مأساة حماة.. والنداء الأخير قبل الانفجار..

د. منير محمد الغضبان

ماذا جرى بعد عام من الإنذار

مأساة حماة.. والنداء الأخير قبل الانفجار..

د. منير محمد الغضبان

[email protected]

(كتب هذا المقال قبل سنة وهذ النتائج بعد سنة )

نستمع لوصف المجزرة مما سمحت الدولة بروايته من خلال كتاب (الأسد) لباتريك سيل، والذي بقي سنوات مسموحاً بتداوله في سورية. فهو مقبول لدى النظام السوري: وذلك بمناسبة مرور ثلاثين عاماً عليها.

(... وظلت معركة حماة مستمرة ثلاثة أسابيع ملحمة ضارية، انقضى الأسبوع الأول منها والحكومة تحاول أن تستعيد السيطرة على البلدة، والأسبوعان الآخران باصطياد المتمردين، وأرسلت قوات محمولة بالطائرات المروحية لمساعدة الحامية المحلية على إغلاق مداخل المدينة، قبل الانقضاض القاتل عليها، وبلغ عدد الذين طوقوا حماة في مجموعهم حوالي 12000 رجل ولكن هذه لم تكن عملية عسكرية عادية، كانت أميل إلى الحرب الأهلية..

وعندما أخذ الميزان يميل تدريجياً لصالح الحكومة، تراجع المتمردون إلى الأحياء القديمة ولا سيما حي البارودية والكيلانية التي كانت معاقل هيأووها لحصار طويل، وعلى ضفاف العاصي بدأت منازل الكيلاني القديمة الفخمة تتحطم بنيران القصف، أو تتهاوى بفعل الألغام التي زرعها مهندسو الجيش، وكمن الناس العاديون الذين كانوا يعيشون في المناطق القديمة، في شبكات الدروب والأزقة كانوا هم الضحايا الأساسيين بدون طعام ولا ماء ولا وقود في طقس الشتاء القاصي، ودفئوا في الغالب تحت ركام بيوتهم، وبعد القصف الثقيل تحرك رجال الكوماندوس والمسلحون الحزبيون غير النظاميين، تدعمهم الدبابات لإخضاع فدادين الأكواخ المبنية من الطين وأغصان الشجر،، وقتل عدد كبير من مدنيات في عمليات قمع بقايا المقاومة، ومسحت واستوت بالأرض أحياء بكاملها وذكرت تقارير أن أعمالاً وحشية متعددة قد ارتكبت وكثير منها بعد أن استعادت الحكومة السيطرة على البلاد، وهرب بعض المقاتلين إلى قنوات تحت الأرض عندما أغلقت دونهم جميع المخارج، ولحقت الأضرار وأعمال النهب بعشرات المساجد والكنائس والأماكن الأثرية التذكارية العريقة بما فيها متحف قصر العظم الذي يعود إلى القرن الثامن عشر. وخلال شهر من القتال، دمر ثلث المدينة التاريخية، وتعرضت القوات الحكومية أيضاً لخسائر فادحة على يد القناصين، وأصيب الكثير من العربات المدرعة بالقنابل من الشوارع التي تناثر فيها الحطام المتراكم غير أن ثمن التمرد قد دفعته حماة بكاملها. فمات كثيرون أثناء عمليات تعقب المسلحين، أما العدد الإجمالي بالضبط فيبقى مجالاً للحدس والتخمين، فالمتعاطون مع الحكومة يقدرونه بثلاثة آلاف، وأما منتقدوها، فيقولون إن العدد كان عشرين ألفاً أو يزيد.. والأقرب إلى الحقيقة رقم بين الخمسة آلاف والعشرة آلاف، إن أثر المعركة كان كبير حقاً) الأسد لباتريك سيل 537 – 541 مقتطفات.

