخصصون في هذا المجال ، ولأن الأمر لايحتمل التجربة والخطأ فمن البديهي الرجوع لأهل الاختصاص وأصحاب الخبرات لتأمين وحماية المنشآت الهامة من أخطار الحريق خصوصا المنشآت ذات القيمة المادية أو الأدبية.

 ففي حماسة شديدة نتابع أخبار الحرائق الدامية واحدا تلو الآخر ، وببرائة الأطفال نصفق لرجال الإطفاء وهم يؤدون عملهم برجولة وثبات ويقدمون تضحيات عظيمة من دمائهم وأرواحهم ، لكننا بعد كل حادث نجلس في برود شديد ننتظر الحادث القادم دون أن نتسائل: هل كان بالإمكان تجنب هذه الحوادث؟ وهل تم تقييم طريقة التعامل معها؟ وهل هذه الطريقة كانت أفضل الطرق لتقليل الخسائر؟ وهل صدرت التوصيات الكفيلة بمنع تكرار تلك الحوادث؟ وهل توافرت الإمكانات المادية والطاقات البشرية والخبرات العلمية لتنفيذ تلك التوصيات؟!!!

 وحريق المجمع العلمي الذي فقدنا خلاله العديد من الوثائق والمقتنيات النادرة يذكرنا بحريق أحد مباني مجلس الشعب منذ سنوات والذي استمرت محاولات إطفاءه عدة أيام ، فكلاهما له قيمة مادية وأدبية ، وكلاهما يفتقد لأدنى درجات تأمين وحماية المنشآت من أخطار الحريق ، وكلاهما في نفس المكان الحساس المليئ بالوزارات والمؤسسات ، وكلا الحريقين تم التعامل معه بطريقة الشاويش عطية التي يستوي فيها إنقاذ الوثائق الهامة والمقتنيات النادرة مع إطفاء كومة من القش مشتعلة في الصحراء.

 أليس في مصر من الخبرات العلمية ما يمكن به وضع خطة لتأمين وحماية المنشآت الهامة من أخطار الحريق؟ وهل لدينا من القدرات العملية والإمكانات المادية القدر الكافي لتنفيذ تلك الخطة؟ وهل تعودنا على الاتصال بإطفاء القوات المسلحة بدلا من تطوير منظومة الإطفاء العتيقة؟ ولنا الحق أن نتسائل:هل تمت محاسبة أحد عن تلك الخسائر المتتالية؟

ليس هناك وقت للبكاء والندم ، فعقارب الساعة تداهمنا ولم نزل على غير

 استعداد لمواجهة تلك الأخطار خصوصا مع التهديدات التي نسمعها من هنا وهناك بإشعال البلد ، كما أن حال بلادنا السياسي والمادي لايسمح على الإطلاق بأي خسائر حالية أو مستقبلية سواء كانت مادية أو معنوية ،

و المنظومة الإدارية والقوانين الحالية لاتساعد على تحديد المسئولية أو محاسبة مقصر ، لذلك فمن الضروري أن نضع خطوات رئيسة نسير عليها تسمح بإنقاذ ما يمكن إنقاذه على المدى القريب ، وتمهد لبعض الثوابت على المدى البعيد.

 ومن واقع خبراتي المحدودة في هذا المجال ، وتجربتي في تحمل أمانة المسئولية عن إحدى المنشآت ذات الطبيعة الخاصة لعدة سنوات ، أرى أنه من الضروري:

1-     تحديد وتفعيل المسئولية عن حماية منشآت المال العام ، فالتشريعات والقرارات الوزارية قد لاتكون كافية للقيام بذلك إلا في حالة توافر الرغبة في إلصاق التهمة بأحد الأشخاص ، ولكن في الغالب تظل المسئولية تائهة لحين حفظ القضية دون أن يسائل أحد ، ولو تمت محاسبة فعلية بناء على مسئولية حقيقية لبعض المقصرين لانتبه الآخرون.

2-     تطويرفرق السلامة والدفاع المدني بالمنشآت ، فغالبا ما يتم إسناد هذه الأعمال لأشخاص غير أكفاء للقيام بها تخطيطا ومتابعة وتنفيذا ، مع العلم بأن هذه الفرق هي الأولى بالتعامل مع الحوادث بالمنشآت ، حيث يجب أن يكونوا أعرف الناس بقيمة محتوياتها ومداخلها ومخارجها وأنسب الطرق لإنقاذها ؛ إذا توافرت لهم الإمكانات والطاقات والخبرات اللازمة.

3-     تطوير قوات الإطفاء النظامية التابعة لوزارة الداخلية ، فعن قرب هناك العديد من الكفاءات عايشتها في قاعات المحاضرات وميادين التدريب ، ولكن أين هي في ساعة التنفيذ؟ ولماذا نسمع في المحاضرات عن وسائل ومواد الإطفاء المتعددة كالغازات و المساحيق المخمدة والرغوي العادي وسريع الانتشار ، ولكنا لانرى سوى خرطوم المياه الكبير الذي يقضي على ما لم تأكله النار؟ وأين فريق العمل الذي يقوم سريعا بدراسة الموقف ووضع الخطة والإشراف على تنفيذها بدقة الأوامر العسكرية حفاظا على الأرواح والممتلكات؟

4-     الاستعانة بالخبراء ، فلكل حادث طبيعة خاصة تتطلب خبرات قد لاتتوافر مع فرق الدفاع المدني ، فلماذا لايتم استدعاء الخبراء فورا؟ فمثلا إطفاء حريق عمارة عباس العقاد -التي انهارت فوق رؤوس فرق الإطفاء نذ عدة سنوات- كان يحتاج لوجود مهندس مدني وخبير كيميائي لإنقاذ الموقف ، وأيضا فإن التعامل مع حريق بمكان يحوي مقتنيات نادرة ومخطوطات حساسة يتطلب تقديرا جيدا للموقف ، كما أن التعامل مع مكان به أجهزة حساسة ومواد ذات طبيعة خاصة لايحتاج إلى تعجل أو تهور ، بل يحتاج لشيئ من الحكمة والخبرة . فلا يجب أن يكون هدف فريق الإنقاذ القضاء على النيران ؛ بل يجب أن يكون الهدف التعامل مع الحدث لإنقاذ ما تبقى وحماية الأركان والأبدان.

5-     توفير أنظمة إطفاء آلية بالمنشآت الهامة ، حيث يتم التعامل مع الحريق بالوسائل المناسبة سريعا وبصورة تلقائية دون أن يتدخل أحد ، ومهما تكلفت هذه الأنظمة لإنشائها وصيانتها وتجديدها فإنها ضرورة للعديد من المنشآت الهامة بشرط وضع دراسة معتمدة من خبراء مختصين حتى لاتتحول هذه المشروعات لطريق لاستنزاف للمال العام.

6-     التنسيق و تبادل المعونات بين المؤسسات ، ففي أوقات الأزمات يجب نتحرك بروح المسئولية العامة ، ويجب أن يعرض الجميع مساهماته بالخبرات والأفراد والمعدات للتعامل مع الحدث ، وهذا دور فرق الإطفاء النظامية في التعرف على إمكانات المؤسسات في محيطها لتنظيم الاستفادة منها وقت الأزمة ، وإن كان هذا الأمر موجود في اللوائح والقرارات إلا أنه غير مفعل تماما ، ولايتم إجراء مناورات للتدريب عليه وتجنب معوقات تنفيذه.

 وأخيرا:

 فإن حماية المال الكثير بالمال القليل واجبة ، و العرق في التدريب يوفر الدماء في المعركة ، ونحن نتمنى ألا تتعرض المنشآت العامة أو الخاصة لخطر ، ولكن علينا أن نكون مستعدين دائما ، وفي أقل التقديرات فإننا قد أدينا ما علينا في الحفاظ على ثروات هذا البلد من الضياع ، وحماية المال من الاستنزاف بالإهمال ، ووقاية الإنسان من أخطار قد تزهق روحه أو تشوه جسده.