روسيا بين الربيع العربي والربيع الإسلامي القادم

روسيا بين الربيع العربي والربيع الإسلامي القادم

إذا لم تغيّر روسيا مواقفها من الربيع العربي فلتفرغ الشعوب بضائعها في البحر

محمد علي شاهين

[email protected]

ورثت روسيا الاتحاديّة عن الاتحاد السوفييتي دولة مترامية الأطراف تمتد من المحيط الهادي شرقاً إلى بحر البلطيق غرباً، وتركة مثقلة بالمظالم طالت 24 مليون مسلم ـ حسب تقديرات المشيخة الإسلاميّة ـ ثلاثة ملايين منهم في إقليم موسكو وحدها..

هؤلاء الأصلاء المنتشرون في السهول والهضاب وسط وجنوب حوض الفولغا، ومنطقة الأورال، وشمال القوقاز، وسيبيريا، القابضون على دينهم كالقابض على الجمر، المنوّرة قلوبهم بنور الله، مذ وصلت ريح الإيمان إلى تلك الديار قبل إعلان الأرثوذكسيّة ديناً لروسيا.

الذين يعانون التهميش والإقصاء، وتعاني مناطقهم البؤس والتخلّف بسبب التعصّب السلافي الذميم، والتشدّد الأرثوذكسي المقيت، حيث دمرت مساجدهم في الحقبة السوفييتيّة فانخفض عددها من 14 ألف مسجد إلى 80 مسجداً، ولم تعاد إليهم مساجدهم ومدارسهم حتى الآن رغم الشعارات الكبيرة، ومرور 21 عاماً على تفكّك الاتحاد السوفييتي. 

وبسبب الدعم الأمريكي والدعاية الغربيّة، فقدت روسيا نفوذها في أوروبا في أعقاب ثورات شعبيّة على أنظمة موالية لروسيا فيما عرف بالثورات الناعمة، البرتقالية والمخملية والوردية والتيوليب..

وقامت روسيا  الاتحاديّة بلملمة بلدان الساحة السوفيتية السابقة التي قهرتها الحقبة السوفيينيّة وشكّلتها بالقوّة دولة واحدة حلّت محل الإمبراطوريّة الروسيّة في عام 1917، وأقامت رابطة الدول المستقلّة بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، فضمّت إحدى عشرة دولة، آسيويّة وأوروبيّة وهي: كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، ومولدافيا، وأذربيجان، وأرمينيا، بالإضافة إلى الأعضاء الثلاثة المؤسّسين: روسيا، وأوكرانيا، وبيلاروسيا، وتمكنت  من المحافظة على روابطها الاقتصادية والسياسية والتجارية المفروضة على الشعوب المسلمة.

ولضمان سيطرة روسيا على جمهوريات آسيا الوسطى، وكبح وحدتها وتقدمها وتطلّعات شعوبها، وضعتها في عهدة حكومات مستبدّة متخلّفة، وسلّطت عليها حكاماً تربوا في مؤسّساتها العسكريّة والأمنيّة، وحزبها الشيوعي المنقرض، ظناً منها أنّ الربيع الإسلامي لن يمتد من المحيط الأطلسي إلى سيبيريا.

وفي ولايات القوقاز: الداغستان، والشيشان، وأنغوشيا، وبلقاريا، وكرتشاي، والقبردي، فاقت ممارسات الحكام العسكريين جرائم الطغاة العرب، ووقعت انتهاكات خطيرة واسعة النطاق لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وكان من بين انتهاكات حقوق الإنسان: الاعتقال التعسفي والتعذيب الجسدي والنفسي، والاغتصاب، وسوء المعاملة، وحوادث الاختفاء القسري، وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، واستخدام مراكز اعتقال سرية غير رسمية.

 وقام الجيش الروسي في جمهوريّة الشيشان النفطيّة الصغيرة بارتكاب جرائم إبادة وعلميات تطهير عرقية مصحوبة بمختلف أنواع الابتزاز والنهب والضرب والتعدّي على الحرائر، وقمع الثعلب السلافي المتعصّب فلاديمير بوتين وشريكه ميدفيدف هذا الشعب الذي لا يتجاوز عدده المليون ونصف بكل قوة فأبادا أكثر من مائة وخمسين ألفاً، وشرّد وهجّر نصف عدده، بحسب المصادر القوقازية شبه الرسميّة.

واستولت روسيا الاتحاديّة على تركة الاتحاد السوفييتي في العالم العربي: مراكزه الثقافيّة، وقواعده العسكريّة والبحريّة، واستثماراته النفطيّة، وعقوده التجاريّة، وكانت السند الحقيقي لليسار العربي المتحالف مع أنظمة الاستبداد والفساد، وملهمة قادة الانقلابات العسكريّة الذين جلبوا الهزيمة والعار والتخلّف للشعوب التي حكموها . 

وغضّت روسيا الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريّة رغم قيام هيئات عالمية مستقلة كمنظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، ولجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة، بنشر تقارير موثقة تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ النظام مسؤول عن ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الانسانية بحق الشعب السوري.

وقدّمت دعماً سياسيّاً للدكتاتوريات العربيّة في المحافل الدوليّة على حساب الشعوب المستضعفة، ولم تتورّع عن تقديم الدعم العسكري للأنظمة الفاسدة وهي تخوض الحرب ضد شعوبها بالسلاح الروسي، وأرسلت البوارج الحربيّة إلى موانئ تلك الأنظمة لتشعرها بالاطمئنان، وتعيد إليها الثقة بالحليف الروسي، وتستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن ضد مشروع القرار الأوروبي، وتهدّد باستخدامه كلّما عرضت القضيّة للمناقشة، ثم تقدمت بمشروع قرار لمجلس الأمن يساوي بين الضحيّة والجلاد السوري، فأطالت عذابات الناس وشقاءهم بهذه الأنظمة الفظّة، وظنّت واهمة أنّ الحكومات أبقى من الشعوب، وأنّ موقفها المخجل المعادي لتطلّعات الشعوب من الربيع العربي سيعصمها من رياح التغيير التي ستطرق أبوابها.

ومن المستغرب أن يمنح اتحاد كتاب روسيا اليوم جائزة الكتاب لبشّار الأسد وهو يخوض حرب إبادة ضدّ أبناء شعبه بالسلاح الروسي الذي يتدفّق بسخاء عليه، مستخفّاً بمشاعر المثقّفين والأدباء السوريين القابعين خلف القضبان في السجون، والمنتشرين في أصقاع الأرض في المنافي.

وهل أصبح الدم السوري رخيصاً على الحكومة الروسيّة إلى هذه الدرجة، حتّى تستمتع بمسلسل القمع على مدى أحد عشر شهراً، وتتلذّذ بصور الضحايا، بينما العالم يموت كمداً وهو ينتفض أمام مشاهد  القتل اليومي المروّع، والارهاب المنظّم.

وهل يستحق الشعب السوري الذي وقف خلال الحرب الباردة مع روسيا وحلفائها فيما كان يسمّى بالكتلة الشرقيّة هذا الجحود.

وهل الحكومة الروسيّة مستعدّة لتلويث سمعتها، وما اكتسبته من مكانة في قلوب السوريين بسبب مواقفها من القضايا العربيّة، والتضحية بمصالحها الواسعة من أجل حفنة من حكام الجور، تهتز اليوم كراسيّهم من تحتهم قبل السقوط.

إذا كانت صرخات الأطفال من تحت أنقاض البيوت المهدّمة في حمص، وأنين الثكالى في حماه، وبكاء الأسر المكلومة في كل المدن السوريّة لا تحرّك مواجع روسيا المتبلدة الأحاسيس، وإذا كان حكام موسكو يجدون مصلحتهم في تحالفهم مع طغاة العصر ضدّ شعوبنا المضطهدة، فمصلحتنا في مقاطعة البضائع الروسيّة.

وليستعد عمال الموانئ في العالم الإسلامي إلى تفريغ البضائع الروسيّة في البحر، كما فرّغ جورج واشنطن صناديق الشاي في ميناء بوسطن.