هل تتمكن إيران من ملء الفراغ العربي والأمريكي
تشبيح حربي وسياسي على امتداد المنطقة العربية:
محمد خليفة
[email protected]
مالذي تقوم به إيران ؟ ماذا يجري في الخليج ؟ وماذا يحدث في العراق ؟ وما علاقة ذلك بالثورة السورية .. ؟
كيف نقرأ ونحلل رقعة الشطرنج الدولية التي تحيط بنا وتمتد بين الشرق الاوسط وأوروبا وأقصى الغرب الأمريكي وروسيا والصين ؟؟.
إيران تقوم بعملية رد شاملة , تستعرض عضلاتها امام العالم , تريد إخافة الجميع , إبتزازهم , وخاصة دول الخليج العربية , السعودية , الكويت , البحرين , قطر , الإمارات.. وأخيرا عمان . هي لا تكتفي بالتصريحات اللفظية , بل تردفها بمناورات حربية وتهديدات سافرة بإغلاق مضيق هرمز في وجه الملاحة الدولية , وخاصة صادرات النفط .. وكل ذلك مرتبط بصورة مباشرة بما يجري في سوريا
.
البذرة المسوسة , كانت في الرواية التي اخترعها النظامان التوأمان السوري والإيراني عن " الاضطرابات " التي شهدتها سوريا اعتبارا من منتصف أذار -مارس الماضي , ومفادها أن الاضطرابات [ مؤامرة ] دبرتها إسرائيل وأمريكا لإسقاط قلعة " الممانعة " الثورية الصامدة في وجه الامبريالية والصهيونية . هذه الرواية المضحكة لم يصدقها أحد من الشعب السوري , أو من العالم سوى الذين ألّفوها والفوها , إذ زين لهم
الشيطان ما كانوا يعملون , وتحولت بالنسبة لهم ثقب إبرة ضيقا يرون منه ما يجري حولهم , ثم صاروا أسرى لأكاذيبهم . ومضوا للنهاية في التمسك بها , وهم يقتلون مواطنيهم بإطلاق النار على المتطاهرين والمحتجين المدنيين بحجة القضاء على المؤامرة ,.
منذ ذلك الوقت دخلت طهران ساحة المواجهة بين الشعب السوري والنظام , وصارت طرفا مباشرا فيه , وقد تطور هذا التورط تبعا لتصاعد الثورة وتراجع قوة النظام . إذ اخذت تسلح النظام وتموله وتهدد من يهدده , لأنها رات محقة ان سقوط العصابة الاسدية سيقوض أحلامها الأمبرطورية في المشرق العربي , وربما في العالم العربي كله . وسيجعل مشروعها النووي مكشوفا أمام إسرائيل والغرب بدون رد ولا حماية من بيادق
دمشق وحزب الله وحماس .
النقديرات الإيرانية الاديولوجية الخاطئة استمرت وتتابعت , فقد رأوا في انسحاب القوات الأمريكية من العراق أعراض ضعف , ورأوا في انكفاء أوباما وإدارته نحو الداخل الأمريكي , واختيار عدم التورط في نزاعات خارجية مبدأ ثابتا , فرصة سانحة لهم للتمدد والتوسع وإظهار القوة وملء الفراغ الحاصل سيما وأن الانكفاء الأمريكي ترافق مع انكفاء عربي شامل سببه الانشغال بالثورات وخاصة في مصر والسعودية . لذلك قاموا
فورا بتحريض زلمتهم في بغداد نوري المالكي للانقلاب على الشراكة مع الزعامة السنية ممثلة بطارق الهاشمي الذي حاول الاعتراض على تمدد النفوذ الإيراني في العراق , والإتحياز الجكومي المفاجىء إلى جانب عصابة الاسد تلبية لأوامر طهران , وتدعيما للاصطفاف الشيعي على امتداد المنطقة .
في هذه الفترة رأينا تورطا متصاعدا لحزب الله اللبناني في الأزمة السورية لصالح العصابة , ورأينا تراجعا تركيا مثيرا للاهتمام عن وعود سابقة بدعم الشعب السوري في ثورته المشروعة , موقف يحمل بصمات إيرانية ما يشير إلى مزيج من ترغيب وترهيب إيراني لأنقرا , توازى مع تراجع عربي خليجي مماثل , يحمل بدوره بصمات ابتزاز إيراني سافر , ومحاولة للمساومة والمقايضة بين رأس الثورة البحرينية وراس الثورة السورية
الني وقف عرب الخليج معها منذ البداية , وعلقت أمريكا أي تدخل لها لدعم الثورة على موقف هذه الدول بالتحديد , وبدل أن تتقدم المواقف الخليجية تبعا لتفاقم الاوضاع في سوريا , لا حظنا انتكاسات على أكثر من مستوى .
