قصة تونس من البداية إلى ثورة 2011م

نادية سعد معوض

نادية سعد معوض

شهدت أمتنا العربية والإسلامية مطلع العام الفائت أحداثا زلزلت المنطقة العربية بأسرها وما زالت توابعها تتوالى ولقد أثارت ثورتي تونس ومصر انتباه العالم  بأسره، وصارتا ملء سمع وبصر الدنيا؛ فالحدث غير مسبوق، وأدى إلى زوال حكم طاغيتين متمكنين ، ضالعين في الظلم والاستبداد .

ولقد صدر في القاهرة مؤخرا كتاب تحت عنوان قصة تونس من البداية إلى ثورة 2011م للدكتور راغب السرجاني ، وجاءت فكرة الكتاب عقب أحداث ثورة تونس 2011م، والتي كان من أهم نتائجها خلع الرئيس السابق زين العابدين بن علي وفراره وتكوين حكومة جديدة ، وكما يقول الدكتور راغب السرجاني في مقدمة كتابه : جاءت ثورة تونس لتخلص البلاد من طاغية متمكن، تمرس على الظلم، واحترف الفساد، وكان مثالاً صريحا لأعداء الإسلام. يصرح ذلك ولا يخفيه، ويتباهى به ولا ينكره، ثم مرت الأيام، ودالت عليه الدولة، وهرب الطاغية من البلد هروب الفئران ، وصدق الله العظيم إذ يقول: "وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ" سورة  آل عمران:140 .

يتناول الكتاب قصة البلد العظيم تونس من أوَّلها، ومرورا بالمراحل المختلفة التي شهدتها عبر عصور التاريخ المختلفة، وانتهاء بثورة يناير 2011م، ثم وقفات تحليلية للثورة، مع نظرة إلى مستقبل تونس الحبيبة، بناء على فقه قانون السنن الربانية.. يقول : لا بد لنا من وقفة نحلِّل فيها هذا الحدث الضخم، ... فإننا لا يمكن أن نفقه الواقع دون العودة إلى التاريخ، ولا يمكن أن نستوعب الحدث دون فقه للسنن الربانية في الكون، وهذا يعرف من كتاب الله ، ومن سنَّة رسوله ، كما يعرف –أيضا- من دراسة التاريخ، ورؤية الأحداث المشابهة ونتائجها، والعودة إلى جذور القصة، وتحقيق الآية القرآنية الكريمة: "فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" سورة الأعراف: 176.

تاريخ أمجاد وبطولات

     

يبدأ الكتاب بلمحة تاريخية عن الموقع الجغرافي للجمهورية التونسية، فقد لعبت تونس أدوارا مهمة على امتداد تاريخها منذ عهد الفينيقيين في قرطاج، ثم ما عرف باسم مقاطعة إفريقية زمن الحكم الروماني لها، وقد فتحها المسلمون في القرن السابع الميلادي، وأسسوا فيها مدينة القيروان، وهي إحدى المدن المهمة بها حتى الآن. وأصبحت مقاطعة إفريقية (تونس) لمدَّة ستة قرون مقرا لحضارة رومانية إفريقية ذات ثراء استثنائي؛ لكونها مفترق طرق العالم القديم، كما ظهرت فيها في العصر الإمبراطوري آلهة محلية منافسة للآلهة الرومانية؛ إذ مثَّلت عبادة بعض الآلهة -كساتورن وجونو- استمرارًا لعبادة القرطاجيين للآلهة بعل حمون وتانيت، وقد أدَّى ازدهار مقاطعة إفريقية وكونها مفترق طرق العالم القديم إلى قدوم واستقرار مجتمعات يهودية فيها في وقت مبكر، وبدأ بعد ذلك انتشار المسيحية، وهو ما لاقى في البداية معارضة كبيرة من السكان، ولم يُحسم الأمر للدين الجديد إلاَّ مع مطلع القرن الخامس الميلادي، وأصبحت قرطاج إحدى العواصم الروحية المسيحية المهمة في الغرب، وظلَّت كذلك حتى تمكَّن القائد الإسلامي حسان بن النعمان عام (79هـ/ 698م) من فتحها ودخولها في الإسلام

