الحزبية والديمقراطية والمشاركة السياسية للإسلاميين
الحزبية والديمقراطية
والمشاركة السياسية للإسلاميين
أ.د/ عبد الرحمن البر
عميد كلية أصول الدين بالمنصورة
وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين
وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين
ثمة شبهة تتردد عندما يتقدم الإسلاميون لطلب نيل ثقة الجماهير إذا يقول بعض الناس: إن الإسلام ينكر تكوين الأحزاب، ويلزم أن تكون الأمة حزبا واحدا، وإنه في حالة نجاح الإسلاميين، فسوف يلغون الأحزاب القائمة، وينقلبون على الديمقراطية، لأنهم يرون أن القسمة الحزبية قسمة ثنائية فإما أن تكون في حزب الله، وإما أن تكون في حزب الشيطان، وهم لذلك ينظرون إلى الديمقراطية على أنها سلم مؤقت، يصلون به إلى الحكم ومن ثم يلغون الديمقراطية، ويعودون إلى الاستبداد والدكتاتورية، إلى آخر تلك الترهات والافتراءات التي لا أصل لها، والتي يرددها خصوم التيار الإسلامي ويفترونها وهم يعلمون أنهم غير محقين فيما يرددون.
أما أن الإسلام يحرص على الحزب الواحد، فهذا كلام غير صحيح، فإن الإسلام لا يمنع من تكوين الأحزاب السياسية، ولا يرفض تعدد الآراء السياسية، إنما الذي يمنع منه الإسلام تكوين أحزاب تدعو إلى تفريق الأمة وتمزيقها، وتجعل الأمة في حرب مع بعضها البعض، تلك هي الحزبية البغيضة الممقوتة التي يحكمها التعصب للرأي، ولو على حساب الحق.
أما العمل السياسي الذي هو مجال لتنوع الآراء وتعددها فهذا أمر طبيعي، لم يمنع منه الإسلام على الإطلاق، والأحزاب السياسية بمفهومها المعاصر يمكن أن نقول: إنها كانت موجودة منذ أيام الإسلام الأولى، في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، ولو لم تأخذ اسما شبيها باسم الأحزاب المعاصرة. نحن نعلم أن بعض الصحابة كانت لهم بعض الآراء التي تختلف مع بعض مواقف الصحابة الآخرين، وقد كانوا أسمى من أن يسموا أنفسهم أحزابا، أو غير ذلك، لكن خذ على سبيل المثال حين انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وأراد المسلمون اختيار الخليفة حصل اجتماع في سقيفة بني ساعدة حضره المهاجرون والأنصار، وحصل فيه أول خلاف سياسي يمكن اعتباره عملا حزبيا سياسيا؛ إذ طلب الأنصار أن يكون الخليفة منهم، وطلب المهاجرون أن يكون الخليفة منهم، وأنا أسألك أيها الأخ الكريم ما هو عمل الأحزاب السياسية الآن؟ أليس أقصى أعمال الأحزاب السياسية المعاصرة أنها تريد أن تتسلم الحكم، وأن يكون الرئيس والإدارة منها.
هذا هو ما حصل بالضبط، اختلف الصحابة، وقدم كل منهم حججه ومبرراته، إلى أن وصل الغالبية إلى قناعة بأن يكون الخليفة من المهاجرين، وأن المهاجرين هم الأمراء والأنصار هم الوزراء، وقبِل الناس ذلك، ومن تردد في البداية قبِل في النهاية ونزل على رأي الأغلبية، هذا هو العمل السياسي، ثم ظهرت الأحزاب السياسية بعد ذلك، وفي كل وقت كانت هناك فئات لها مطالب محددة، وهو ما يفعله أصحاب الأحزاب السياسية، ومن هنا فلا مانع إطلاقا في الإسلام من أن تقوم أحزاب متعددة تتبنى أفكارا وآراء متنوعة وتهدف إلى الإسهام في خدمة الوطن.
أما والقولألك بأن الإسلام لا يعرف إلا حزب الله وحزب الشيطان، فهذا خاص بالأمور العقدية والأمور التي فيها شق لصف الأمة، وكل الأحزاب السياسية التي تؤمن بالقواعد الدستورية التي ترى أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع وأن دين الدولة هو الإسلام، ولا تخالف ثوابت الإسلام في شيء من ذلك، وإن حصل اختلاف في بعض مسائله الجزئية والفرعية الكثيرة، فكل تلك الأحزاب من الناحية العقدية داخلة في مفهوم حزب الله متى كان هدف أصحابها الوصول إلى الحق وخدمة الوطن.
أما الحزب الذي نقول: إنه حزب الشيطان، فهو الذي يرفع لواء محاربة الشريعة والإسلام، ويرتبط بأعداء الدين والوطن ويعطيهم ولاءه على حساب دينه ووطنه وشعبه، هذه هي الحزبية البغيضة الممقوتة.
ولهذا فالقول بأنه إذا نجح الإسلاميون في الانتخابات سوف يقيمون حزبا واحدا، ويلغون الديمقراطية هو قول كاذب غير صحيح، وإن فرض وجود من يقول بهذا بين الإسلاميين فهم قلة نادرة تعيش على هامش الحركة الإسلامية وليس لها أدنى تأثير، أما الذين يتقدمون للعملية السياسية من الإسلاميين أصحاب الحركة الإسلامية، الراشدة الوسطية المعتدلة، فهؤلاء جميعا يؤمنون بالتعددية الحزبية، ومن ثم فنجاحهم لن يؤدي أبدا إلى أي استبداد سياسي؛ بل هم أكثر الناس اكتواء بنيران الاستبداد، فكيف يتصور أن ينقلبوا مستبدين، بعد أن اكتووا بنار الاستبداد، إن هذا أمر غير وارد على الإطلاق، ولا يرد لا في كلامهم ولا في أدبياتهم، ولا في أقوال قادتهم.
إن الديمقراطية التي تمارسها المجتمعات الحديثة بصورتها المعاصرة والقائمة على التعددية الحزبية نقبل منها ما يوافق الإسلام، وهو حرية الرأي وإعطاء الأمة حقها في اختيار من تراه مناسبا، وهذا كلام واضح لا بأس به؛ وسيان أن تسمى هذه العملية ديمقراطية، أو لا تسمى، فلا مشاحة في الاصطلاح، وهذه هي الشورى التي أرادها الإسلام، ونحن نرفض ونقبل بحسب ما يرفض ويقبل الإسلام، والديمقراطية بهذا المعنى لا تعارض الإسلام فيما أرى، ولا يهمنا التسميات فالمهم هو المضمون.
إنفاق المال العام أو الأموال الخيرية على الدعاية:
أحب أن أشير إلى مسألة أخرى كثر السؤال عنها، وهي قضية إنفاق الأموال العامة على الدعاية، بمعنى أن بعض المرشحين ربما كان تابعا لمصلحة معينة أو جمعية خيرية معينة، وتقوم هذه الجمعية أو هذه الهيئة العامة التي لها ميزانية من الدولة بعمل دعاية من مال الأمة أو الأموال العامة لهذا المرشح أو ذاك، وهذا إهدار للمال العام في غير محله؛ لأن الأموال التي وضعت في ميزانيات الأمة، وضعت لتحقيق مصالح الأمة لا لتأييد مرشح معين، والأموال التي تلقاها أصحاب الجمعيات الخيرية بغرض إقامة أعمال صالحة للأمة، لا يجوز استخدامها في غير هذا الغرض، أما ما تفعله كثير من الهيئات حينما تسعى لتقديم الدعم من الأموال العامة في الدولة أو أموال الجمعيات الخيرية لنصرة مرشح معين فهذا إثم كبير وذنب عظيم، نسأل الله أن يبرئنا منها وأن يبرئ أمتنا منه إن شاء الله.
ولكن من واجب أبناء الحركة الإسلامية أن يساعدوا الحركة في إيصال أعضائها إلى البرلمان؛ ليقوموا بهذا الواجب.
أما شعبنا العظيم وأمتنا المباركة فأقول لهم: إن حماية صناديق الاقتراع من التزوير، وحماية إرادة الأمة من التزوير، لا يتحقق بشكل فعلي إلا بتدافع الجماهير إلى لجان الاقتراع، وإصرار الجماهير على أن تقول رأيها وتدلي بصوتها، وأن تعبر عن إرادتها وتختار من تراه مناسبا، وتحمي لجان وصناديق الاقتراع بالحضور الدائم حول اللجان حتى تنتهي العملية الانتخابية بإذن الله.