ماذا بعد ياوطني ؟؟؟
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
كنا نقول فيما بيننا ونتساءل :
متى ياتي وقت عزاء الشهداء ؟
ونخص بالذكر أهلنا في حماة , انتظرنا ثلاثين سنة , وليس في حماة فقط , وإنما في مواقع كثيرة من سوريا في حلب وحمص وجسر الشغور , وصحراء تدمر وحبات رمالها كانت تسأل وتقول :
متى يامن بقيتم أحياء ستقيمون خيام العزاء لآلاف أعدموا ودفنوا بين حبات ترابي , وما زالت ذرات أجسادهم تحيا بين ذرات حباتي تعذبني وتقول , ألم يحن الوقت بعد ياأماه حتى يخرج أبناؤك غيرة على أرواح الشهداء؟
كنا نقول لأنفسنا ونحن نخدعها , ماحصل في حماة لن يتكرر بعدها , مع أننا تعلم اننا نكذب على أنفسنا , ونجامل غيرنا كذباً ونفاقاً للهروب من الحقيقة , وعشنا في ذلك بين من يخدع نفسه بالأمان وبين من يوهم داخله أن الذي فات لن يعود , وكنا ننادي لنبدأ من جديد , ونجعل الماضي وراءنا , وقبلات بين الشوارب المتبادلة ليصبح آلام الماضي ذكرى يطمره التناسي والنسيان .
وكانت البداية بأطفال صغار من درعا , تقول للجميع لقد انتهى وقت النفاق , وحان وقت العزاء , صحونا بعدها على نفاقنا , وصحونا بعدها على مأساتنا , عندما وجدنا , أن كل مكان في بلدنا يمكن أن يكون شرر قادم لها يُفعل فيها مافُعل في حماة .
لم يتغير شيء , لم يحدث تغيير في اسلوب مجرمي حماه , نفق الذي ارتكب مجازرها , وحل مكانه دعيه , والذي تربى وترعرع ونشأ على أكل الأموال المغصوبة , وعلى دماء المظلومين , ولا يهنأ له نوم إلا على صراخ المعَذَّبين , فجرائم المعتوه وابنه , من المجحف حقاً أن يكنى بفرعون , أو بهولاكو أو بهتلر , فهؤلاء الثلاثة كانت جرائمهم من أجل أن تحيا شعوبهم , بينما جرائم هؤلاء الذي حكمونا , جرائمهم كلها من أجل مجدهم وتدمير شعبهم , وسرقة وتدمير كل شيء سيكون نافعاً للوطن .
فصارت حمص كما حماة , ودرعا وحوران وريف دمشق وإدلب والدير وريف حلب , ومع أن حلب والمذابح التي حصلت فيها , وتقديم أكثر من مائة شاب في صباح عيد الأضحى في المشارقة , وآلاف قضوا في المعتقلات , فما زالت تهتف لمرتكبي المذابح القديمة والحديثة , والقامشلي وعفرين , ومجزرة 2004 , وما خفي أعظم , وهما تائهين بين حزب وحزب وقول فلان وفبركة علان , ويثقون بأقوال ووعود الوحوش , فلو وثقوا بالثوار كما فعلت عمودا البطلة , لوجدوا أنفسهم إن لم يكونوا في المقدمة فمع المقدمة سائرين , ولن يحتاجوا بعدها لأي طلب لأنهم سيكونون مع طلائع المنتصرين , ويشتركوا في بناء وطن يحضن الجميع بالتساوي .
وسار غالبية العلويين على طريق القاتل وابنه , ونادوهم الثوار تخلوا عن هؤلاء المجرمين وكونوا معنا يداً بيد لنبني الوطن , فهذا الوطن لايملكه ولا يمكن أن يكون ملكاً لعائلة أو طائفة , ولكنهم ركنوا عقولهم خارجاً , أو أجروها لعائلة الوحش , ويعرفون ويعلمون أنه يسير بهم لقعر سحيق , ولن يخرج عنهم إلا أقوال , والأقوال لاتعني شيئاً مالم تصاحبها الأفعال , وهم عرب والذي يمشون وراءه مجهول الأصل والنسب , أليس الحري فيهم أن يقفوا مع من يبني الوطن ؟
أم صوت الشيطان غالب على أمرهم !! فسائرون بإرادتهم لطريق لن يجدوا لهم ناصرا بعدها , إن لم يلتحقوا بأبناء الوطن المعروفين في الأصل والنسب .
وأحزاب المعارضة , في كل يوم وليلة لها مقام في ناد من نوادي الطرب , والمال بين أيديهم , ولا يمكن دفعه للجيش الحر حتى يحرر الوطن ,وحال فعلهم يقول: نخبؤ قرشنا الأحمر المغموث بدم الشهداء ,ليوم يحل لنا , يصبح وضاء عند مقعد ومنصب سيكون لنا فيه قصور وعندها يحلو لنا الطرب .
والعالم العاهر من حولنا ,لسان حاله يقول : لادخل لنا فيكم , فعهرنا غير مقبول عندكم , وتسعون لازالة عهرنا من عندكم , فقد جنيتم على أنفسكم فخلصوا أنفسكم , ويكفينا دعماً لكم , في أننا وقفنا على الحياد , طالما تخليتم عن عهرنا للأبد .
وشعبنا الثائر الحر وجيشه الحر البطل يقول وفعله يسبق قوله , قريباً ياحبات الرمال والتراب التي ضمت شهداءنا , سننصب خيم العزاء لكم , وفيها سيتم القصاص من القتلى , لتهنأ يادم الشهيد والمظلوم في قبرك , وفي الجنة تعيش عيشة للأبد .