من ظرفاء الشام غسان الألشي
حكايا في السياسة والأدب والممنوع:
شمس الدين العجلاني
[email protected]
· العلقة مع الأمن غير العلقة مع الجمارك
· من هو الخليفة الراشدي الخامس
الظرفاء هم بهار المجتمع وزينته و لهم دائماً من حب الناس نصيب عظيم، بوجودهم تتلطف الأجواء و بقصصهم و نوادرهم تحلو المجالس و تتجمل و عنهم يتناقل الناس السير والأخبار ويقصون القصص و الطرائف.
ليست هنالك صفات محددة تحكم تعريف الشخص الظريف ، و قد يكون الظريف على حد قول انطوان القوال : " هو الشخص الذي يتمتع بالذكاء المقرون بالبراعة ، و بسرعة الخاطر ، و الكياسة و اللياقة في التصرف و القول و المظهر . و هو الى ذلك فكه ضحوك ، في نكاته ، و ردوده ، و تعليقه على قول او حدث . و كثيرا ما يشيع كلامه ، و يصبح قولا سائرا يردد في مثل المناسبة التي قيل فيها . "
كما جاء في كتاب " الظرف و الظرفاء " لأبي الطيب محمد بن اسحق بن يحي الوشاء : " اعلم أن من كمال أدب الأدباء ، و حسن تظرف الظرفاء ، صبرهم على ما تولدت به المكارم ، و اجتنابهم لخسيس المآثم ، و أخذهم بالشيم السنية ، و الأخلاق الرضية .. يتسرعون إلى الأمور الجليلة ، و يتبطأون عند الأشياء الرذيلة ، فهم أمراء مجالسهم ، بهم يفتح عسر الاغلاق ، و بهم يتألف متنافر الأخلاق ، تسمو إليهم الآماق ، و تنثني عليهم الأعناق ، و لا يطمع في عيبهم العائب ، و لا يقدر على مثالبهم الطالب .. "
و الشام لها ظرفاؤها المشهورين الذين مروا بها وتركوا بصماتهم على حكاياها ونوادرها و منهم :
غسان الألشي :
الألشي من الأسر القديمة في دمشق تقلد بعض أجدادهم وظيفة الالشية و اشتهر منهم العلامة السيد محمد زاهد بن محمد نجيب بن موسى الألشي الحسيني ، و غسان الألشي ابن العائلة الشامية هذه و المشهورة بالذكاء وخفة الدم ، و هو ابن وزير الحربية ، رئيس وزراء سورية ، جميل الألشي زمن الانتداب الفرنسي .
يصفون غسان الألشي بأنه كان أنيق المظهر، كريم الطباع ، متلاف ، يحب السهر بل لديه الإدمان عليه و ينفق في سبيله المبالغ الكبيرة ، كان قليل الحب للأمور الجدية في حياته و حين يعتزم بجد على عمل تجاري يعود خاسرا ، لا برنامج له في حياته بل أن حياته كل يوم في حال .. عرف بالسمنة ، و هو اصغر الشخصيات المرحة في زمانه سنا .
يقول عنه أمير البزق محمد عبد الكريم في إحدى لقاءاته الصحفية بأنه : " كرة من الدم الخفيف و الروح الطيبة و النكتة المستملحة " كان الألشي من رواد مقهى البرازيل الشهير بدمشق ( كان هذا المقهى مقابل مقهى الهافانا ) و كان سيد مجالس أعيان الشام فأينما حل أضفى على المجلس المرح و الابتسامة .
يروى عنه :
اجتمع غسان الألشي بأحد أصدقائه ، بعد غياب طويل ، وسلم عليه بحرارة وسأله عن والده وأحواله و صحته فأجابه بأن والده قد مات!
فأبدى هذا الصديق الحزن الشديد وأخذ يعدد صفات المرحوم الوطنية و الحسنة , وطيبة قلبه , و يتابع الألشي بالقول : فتقطع قلبي حزنا وأخذت أخفف من آلامه وأواسيه بدوري ، ومرت أيام ...ورأيته في الطريق ثانية فعاد وسألني : كيف الوالد أن شاء الله بخير ...؟؟ فأجبته : والله لساتو ميت ..!!!