بينما تبدأ قصة الفتح الإسلامي لتونس من خلال العمليات الاستطلاعية الأولى في عهد الخليفة عثمان بن عفان ، الذي جمع الناس في المدينة لفتح إفريقية، وأسند قيادة الحملة لعبد الله بن أبي سرح والي مصر آنذاك، وتسمى الغزوة غزوة العبادلة، انتصر فيها الجيش العربي الإسلامي سنة (27هـ/ 647م) على الجيش البيزنطي بقيادة جرجير في موضع يسمى عقوبة، ثم توقَّفت العمليات العسكرية بإفريقية إلى حين انتهاء ما سمي في التاريخ الإسلامي بالفتنة الكبرى.

ثم في خلافة معاوية بن أبي سفيان قام معاوية بن حديج السكوني بحملتين سنة (41هـ/ 661م)، ثم سنة (45هـ/ 665م) تمكَّن من خلالها المسلمون من الاستقرار في جبل القرن، وأُرسلت عدَّة سرايا باتجاه سوسة وجلولاء قرب القيروان، لكن ابن حديج عاد إلى مصر دون ترك حامية بالبلاد.

قَبِل الخليفة معاوية بن أبي سفيان أن يُعَيِّن عقبة بن نافع الفهري على رأس إفريقية سنة (50هـ/ 670م)، الذي كان مقيمًا ببرقة بليبيا وشارك في عدَّة حملات ضد البيزنطيين والبربر، فوصل إفريقية عبر الصحراء على رأس جيش كثيف بلغ 10 آلاف مقاتل، واتخذ قيروانًا له؛ أي معسكرًا تتجمَّع فيه كل صفات التمصير، وقد استمرت عملية بناء القيروان 4 سنوات. وفي هذه الأثناء كان يُوَجِّه السرايا لتوطيد الحكم الإسلامي ونشر الإسلام بين البربر، لكنه عُزل وخلفه أبو المهاجر دينار سنة (55هـ/ 674م)، الذي تمكَّن من هزم كسيلة زعيم البربر البرانس، الذين عارضوا الوجود العربي الإسلامي بإفريقية، ثم صالحه وحالفه..

ثم عُزِل أبو المهاجر ليعود عقبة بن نافع مرة ثانية إلى إفريقية سنة (62هـ/ 682م) حيث تمكَّن من هزيمة البربر والروم باتجاه المحيط الأطلسي غربًا، ومع رجوعه إلى القيروان على رأس كتيبة صغيرة فوجئ بمنطقة بسكرة بكمين من طرف كسيلة وحلفائه الروم، فقُتل وأصحابه في موضع يسمى تاهودا سنة (64هـ/ 684م)، ومن نتائج ذلك هزيمة المسلمين وخروجهم من القيروان، التي استقرَّ بها كسيلة ضمن كيان سياسي استمرَّ إلى سنة (69هـ/ 689م)، كما استعاد الروم نفوذهم على مناطق الزاب وإفريقية.

وفي عهد عبد الملك بن مروان أرسل زهير بن قيس البلوي لمواصلة الصراع ضد البربر والروم، فتمَّ له استرجاع القيروان وقتل كسيلة سنة (69هـ/ 688م)، إلاَّ أن الروم قد أرسلوا أسطولاً بحريًّا سنة (71هـ/ 690م) إلى مدينة برقة لسبي المسلمين، وقُتل البلوي في مواجهتهم.

ثم من جديد يرسل الخليفة عبد الملك بن مروان جيشًا يتكون من 40 ألف مقاتل بقيادة حسان بن النعمان الغساني، أسند إليه ولاية كل المغرب سنة (75هـ/ 694م)، فتمكَّن من دخول قرطاجنة سنة (76هـ/ 695م) وطرد الروم منها، كما كرَّس كل جهوده لمواجهة البربر بقيادة الكاهنة دهياء بنت ثابت بن تيفان من قبيلة جراوة، وهي تلقب بملكة الأوراس، لكن المسلمين انهزموا في واقعة وادي العذاري بجبال الأوراس؛ مما جعل حسان بن النعمان يتراجع بجيوشه نحو قابس ومنها إلى برقة، بينما سيطرت الكاهنة على أجزاء مهمة من بلاد المغرب، كما خربت البلاد مُتَّبِعَة سياسة الأرض المحروقة لمنع المسلمين من الاستقرار؛ لكن حسان بن النعمان نجح سنة (82هـ/ 701م) في القضاء على مقاومة البربر وقتل الكاهنة، ثم عاد من جديد إلى القيروان للسيطرة على إفريقية نهائيًّا.

