لغة المصالح... قمة الفشل

هنادي نصر الله

[email protected]

يأتيني إلى حيثُ أجلس؛ وقد اتخذتُ لي مقعدًا في مؤتمرٍ يُناقش واقع الإعلام الإجتماعي ومستقبله في فلسطين، يقتربُ مني مبتسمًا، ويسألني " أينَ أنتِ لم نركِ منذ فترة" ؟!

قاطعته زميلة لي تجلسُ جانبي، سألته عن حاله؛ نظرّ إليها كأنه لم يعرفها؛ لاحظتْ ملامحه التي تشي بأنه قد نسيّ أين قابلها؟! فبددتْ نسيانه بالتعريف بنفسها؛ تذكرها، ثم قال" أنا أعرف هنادي جيدًا الصحافية النشيطة والمتمرسة" شكرّ نشاطي كعادته، وكعادة كل الذين يعرفونني عن قربٍ وحتى عن بُعد..

اقتربّ مني أكثر، وقال" سأجلبُ لك ابنة اختي كي تُدربيها" ضحكتُ ولضحكتي عجبًا، إذ كيف برجلٍ مثله يستغل منصبه أبشع استغلال، لماذا لا تبحث ابنة اخته وحتى ابنته بنفسها عن فرصة تدريب وتثقيف وتمكين وثم توظيف؟!

سألتُ ونفسي ومازال يُحدثني،أهكذا يُريدون أن يُقحمونني في أمواج مصالحهم الهائجة والمضطربة التي كثيرًا ما يشوبها المد والجزر؟!! لكنني لستُ مثلهم، ومازلتُ أنادي بضرورة أن تُبادر كل فتاةٍ لأخذ فرصتها بعيدًا عن " واو"، شعاري في ذلك"  من تأتيها الفرصة على طبق من فضة؛ حتمًا ستودعها وتتركها فاشلةً على طبق من ذهب"!!

قناعةٌ راودتني وأنا أمررُ على ذاكرتي شريطًا حافلاً بقصص الفشل؛ لزميلاتٍ قادتهنّ " الواو" إلى مكانةٍ أكبر من حجمهن وطاقاتهن، كلهنّ فشلنّ؛ كنتُ دومًا أقول " اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم" وأقسى شر يُداهم فتاةً مبدعةً مثلي أن أُجبر مكرهةً على أن أُدرب فلانة فقط لأنها قريبة فلان، أو تمون على علان، إنه التدمير الحقيقي لحق الإنسان في البحث عن فرصته بنفسه؛ وهل هناك لذة ومتعة تُضاهي متعة البحث عن الذات وعن مكانة سامية تصنعها الفتاة بعرق جبينها، بطهرها، بعفتها، بتمسكها بقيمها، بعدم استخدام نفوذ عائلتها أو أقاربها؟!!

تبًا لهم جميعًا، كيف لا يُراعون مشاعر البشرية وهم يدخلون الأماكن دون أن يدقوا أبوابها بالطريقة السليمة والصحيحة؟ تبًا لهم إذ كيف يُقحمون أنفسهم ويفرضونها فرضًا على الآخرين  وهم فاقدي للقدرات والطاقات وحتى مؤهلات؛ فمؤهلهم الوحيد مهارة الصعود على أكتاف الآخرين ؟!!

تبًا لهم حين لا يستوعبون أهمية أن يحظى كل إنسان بتربةٍ تليق بقدراته العملية والواقعية، تبًا لهم إذ يُريدوننا أن نكون عبيدًا عندهم؛ نعطي المقربين منهم خبرة سنواتٍ مجانًا وكرهًا؛ دون أن يكلفوا أنفسهم ليبحثوا ويبحثوا ويُفكروا وينتجوا؟!!

" اللي بيجي بلاش، بيروح ببلاش" مثل واقعي وصحيح، كل من يريد أن يصنع له مجدًا عليه أن يكد ويشقى،أن يتدرج في سلم البحث عن التعب والمتاعب؛ لا أن يقفز على أكتاف الآخرين؛ فيُتعبهم ويُشقيهم؛ وبالنهاية لا يجني هو إلا الفشل؛ لأنه كان ضحية مؤامرة ونظرية خاطئة" نظرية أن من لدى ذويه نفوذ يجب أن يصل إلى ما يُريد حتى لو جرب وفشل"!!

أسأل الله أن يرحمنا وينجينا من سوء تفكيرهم، ومن بطش نفوذهم، ومن سوء استغلالهم لمناصبهم، وأن يجعل كيدهم في نحرهم، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين....