الجيش الحر والعَرّاب
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
لعل كلمة العراب موقعها في هذا المكان يحمل نوعاً من الغرابة , ولكن بعد استعراض القادم ستجد أيها القاريء العزيز مغذى استخدامها هنا , ومدى حاجة الثورة لها .
اشتهرت رواية العراب لكاتبها الأمريكي (ماريو بوزو ) والتي نشرها عام 1969 , وخصوصاً بعد إخراجها بفيلم سمي بنفس الاسم , والتي تتحدث عن الصراعات بين عصابات المافيا في أمريكا وإيطاليا , والعراب تعني الرجل المتكفل بالمولود طوال حياته بغض النظر أكان المولود ابنه أو تابعاً لرجل آخر , وعندما يصبح الرجل عراب مولود ما , تصبح تلك الحقوق مكفولة للوليد مدى عمره .
ولست هنا بصدد سرد القصة أو مختصرٍ عنها , وإنما وجدت فيها فكرة صالحة لكل وقت وزمان , وهذه الفكرة يحتاجها الجيش الحر البطل الآن ويتحتم عليه الواجب تنفيذها .
يختلف الناس في أشكالهم وتصرفاتهم , ومن المستحيل أن تر تطابقاً تاماً بين شخصين حتى ولو كانا توأمين حقيقيين خرجا من بويضة مخصبة واحدة , ومع وجود التطابق المظهري بين التوأمين لكن قد تجد أحدهما مشهوراً جداً , بينما الثاني لاذكر له بين الناس .
فلو عدنا لبطل رواية ماريو بوزو العراب , ينطلق فيها الكاتب برسم شخصية كورليون , أنه كان إنساناًعادياً وقاده تصرفه للتخلص من مجرم يعيث فساداً في الحي الذي يسكنه,وارتفع صيت كورليون في الحي ليصبح نجماً لامعاً ومنقذاً لهم من هذا الشر الكبير .
في سورية يحكمها أشر الناس وأكثرهم إجراماً وعهراً وقذارة, وفي مقابل ذلك خرج من تحت أيديهم رجالآ لايمتون لهذه الجرائم بصلة , وكانوا عوناً في البداية على ارتكابها , ولكن ضمائرهم الحية لم تسمح لهم بالبقاء ضمن هذا العهر والمستنقع الآسن فقرروا الخروج منه , ويحاولون الآن تطهير تاريخهم وتطهير هذا المستنقع وتجفيفه , وشكلوا تجمعات تتبع قيادة عسكرية أطلق عليها الجيش السوري الحر .
بعد أن أصبح لهذا الجيش الحر وجوداً على المستوى الداخلي بشكل خاص , وعلى المستوى العالمي بشكل عام , ولكن ينظر إليه على أنه جيش ناشيء قليل الفاعلية وقليل الأثر على الأرض , يخشى منه ولكن مازالت هذه الخشية في طورها البدائي حتى الآن .
فلو كنتُ مستشاراً عسكرياً لدى قيادة الجيش الحر وطلب مني الاستشارة أو إن لم تطلب لقلت :
حتى يكون الجيش الحر هو عراب الثورة قولاً وعملاً وفعلاً عليه التخطيط والتنفيذ بزمن قصير جداً , وعلى وجه السرعة هو القيام بتنفيذ مهمة عسكرية قتالية سريعة وخاطفة , على مفصل من مفاصل الدولة العسكرية , وهذه العملية ليست تحرير مدينة , ولا اغتيال شخصية كبيرة , وإنما تندرج تحت اسم معركة قتالية انتصر فيها الجيش الحر على عصابات الأسد .يحتلها لساعات ويدمر مافيها ثم ينسحب أو يبقى فيها حسب الوضع الميداني المستجد .
إن أكثر الأماكن التي تعطي وهجاً صاعقاً ضد العدو هو في دمشق , وإن كان لايمكن ذلك في المناطق الساخنة أو الهادئة نوعاً ما , ففي حمص مثلاً الكلية الحربية , أو سجن تدمر , وفي إدلب المطار , وفي حلب إحدى المطارات فيها أو المواقع العسكرية المعروفة , اختيار إحداها ذات الأهمية الكبرى عند السلطة , أو في طرطوس مهاجمة قطع الاسطول الروسي أو القطع الايرانية وتدميرها أو إحداها.
إن تنفيذ عملية عسكرية على هذا المستوى سيعطي زخماً قوياً للجيش الحر وللثوار , وتصاعداً في الثقة , وسيكون هو المعادلة الصعبة , لذلك سيجد نفسه في مكان يستطيع أن يفرض شروطه , وأن يستجلب الدعم طوعاً من قبل الآخرين , وتحطيماً لنفسية السلطة المجرمة والعصابات التابعة لها .