التصعيد الإيراني حدث وما زال يحدث تحت مظلة دولية وفرتها موسكو وبكين لها , فقد تضافرت أواصر الدول الثلاث واتفقت على حماية نظام القرامطة في دمشق , ولا شك أن هناك تناسقا وتنسيقا محكمين بين هذه الدول الأربعة الان في كل ما يصدر عنها , واسندت لطهران دور رأس الرد الهجومي , على مسائل عديدة دولية وإقليمية , وليس حماية العصابة فقط , ويأتي في مقدمها نشر الصواريخ الأمريكية المسماة القبة
النووية التي تقول أمريكا أنها لردع التهديدات الإيرانية والقوى الإسلامية الجديدة , بينما ترى موسكو أنها موجهة ضدها بالأساس , الأمر الذي يحمل نذر حرب باردة ثانية ولو منخفضة المستوى , بين الشرق والغرب تلعب فيها إيران دور رأس الرمخ , وتحتل دمشق فيه موقعا مهما .
الإدارة الأمريكية المنكفئة , المتراخية , التي تذكرنا بإدارة كارتر [ 1977 - 1981 ] والتي حدثت فيها تراجعات وهزائم كبرى أمام السوفيات , وكانت الثورة الإيرانية نفسها إحدى ثمراتها , وخسارة أفغانستان ولبنان ثم القرن الأفريقي , وعدة مواقع في أمريكا اللاتينية من بينها .. هذه الإدارة اكتفت في الشهور الأخيرة ردا على إيران أن وجهت لها الاتهام الذي لا يبدو متقن الإخراج بالتخطيط لاغتيال السفير
السعودي في واشنطن , والوقوف وراء عودة التهديدات الإسرائيلية بضرب المواقع النووية الإيرانية , وفرض عقوبات جديدة اقتصادية ودبلوماسية عليها .. وهي كلها لا ترقى إلى مستوى الردع الاستراتيجي .
المناورات البحرية الإيرانية في مياه الخليج , تبدو للوهلة الأولى في نظر معظم المراقبين استعراض عضلات وإظهار للقوة المتنامية , وربما لردع أي تهديدات إسرائيلية بشكل مسبق , لكني لا أرى في هذه المناورات رسائل إلى العنوان الإسرائيلي أو الأمريكي , ولكني أراها مرسلة إلى العناوين العربية بالدرجة الأولى , خاصة الرياض , الكويت , الدوحة , أبو ظبي . فالتهديد بإغلاق هرمز وعرقلة الصادرات البترولية موجه
أولا لهذه الدول , ونحن نسمع من الرئيس الثرثار الذي يسرف في الخطابة محمود نجاد تهديدات واضحة واتهامات مباشرة للدول العربية المذكورة بالتأمر على إيران لحساب الغرب وإسرائيل . أما خلف هذه التهديدات الدخانية فتكمن رزمة أهداف أخرى , في صدارتها الاعتراف لطهران بالهيمنة على الخليج كشرطي اقليمي وحيد , وتخويف الدول العربية الصعيرة الضعيفة فيه , وإرسال إشارات مساندة واضحة للانتفاضة البحرينية التي بدأت شعبية مشروعة وتحولت حركة شيعية مرتبطة باستراتيجيات إيران الإقليمية , وكذلك انتفاضة
الشيعة المتجددة في السعودية . وطهران تعلم أنه كلما نشطت الانتفاضة هنا أو هناك , إزداد تراجع الدول الخليجية عن دعم الثورة السورية , واصبح ممكنا المقايضة بين هذه وتلك .. للأسف .
إغلاق هرمز الذي تهدد إيران به ضرب من المستحيل حسب رأي الخبراء , هو فلم سينمائي لا واقعي , لكن الممكن هو عرقلة الصادرات النفطية بقوة السلاح , أي بعملية حربية أشبه بعمليات القرصنة , أي بعبارة أخرى : عملية تشبيح دولية في مياه الخليج !! . بيد أن إيران تدرك جيدا أن أي تشبيح هنا سيؤدي حتما لردع عسكري قاس من جانب القوات الأمريكية والغربية المنتشرة بكثافة في المنطقة وما حولها , وبالتالي
التورط في حرب لا قدرة لإيران عليها .. مما يؤكد أنها تشبيح محدود موجه للدول العربية , أولا , ولدعم النظام المترنح في دمشق ثانيا , ورسالة مؤازرة لحلفاء إيران في المنطقة ثالثا .
وربما كان الهدف الأول منها قبل هذه الاهداف داخلي بحت , أي استغلالها في الاستهلاك التعبوي والشعبوي داخل إيران نفسها , خوفا من اندلاع انتفاضة شعبية جديدة , فإيران شهدت قبل عامين سورة حقيقية قبل تونس ومصر وسوريا , ولكن السلطة نجحت في إجهاضها بكلفة دموية عالية , دون ن يعني عدم . خوفها من تجدد الانتفاضة , ووصول رياح الربيع العربي إلى عقر دارها ... إنه احتمال قوي , إذا تبنيناه سنكتشف
جذرا أخر غائصا لاستماتة حكام طهران في الدفاع عن نظام دمشق , أي أنه دفاع عن النفس لا مجرد تطوع لمساعدة حليف يتهاوى .
وفي كل الأحوال فحكام إيران اعتادوا دائما تغذية الحملات التعبوية عن الخطر الخارجي الداهم , وتحقيقهم للانجازات المعجزة في ميدان التصميع العسكري ليتركوا الشارع مشدودا ومتوترا من خلفهم , وتأجيلا للخوض في المسائل اليومية والمعيشية والاستحقاقات الديمقراطية .. ولكن السؤال إلى متى ؟؟!!!