كما يسرد الكتاب أهم الأطوار التاريخية لتونس في ظل الدولة العباسية ثم استقلالها على إبراهيم بن الأغلب مؤسِّس الدولة الأغلبية، ثم تغلب العبيديين الفاطميين الشيعة عليها 64 عامًا ثم تمكن الصنهاجيون من الخروج عن الخلافة العبيدية في القاهرة، وانحيازه إلى الخلافة العباسية في بغداد، ثم سيطرة الدولة الموحدية على تونس ثم تعرضها عام (668هـ/ 1270م) إلى غزوة صليبية قادها لويس التاسع ضمن الحملة الصليبية الثامنة، وبعد فترات من الركود والضعف في تونس يحاول الأسبان فرض سيطرتهم عليها فيستنجد التونسيون بالدولة العثمانية، واستمر الصراع بين الأسبان وحلفائهم وبين العثمانيين في السنوات التالية، حتى تمكَّن العثمانيون في النهاية سنة (982هـ/ 1574م) من طرد الأسبان نهائيًّا بعد الانتصار عليهم في معركة تونس.

تونس في العصر الحديث

يبدأ تاريخ تونس الحديث منذ انضمام البلاد التونسية إلى الدولة العثمانية عام (982هـ/ 1574م) إلى فرض الاحتلال الفرنسي تحت اسم الحماية الفرنسية عام (1298هـ/ 1881م)، ويمكن تقسيم هذه الفترة إلى ثلاثة عهود: عهد الباشوات، ثم عهد الدايات، ثم عهد البايات.

و يستعرض الكتاب تاريخ الاحتلال الفرنسي ومقاومة الشعب التونسي الاحتلال الفرنسي لكن فرنسا قمعت المقاومة التونسية بمنتهي الشدَّة، ثم أخذت بعد ذلك في تثبيت الوضع الاحتلالي بالبلاد؛ فأنشأت مجلسًا استشاريًّا، وفتحت الباب لمن يُريد أن يهاجر لتونس من الفرنسيين والإيطاليين، واشتدت وطأة الفرنسيين على أهل البلاد، وأحسَّ بذلك المسلمون؛ ذلك لأن فرنسا كانت تُرَكِّز على تذويب الهوية الإسلامية لأي بلد تدخله، وتستهدف النواحي الثقافية للمسلمين؛ مما جعل المسلمين ينتفضون مرَّة بعد مرَّة، وفرنسا في كل مرَّة تستخدم الشعار المعروف (لا هوادة).

كما  بين المؤلف أهم  التأثيرات الثقافية للاحتلال في تونس، وسرد بعض الصفحات الهمجية في تعامل فرنسا مع تونس حتى إعلان الجمهورية في تونس في (28-12-1376هـ/ 25-7-1957م) وإلغاء الملكية، وقد جاء إعلان الجمهورية بعد عام ونصف من إعلان الاستقلال، لتتكرس هيمنة الزعيم الحبيب بورقيبة وحزبه -الحزب الحر الدستوري الجديد- على الحياة السياسية وأركان الدولة.

يستعرض الكتاب الفترة الرئاسية للحبيب بورقيبة الذي تم اختياره كأول رئيس لجمهورية تونس بعد إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية في 25 يوليو 1957م، وذلك بعد خلع الملك محمد الأمين باي. وقد أعيد انتخابه في سدة الحكم بتونس إلى أن استنفد دوراته القانونية، ثم نودي به رئيسا مدى الحياة مع تردِّي صحَّة بورقيبة وتحديدًا في ٧ نوفمبر ١٩٨٧م، ثم قام زين العابدين بن علي -الذي كان مديرًا عامًّا للأمن- بتنحيته، وأعلن نفسه رئيسًا جديدًا للجمهورية، فيما عُرف باسم تحوُّل السابع من نوفمبر، وما زال في سدة الحكم حتى خلْعه في يوم الجمعة الرابع عشر من يناير عام 2011م، مع بيان الجرائم التي ارتكبها كل من الحبيب بورقيبة وبن علي في حق الإسلام والمسلمين هناك.