ولست الآن بصدد الحديث عن مجزرة ومأساة مر عليها ثلاثون عاماً، ستسجل من أكبر مآسي التاريخ في العصر الحديث، ولا يزال المشردون في الأرض من أبناء حماة بعشرات الآلاف شهود عيان على هذه المجزرة.

وهاتان ثورتان من أعظم الثورات في تاريخنا المعاصر (الثورة التونسية، والثورة المصرية).

ولم يبلغ ضحايا كل واحدة منها الألف على أكبر تقدير. وقد أطاحت الأولى بطاغية هو زين العابدين ونظامه معه، والثورة الثانية التي بلغ تعداد أفرادها في مصر ما يقرب من التسعة ملايين على وشك الإطاحة بالطاغية ونظامه.

ولست بصدد المقارنة والتحليل بمقدار ما أعرض في هذا المقال رأيي الشخصي بعد الإعلان الذي سمعت عنه عن يوم الغضب السوري في يومي الجمعة والسبت، والتي قد تحصد أرواحاً، وتفجر دماء وتعيد إلى أذهاننا مأساة حماة من جديد أو تعرض البلد لحرب أهلية لا تنتهي إلى بانتهاء نظام البعث ورأسه.

إنه الإنذار الأخير قبل الانفجار.

وموقف الطغاة واحد حفظناه منذ صغرنا ونحفظه اليوم ونكرره لأولادنا، فالطاغية يرى نفسه الإله الذي لا يقاوم يحي ويميت، وأحيل إلى مقال كتبته قبل بضعة أيام يصف طبيعة الطغاة من كتاب الله، وسنن التاريخ، وأخطر ما في هذه المواصفات أن الطاغية يرى نفسه المنقذ الإله أو الطوفان. وهذا ما نشهده من فرعون مصر الأعظم اليوم، فهو يضحي بشعبه في سبيل نفسه وبقائه بالحكم، ويتخذ أزلاماً ودمى يحركها يسميها مجلس الشعب ومجلس الوزراء والقيادة القطرية للحزب التي تصلح لقيادة البلاد، ويتحدث عن المؤسسات والديمقراطية عنده، وما سقوط الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الشرقي في القرن الماضي عنا ببعيد، فالديمقراطية أساس الحكم فيها، ولو كان للحزب الواحد أو الفرد الواحد، ومن أجل هذا شهدنا الرئيس السوري يجتمع مع قادة أجهزة الأمن لوضع الخطط لمواجهة شبح يوم الغضب في سورية، خاصة وأن الشعب أعزل من السلاح، تستطيع بطلعة مدفع واحد أن تسقط العشرات قتلى بدمائهم.

كما يرى بشار الأسد أن يختلف عن كل الطغاة قبله وبعده، فهو عنده جيش عقائدي ينفذ أمره، وليس جيشاً وطنياً لحماية الوطن، فقد ترك مع أبيه الجولان لتحل بقرار "إسرائيل" أن نهبها لسورية، ولا علاقة للجيش باسترداد الأرض المغتصبة، لكن علاقته بحماية العائلة المغتصبة التي تتحكم في مصير البلاد. وذلك كما تحدث للمجلة الأمريكية قبل بضعة أيام. وأنه ماض في طريق الإصلاح.

لن أمضي كثيراً في إثارة المدفون من الأحقاد، كما قال الأحنف بن قيس لمعاوية بعد خمس وعشرين عاماً من خلافته: إن القلوب التي أبغضناك فيها لا تزال في صدورنا.. وإن السيوف التي قاتلناك فيها لا تزال في أغمادها) مما اضطر معاوية إلى استرضائه. حتى لا يتحول مائة ألف سيف ضده لا تسأله فيم ذلك. وفيما أعلم أن الشعب قد كسرت سيوفه. وصار أعزلاً لا يملك إلا المطالبة بقوت يومه من خلال صدره العاري الذي يملكه. ولا يملك في ذكرى مجزرة حماة أكثر من التذكير فيها.

لكنني مما سمعته من الفضائيات وشبكة الإنترنت كما سمع الكثير من المواطنين عن يوم الغضب السوري الذي يطالب بحرية الشعب قبل قوته، وبكرامته قبل طعامه، وأنه سيموت ويقتل لاستعادة هذه الحرية، وهذه الكرامة.

إني أعلم أن ثلاثين عاماً قد أنهت جيلاً كاملاً وجاءت بجيل جديد، هو جيل الأسد الذي رباه حافظ وبشار كما يشاؤون، وبما يؤمنون مثل جيل ابن علي ومبارك، وبصدره العاري استرد كرامته وقال: لا. للطاغية حتى رحل الطاغية.

نحن الجيل القديم لا نملك إلا الكلمة، وأذكر بما قاله الشاعر في وصف معالم الثورة العباسية:

أرى خلل الرماد وميض جمر ويوشك أن يكون لها ضرام

فإن لم يخبها عقلاء قومي فإن حصادها قتلى وهام

النداء الأخير قبل الانفجار

الذي لا أدري والله إلى ما يقود، وكل مصير أشأم من الآخر، إنما أنا منفعل ولست بفاعل، فهل لك أيها الرئيس أن تصغي إلى هذه النصيحة قبل الانفجار، إذ لن تفيد وتجدي بعده؟

أولاً: تصدر مراسم تشريعية بخروج السجناء وعودة المنفيين السياسيين وإلغاء القانون 49، وإلغاء القوانين الاستثنائية وتعلن تعديل المادة الثامنة من الدستور ليكون الشعب هو القائد للدولة والمجتمع بدل الحزب

ثانياً: الدعوة لمؤتمر المائة والعشرين، وأقدم هذا العدد، وهذا التعدد على سبيل المثال لا الحصر:

1- عشرة: يمثلون الجيش بضباطه الكبار ويمثلون أجهزة الأمن.

2- عشرة يمثلون حزب البعث الاشتراكي بكل قياداته وفروعه.

3- عشرة يمثلون العلويين بكل أطيافهم بما فيهم عمك وجماعة صلاح جديد، والمبعدون من الطائفة.

4- عشرة يمثلون (طائفة الدروز) بوجهائهم وشخصياتهم.

5- عشرة يمثلون المعارضة في الداخل بكل أطيافها وتشعباتها.

6- عشرة يمثلون العلماء وقادة الأمة وموجهيها من علماء الدين الإسلامي

7- عشرة يمثلون (طائفة النصارى) بكل أطيافهم وشخصياتهم وخبراتهم

8- عشرة يمثلون المعارضة في الخارج من الإخوان المسلمين

9- عشرة يمثلون أساتذة الجامعات والمثقفين والمفكرين في سورية

10- عشرة يمثلون السوريين في الخارج وفي العالم المنبثين في أنحاء الأرض من الجالية السورية

11- عشرة يمثلون الأكراد في سورية

12- عشرة يمثلون: كبار القضاة في سورية.

ثالثاً: تدعو لهذا المؤتمر خلال أسبوع وتعلن عنه في وسائل إعلامك ليسمع العالم به في كل مكان

رابعاً: يتم اختيار ممثلي هذه الطوائف والأطياف من داخلهم لا من تعيين الدولة.

خامساً: يختار هذا البرلمان حكومة مؤقتة لمدة ستة أشهر تشرف على انتخاب لجمعية تأسيسية تضع دستوراً عاماً للبلاد. ويعمل خلال هذه المرحلة بدستور سورية عام 1950.

خامساً: يتم على ضوء هذا الدستور اختيار مجلس للشعب، وتنبثق منه بقية المؤسسات

سادساً: وينسحب الجيش إلى ثكناته، ويمارس الشعب حقه في السلطة والسيادة، وتكون صناديق الاقتراع هي مجال المنافسة.

سابعاً: ولا بد أن يشارك الشعب بجميع فئاته في تقرير مصيره، فسورية ليست لفرد ولا لعائلة ولا لطائفة ولا لحزب، ومبدأ المواطنة هو الذي يحكم جميع أبناء الشعب بغض النظر عن اختلاف الأطياف والطوائف والاتجاهات.

وأخيراً: أرجح أنك لن تختار هذه النصيحة لأنك ترى من خلال أزلامك ودماك ولا ترى من خلال واقع الأمة، ومع ذلك فأقول: هذا أو الطوفان.

(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)

********
. ومر عام كامل ..

عام كامل تقريبا والنظا مصمم على رفض النصيحة ، ومصمم على ذبح شعبه كما قلت :

 وأخيرا أ{جح أنك لن تختار هذه النصيحة لأنك ترى من خلال أزلامك ودماك ولا ترى من خلال واقع الأمة ، ومع ذلك  فأقول هذا أو الطوفان

فماا أهديت لأمتك خلال هذا العام مقابل الفقرات السبع السابقة .

أولا: ثم بسقوط النظام ثانيا ثم بإعدام الرئيس  ثم بالرحيل ثالثا  حين اختار الحل الأمني المجنون على الحل السياسي العاقل .

ثانيا : امتدت الثورة في كل ذرة تراب في هذا القطر سلمية وطنية تقابل بصدورها العارية دباباتك وطائراتك وصواريخك كما فعلت في حماة ، وافتضحت للعالم كله خائنا عميلا تحتل وطنك ، وتبيد الشعب السوري ، وتترك لإسرائيل أن تحميك وأنت تقوم بهذه الإبادة ، افتضحت جرائم أبيك في حماة المأساة ، وكشف الحجاب للشعب عن مجازرك ومجازر أبيك في هذه الذكرى التي نستعيدها لتكون نبراسا لنا في الصبر والثبات والتضحية .

ثالثا : سقطت ألوهيتك وألوهية أبيك المزيفة وألوهية عائلتك حيث كان الأسد  للأبد ، وتحررت سورية من ألوهيتك وألوهية عائلتك ممثلة بالثالوث المقدس : الله سوريا بشار وبس إلى : الله ، سورية / الحرية

رابعا : أهديت لأمتك قرابة عشر آلاف شهيد ذبحتهم زبانيتك وطغمك ، إضافة إلى ثلاثمائة قتيل في يوم واحد ، يوم ذكر مأساة حماة و1600 جريح و40 طفلا في ذكرى المولد النبوي .

خامسا : أهديت لأمتك عشرات الألوف من المعتقلين ، وعشرات الألوف من المهاجرين .

سادسا : أهديت لأمتك من النساء الشهيدات ما لا يقل عن خمسمائة شهيدة ومئئات الألوف من الأيتام والثكالى والأرامل . أما من الجرحى والمعاقين فلا يحصون ، وحدث ولا حرج

سابعا : أخذت شهادة ووسام الفخار والعار من يهود العالم ومجوس العالم ومجرمي العالم وعلى رأسهم سورية ، ثم ها أنت صاغرا مع عائتك وطغمتك وجهاز أمنك تبرأ  منك تبرأ منك العرب كلهم ويطالبون بتنحيك ورحيلك وسقوط نظامك ، وهاهي أروقة  مجلس الأمن تتجاوب مع براءة العرب منك وتبحث عن قرار ينهي طغيانك إلى الأبد فأشراف العالم وأحرار العالم يتحدثون عن أعتى نظام يداس بالأقدام ببطولة الشباب العظام .

ترى هل تأخذ بنصيحة شعبك وقومك العرب والأمة في العالم الإسلامي والعالم كله فترحل وتدع لشعبك أن يقود نفسه بنفسه بعد مرورعام على النصيحة الأولى ، أم تستمر  بطغيانك حتى آخر قطرة من دم شعبك ؟؟؟ هيهات هيهات فالجيش الحر بالعزيمة والثبات سوف يبيد الطغاة ، وإن نصر الله لآت ( ويسألونك متى هو قل عسى ن يكون قريبا)