أيها الثوار رسول الله معكم

أبو طلحة الحولي

يحتفل بعض الناس في هذه الأيام خلال هذا الشهر ربيع الأول ، بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ظانين أن ذلك من علامات محبة رسول الله ، ولكنهم وللأسف أخطأوا الاحتفال وأخطأوا الطريق ، وما عرفوا أن محبة رسول الله ليست في الاحتفال بيوم ولادته ، ولكن في إصلاح المجتمع من المجرمين ، و تطهير البلاد من المفسدين ، ونصرة المظلومين ، ونجدة الملهوفين ، وإغاثة المنكوبين ، وإعانة الجائعين ، ومساعدة المساكين ، وفك المعتقلين ، وإعانة المشردين .

إن محبة رسول الله الصادقة ليست كلاما يقال ، وخطبا رنانة فقط ، وإنما هي دعوة وجهاد وكلمة حق عند سلطان جائر ، وثورة حق ضد الطغيان .

يحتفل أولئك على طريقتهم الجافة التي لا روح فيها ولا حياة ، بينما تحتفل الثورة السورية كل يوم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، باتباع سنته ، والاقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم في إخراج الناس من عبودية النظام السوري الطاغي إلى عبودية رب العباد .

تحتفل الثورة السورية كل يوم برسول الله بتقديم الشهيد تلو الشهيد ثباتا على المنهج الذي وضعه رسول الله في إعطاء الإنسان حريته ، وكرامته .

تحتفل الثورة السورية كل يوم برسول الله حاملين أرواحهم على أكفهم ، مقبلين على الموت بصدور عارية ، في سبيل إعلاء كلمة الله ، ورفع راية الحق.

تحتفل الثورة السورية كل يوم برسول الله بمحبة صادقة واقعية فعلية كما أخبر صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" البخاري (13) ، ومسلم ( 44) . فهاهم يضحون بكل محبوب ، بأنفسهم وآبائهم وأولادهم والناس أجمعين .

ولد النبي صلى الله عليه وسلم وحال البشرية في أسوء حال ، شرقها وغربها وشمالها وجنوبها ، فقد نسي الإنسان نفسه ، وضاع فردا وجماعة ، وانحرفت ممارساته الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية فلا تجد إلا الانحدار نحو الهاوية ، " كان القرن السادس والسابع (لميلاد المسيح) من أحط أدوار التاريخ بلا خلاف ، فكانت الإنسانية متدلية منحدرة منذ قرون ، وما على وجه الأرض قوة تمسك بيدها وتمنعها من التردي ، فقد زادتها الأيام سرعة في هبوطها  وشدة في إسفافها ، وكأنَّ الإنسان في هذا القرن قد نسي خالقه ، فنسي نفسه ومصيره ، وفقد رشده ، وقوة التمييز بين الخير والشر ، والحسن والقبيح ، وقد خفتت دعوة الأنبياء من زمن ، والمصابيح التي أوقدوها قد انطفأت من العواصف التي هبت بعدهم أو بقيت ، ونورها ضعيف ضئيل لا ينير إلا بعض القلوب فضلاً عن البيوت فضلاً عن البلاد ، وقد انسحب رجال الدين من ميدان الحياة ، ولاذوا إلى الأديرة والكنائس والخلوات ، فراراً بدينهم من الفتن وضناً بأنفسهم ، أو رغبة إلى الدعة والسكوت ، وفراراً من تكاليف الحياة وجدها ، أو فشلاً في كفاح الدين والسياسة والروح والمادة ، ومن بقي منهم في تيار الحياة اصطلح مع الملوك وأهل الدنيا ، وعاونهم على إثمهم وعدوانهم ، وأكل أموال الناس بالباطل ... على حساب الضعفاء والمحكومين" .

و" بلغ الانحلال الاجتماعي غايته في الدولة الرومية والشرقية ، وذابت أسس الفضيلة . وانهارت دعائم الأخلاق .وكان العدل كما يقول (سيل) يباع ويساوم مثل السلع . وكانت الرشوة والخيانة تنالان من الأمة التشجيع" .

و" أما الأمم الأوروبية المتوغلة في الشمال والغرب فكانت تتسكع في ظلام الجهل المطبق ، والأمية الفاشية ، والحروب الدامية ، لم ينبثق فيها فجر الحضارة والعلم بعد ، ويقول (Robert Briffault  ) :" لقد أطبق على أوربا ليل حالك من القرن الخامس إلى القرن العاشر ، وكان هذا الليل يزداد ظلاماً وسواداً . قد كانت همجية ذلك العهد أشد هولاً وأفظع من همجية العهد القديم ، لأنها كانت أشبه بجثة حضارة كبيرة قد تعفنت ، وقد انطمست معالم هذه الحضارة وقضي عليها بالزوال ، وقد كانت الأقطار الكبيرة التي ازدهرت فيها هذه الحضارة وبلغت أوجها في الماضي ، كإيطاليا وفرنسا ، فريسة الدمار والفوضى والخراب" .