ثورة الياسمين 2011

في هذا الكتاب يروي المؤلف أحداث ووقائع الثورة التونسية منذ صباح يوم الجمعة 17 ديسمبر 2010م وإضرام  الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه مما أشعل فتيل الثورة، ثم توالى الاحتجاجات في سيدي بوزيد وأحداث القمع المتتالية من قوات الأمن التي أطلقت الرصاص الحي على المتظاهرين، زاد الأمر اشتعالاً إعلان وفاة الشاب محمد البوعزيزي يوم الثلاثاء 4 يناير 2011م، وتسبب موته في اندلاع موجة جديدة من الاحتجاجات في ولاية سيدي بوزيد، لتنتشر بعد ذلك في عدد من الولايات التونسية على غرار تونس العاصمة، وسوسة، وصفاقس، وقفصة، والقصرين، والكاف، وقابس، ولم تنجح كل محاولات الطاغية بن علي في تفريق جموع المتظاهرين.

وأخيرًا اهتزَّ عرش الفرعون.. لقد ظهر بن علي على شاشة التلفاز، الخميس 13 يناير، ليُلقي خطابًا غير مسبوق‏؛ يُعلن فيه أنه فهم الشعب التونسي -أخيرًا- ويُعلن استجابته لمطالب الشعب، وعدم الترشح للانتخابات الرئاسية التونسية المقبلة في ‏2014م،‏كما يُعلن عن تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الفساد‏,‏ ويطلق حرية الإعلام ويلغي الرقابة على الإنترنت‏..

ثم يجيء يوم الجمعة 14 يناير 2011م ليزفَّ إلى أهل تونس وسائر بلاد العالم العربي والإسلامي خبرًا سعيدًا، هو فرار بن علي إلى السعودية؛ ففي قرابة السابعة والنصف من مساء الجمعة أعلن رئيس الحكومة التونسية محمد الغنوشي عن تنحي بن علي عن السلطة، وتولِّيه ممارسة مهام رئيس الدولة بصفة مؤقتة. فقال الغنوشي في بيان تلاه عبر التلفزيون الرسمي محاطًا برئيسي مجلس النواب التونسي فؤاد المبزع، ومجلس المستشارين عبد الله القلال عن تسلمه الحكم: طبقًا لأحكام الفصل 56 من الدستور.

 في الختام يقول المؤلف : هذه هي قصة تونس حتى يناير 2011م.. قصة امتزجت فيها مشاعر الألم والفرحة، والحزن والسعادة..ألمٌ لِمَا مرَّتْ به تونس من مآسٍ وأزمات على يد رجال ينتسبون إليها، وفرحةٌ لبقاء الإسلام فيها رغم كيد الكائدين..سعادةٌ لتحرُّك الشعب وثورته وانتفاضته ضد الطغيان، وحزنٌ لكون التوجُّه الإسلامي للثورة غير واضح، وبالتالي قد تنتقل تونس من وضع سيئ إلى وضع لا يختلف عن الأول كثيرا. ومع ذلك، فإن ذلك يدعونا للتفاؤل..حتى لو سُرقت الثورة..وحتى لو تدخلت فرنسا وأمريكا..لقد ذاق الشعب طعم الحرية ولو لساعات، ومَنْ ذاق عرف، ومَنْ عرف اشتاق لما يعرف، ولن تهدأ نفس الشعب التونسي -بإذن الله- إلا عندما ينال حريته كاملة.

الكتاب :  قصة تونس من البداية إلى ثورة 2011م  

المؤلف:  الدكتور راغب السرجاني

 الطبعة : الأولى - 1432هـ / 2011م

عدد الصفحات : 144 صفحة من القطع المتوسط

الناشر: دار أقلام للنشر والتوزيع والترجمة - القاهرة