و أعتاد ظريف الشام غسان الألشي على تدخين السجاير الأجنبية ، و في احد الأيام فقدت هذه السجاير من أنحاء دمشق ، فطلب من صديق له يعمل كابتن على خطوط الطيران السورية ، بأن يحضر له " كروز " دخان من إحدى سفراته إلى الخارج ، و كان ذلك في فتره الخمسينيات من القرن الماضي عصر الانقلابات العسكرية في سورية ، وفي أحد الأيام حدثت مظاهرات وشغب مسلح في دمشق وتم منع التجول فيها , وتم اعتقال المتظاهرين و اقتيدوا إلى السجون و المحاكم و في هذه الأثناء اتصل كابتن الطائرة بغسان الألشي :
-غسان بك ...جبت لك الأمانة !!
-أية أمانة ؟ وضح ...وضح ؟....
" كان الألشي يخشى أن تكون خطوط الهاتف مراقبة وخشي أن يفهم الرقيب جملة
كابتن الطائرة ويؤولها تأويلا خاطئا فيذهب الألشي إلى حتفه بشربة ماء "
فرد عليه الكابتن :
-لشو التوضيح ؟ جبت لك بدل الكروز كروزين ...
وجن جنون الألشي خشية أن يظن بأن كابتن الطائرة حمل إليه كروزين من خراطيش الرصاص... فصرخ مذعورا : وضح ....وضِح ...الله يطول عمرك وعمري ...
وبدم بارد قال :
يا غسان بك ...جبت لك بدلا من كروز الدخان يللي وصيتني عليه
كروزين ..أنبسط ياعم ، ثم استدرك قائلا : ولكن ...ليش أنت خايف وصوتك متقطع يا غسان بك ؟ وهنا قال الألشي وكأن الروح ردت إليه :
ما بتعرف ليش ؟؟؟ لأنو العلقة مع الأمن غير العلقة مع الجمارك ياغشيم عصرك!!
و يروي غسان الألشي انه كان في جلسة سهر ، وقال أحدهم ان غسان كان طيارا حربيا أثناء حرب فلسطين ، و طلب الحاضرون أن يحدثهم عن حرب فلسطين و اعماله فيها ، و يتابع غسان بالقول : " والداعي طبعا موطيار ولايحزنون وتابعت التمثيلية ...ورحت أحكي لهم قصتي ومخاطراتي والغارات التي كنت أشنها على العدو ومحسوبكم خياله واسع , وبعد أن سردت لهم عدة حوادث , أنهيتها بأن طائرتي وقعت مرة وقضي علي ، فقال أحدهم متعجبا : كيف مت وهلأ أنت عايش وقاعد معنا عم تحكي القصة ؟ فأجبته : أنا عايش ...؟؟ ليش هي عيشه ؟ !! ...
و يروي نصر الدين البحره : كان بين من يحب الرئيس «الشيشكلي» أن يجالسهم ويداعبهم ويمازحهم الظريف الدمشقي الراحل الأستاذ غسان الألشي » وهو من زبائن "البرازيل" أيضاً، ووالده السيد "جميل الألشي "، وهو رئيس وزراء سابق ـ وقد يذهب المزاح بعيداً في بعض الأحيان، خاصة إذا طافت بالجلسة بعض بنات الكرم. وهكذا فإن الأستاذ " غسان " » في جلسة في نادي الضباط، قال كلاماً يبدو أنه أزعج الرئيس «الشيشكلي»، فإذا هو يشير بيده إلى الضابط المرافق، حتى إذا اقترب هذا منه، مال نحوه، فهمس في أذنه بضع كلمات ثم استوى. كانت التعليمات واضحة: أن يساق الأستاذ " غسان " » إلى زنزانة في سجن المزة العسكري، في نهاية السهرة، على ألا يُهَان أو يُلحق به أذى، ويكرم كل التكريم وتلبى طلباته جميعاً، ثم لا يفرج عنه إلا بأمر من الرئيس «الشيشكلي"
وفي اليوم التالي إذ جاء الرئيس إلى النادي، وتذكر ما كان في الليلة السابقة، أمر بإخلاء سبيل " غسان الألشي " ، على أن يؤتى به إلى النادي. وسأله الرئيس «الشيشكلي» متجاهلاً الأمر: لماذا تأخرت علينا الليلة؟ قال " غسان " »: الناس هم الذين أخّروني.. كنت أقول لهم : إن الخلفاء الراشدين خمسة، وهم يقولون: أربعة. وهنا أبدى الرئيس استغرابه ودهشته، فسأل " غسان " »: ومن هو الخليفة الراشدي الخامس؟ قال: هو «حسن بك الشيشكلي» والد سيادتك.. فضحك الرئيس وقد فهم الغمزة.