وفي ايران : " يقول البروفسور أرتهرسين مؤلف تاريخ ( إيران في عهد الساسانيين) :" كان المجتمع الإيراني مؤسساً على اعتبار النسب والحِرف ، وكان بين طبقات المجتمع هوة واسعة لا يقوم عليها جسر ولا تصل بينها صلة، وكانت الحكومة تحظر على العامة أن يشتري أحد منهم عقاراً لأمير أو كبير ، وكان من قواعد السياسة الساسانية أن يقنع كل واحد بمركزه الذي منحه نسبه ، ولا يستشرف لما فوقه، ولم يكن لأحد أن يتخذ حرفة غير الحرفة التي خلقه الله لها ، وكان ملوك إيران لا يولون وضيعاً وظيفة من وظائفهم ، وكان العامة كذلك طبقات متميزة بعضها عن بعض تميزاً واضحاً ، وكان لكل واحد مركز محدد في المجتمع " .

وكان في هذا التفاوت بين طبقات الأمة امتهان للإنسانية يظهر لك جلياً في مجالس الأمراء والأشراف ، حيث يقوم الناس على رؤوس الأمراء كأنهم جماد لا حراك بهم ويجلسون مزجر الكلب ، وقد أكبر ذلك على رسول المسلمين وأنكره ، ويتبين مما روى الطبري ما وصل إليه الفرس من الاستكانة والخضوع لسادتهم جرياً على عاداتهم ، قال :" عن أبي عثمان النهدي قال لما جاء المغيرة إلى القنطرة فعبرها إلى أهل فارس أجلسوه واستأذنوا رستم في إجازته ، ولم يغيروا شيئاً من شارتهم تقوية لتهاونهم ، فأقبل المغيرة بن شعبة والقوم في زيهم عليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب ، وبُسطهم على غلوة ،  ولا يصل إلى صاحبهم حتى يمشي عليها غلوة ، وأقبل المغيرة وله أربع ضفائر يمشي حتى جلس معه على سريره ووسادته ، فوثبوا عليه فترتروه وأنزلوه ومغثوه ، فقال : كانت تبلغنا عنكم الأحلام ولا أرى قوماً أسفه منكم ، إنا معشر العرب سواء لا يستعبد بعضنا بعضاً إلا أن يكون محارباً لصاحبه، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى ، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض ، وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم فلا نصنعه ، ولم آتكم ولكن دعوتموني . اليوم علمت أن أمركم مضمحل ، وأنكم مغلوبون ، وأن ملكاً لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول". انظر بالتفصيل الفصول الأولى من كتاب أبو الحسن الندوي رحمه الله (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) 67-75

ولد الإنسان من جديد بولادة الرسول صلى الله عليه وسلم ، الإنسان في كل مكان ، وفي كل زمان ، ولهذا سبق الإسلام الديمقراطية الغربية في تقرير حقوق الإنسان فقرر حرمة الدم والمال والعرض ، وإنسانية الإنسان ، وكرامة الإنسان ، وحرية الإنسان !! في عالم الواقع ، والتنفيذ العملي والفعلي ، لا عالم الخيال ، أو منقوشة في الكتب والدساتير والقوانين الدولية فقط .

فالحرية التي تناضلون من أجلها أيها الثوار العظماء مستمدة من الله ورسوله  ، وليست من تعاليم الغرب وقوانينهم .

والحرية التي تناضلون من أجلها هي لبناء الإنسان الصالح الحر ، مهما كانت طائفته ومذهبه ولونه ، الإنسان بمعناه الشامل ، من حيث هو إنسان ، وليس من أجل بناء المواطن العبد فقط .

إن النظام الوحشي السوري لا يبني الإنسان وإنما يمسخ الإنسان ويمسخ المواطن الذي يعمل معه ، فيجعله أضل من الحيوان " أولئك كالأنعام بل هم أضل " ، ويبني الغرب المواطن العبد ، ولا يبني الإنسان الصالح الحر ، وشتان بينهما ، فالغربي يتحلى بالأخلاق والمعاملة الحسنة في بلده ، فإذا خرج توحش ، لا يعرف إنسانية ، ولا ضمير ، ولا خلق ، يبحث عن مصالحه وماديته ، فإذا هو عبد لمصالحه وماديته وشهواته . فالدم السوري المراق لا يهزه ، ولو أبيد الشعب السوري بأكمله ، فحريته ليست في الدفاع عن حرية الإنسان في أي مكان ، وإنما ابتلاعه ، وإفساده ، والمراوغة ونصب الأفخاخ ، وزرع الفتن ، وإشعال الحروب ، هذه حرية الغرب بصورتها المكشوفة ، العارية ، القائمة على حرية المصالح .

لقد تطور العالم ولكن الحقيقة أن الإنسان قد تخلف عندما عبد المادة ، وقدس المصلحة ، وأمات الروح ، فصارت حياته حياة الآلات والتروس ، مبرمجا في الحيرة والتيه ، شقيا ، وحشيا ، متخلفا ، بعيدا عن المنهج الرباني الذي وضعه الخالق الأعلى لحياة البشر ، ذلك المنهج الايجابي المتوازن الذي فيه سعادة البشرية .

ولهذا ولد محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، ليكون بشيرا ونذيرا بدين الله للبشرية جمعاء ، دين الإسلام ، دين الرسل والأنبياء من قبله  إبراهيم وموسى وعيسى ، دين المساواة والحرية ، دين الكرامة والعزة ، دين العدالة والحق ، وعلينا تبليغ هذا الدين ، ونشره في مشارق الأرض ومغاربها .

وهذه الثورة جزء من هذا التبليغ ، ووسيلة لنشر هذا الدين في ربوع سوريا وبلاد الشام من جديد ، وللعالم أجمع . 

فالثورة على هذا النظام الذي يمسخ الإنسان أيها الثوار ثورة مباركة ، فالله معكم ، وقد بارك الله في بلاد الشام ، في خمس آيات في كتابه العزيز .

قال تعالى ﴿ وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ﴾ ( الأعراف : 137)

وقال تعالى ﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير﴾  (الإسراء: 1)

وقال تعالى  في قصة إبراهيم: ﴿ وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين*ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين﴾ ( الأنبياء: 70-71)

وقال تعالى ﴿ ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين ﴾ (الأنبياء: 81)

وقال تعالى في قصة سبأ: ﴿ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرىً ظاهرة وقدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالَ وأياماً آمنين﴾ (سبأ: 18)

وكما قال العلماء أنها بركة شاملة في كل شيء ، وثابتة مستقرة على الدوام .

وقد أخبرنا الحبيب المصطفى إن الله قد تكفل بالشام وأهله : " إن الله قد تكفل لي بالشام وأهله" أبو داود (2383) احمد (4/100) والحاكم (4/510)  وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي ، وابن حبان (7306) وقال شعيب الارناؤوط محقق الكتاب إسناده صحيح .  وصححه الألباني في أحاديث فضائل الشام ص13

ورسول الله معكم " فقد دعا لكم بالبركة " اللهم بارك لنا في شامنا " البخاري (7094) الترمذي (3953) احمد (5987) ابن حبان(7301) وحث أصحابه على سكنى الشام " عليك بالشام " أبو داود (2383) احمد (4/100) والحاكم (4/510)  وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي ، وابن حبان (7306) وقال شعيب الارناؤوط محقق الكتاب إسناده صحيح .  وصححه الألباني في أحاديث فضائل الشام ص13

وملائكة الرحمن معكم " لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها" الترمذي (3954) ، احمد في المسند (5/185) والطبراني (4933) والحاكم (2/229) وقال صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي ، صححه الألباني في تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق للربعي ص 12. بلفظ " يا طوبى للشام "

فطوبى لكم أيها الثوار ، رجالا ونساء ، وأطفالا ، لتحرير الإنسان من عبودية العباد إلى عبودية الله وحده .

لتحرير الإنسان من الذل والهوان إلى العزة والكرامة .

فلا عبودية للنظام السوري ، ولا للاحتلال الغربي  ، ولا للمنصب ، ولا للمال ، ولا للجاه ، ولا للون ، ولا للطائفة .

أيها الثوار لقد ولدتم من جديد بقدر من الله ، حين انطلقتم بثورتكم ، وآن الأوان لصناعة الإنسان المكرم من عند الله الخالق ، ولنصحح المفاهيم للعناوين الكبيرة في حياة البشرية جمعاء :  الحب ، والحرية ، والوحدة ، واحترام الإنسان .

وقبل هذا وذاك الإيمان بهذا الدين من جديد ﴿ يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ﴾ ( النساء :136) إنهم مؤمنون ومع هذا خاطبهم الله سبحانه وتعالى بلفظ " آمنوا " .

لقد آن للبشرية أن تتعلم من هذه الثورة ، معنى الحرية والكرامة والعدالة ، وان تكف عن اللف والدوران ، وأن ما تتشدق به من الحرية ما هو إلا خداع للنفس ، بحثا عن أهوائها ، تعيش على الأرض وتحت الأرض مثل الدودة ، ليس لها رصيد في الفضاء ، بينما حريتنا ضاربة جذورها في الأرض متصلة بالسماء .

فالثورة قامت ولا عودة للوراء ، والإنسان المتوازن بروحه وجسده قد صحا معلنا البناء الحضاري ، لسوريا وللعالم أجمع .

وهل هناك حضارة أرقى وأجمل وأفضل من حضارة شعارها " الله غايتنا ، والرسول قدوتنا ".

اللهم صلي على محمد كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون

والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين