اللهم لا شماتة!
عثمان الخويطر
عند ما يتولى إنسان أمر شؤون قومه، سواء بالقوة وبطرق وحشية أو عن طريق الصدفة، وقد حدث هذا في أكثر من موقع في منطقتنا العربية، يتحول ذلك الإنسان، إلا مَنْ هدى الله، إلى سفاح مُتسلط يعض بنواجذه الحادة على مقدرات ومصير الشعب ويتحكم في مقدراتهم وأرزاقهم، وكأنه مُرسل من رب العباد ليُهين ويهلك العباد. وتتخيل من مقدرته على التحكم في أمور دولته وشدة غطرسته أنه إنسان سوي لديه عقل يُفرِّق به بين المعقول وغير المعقول ويُفكر بوعي ودراية بعواقب الأمور. ولكننا نجد الواقع غير ذلك. فأغلب منْ تنطبق عليهم تلك الصفات من الزعماء العرب لا يعرف ولا حتى مصلحته الخاصة التي تتطلب منه المحافظة على حياته وعلى حياة أفراد أسرته والمقربين منه.
عند ما قرَّرت وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن نيتها غزو العراق، أو بالأحرى تدمير بلاد الرافدين، كان من الممكن أن يقطع عليها صدام حسين الطريق ويتنحى عن الحكم لصالح بقاء العراق وأهل العراق. ولكن يظهر أن لا الشعب العراقي ولا مستقبل العراق يهم ذلك الإنسان. وكان الشيخ زايد بن سلطان - رحمه - الله قد عرض عليه تجنيب العراق ويلات العدوان الأمريكي المرتقب آنذاك ويقبل التنازل "عن الدكتاتورية" ويعيش ضيفاً مُكرماً في دولة الإمارات. ولكنه أبى وركب رأسه وانتظر حتى تدمر العراق وقُتِل أولاده شر قتلة، وانتهى هو بعظمته مُختبئاً في حفرة داخل مزرعة، فسيق كالكبش إلى حيث حوكم بمهانة وتم شنقه في يوم عيد. هل هذه هي الخاتمة التي كان يتمناها، مع وجود اختيارات أفضل؟
وظننا أن مصير صدام حسين سوف لا محالة يُعطي الآخرين من أمثاله درساً وعِبرة فيتصرفون بحكمة عند ما يجدون أنفسهم في موقف مشابه وأفضل الاختيارات لديهم التنحي عن السلطة، بدلاً من الانتظار حتى يسحقهم الشعب. وها هو الزعيم الليبي، ملك الملوك وإمام المسلمين وفاكهة القمم العربية معمر القذافي يسير على منهاج صدام حسين، حذو القذة بالقذة. وأخيراً ينتهي بأسوأ مما انتهى إليه صدام، عفا الله عنا وعنهم ورحم جَلَّ شأنه أموات المسلمين كافة. وماذا عليه لو أنه جنب نفسه المذلة التي لحقت به وبعائلته والدمار الهائل الذي أصاب ليبيا وعشرات الآلاف من الأرواح التي أزهقت بسبب عناده وغطرسته. هذه العينة من الدكتاتوريين لم يدركوا أنهم غير مُخولين لتدمير بلدانهم وقتل وتشريد مواطنيهم، بل كانوا يتصرفون وكأنهم يملكون الأرض والبشر والمقدرات، فأعمى ذلك بصيرتهم والعياذ بالله. فهل يصدِّق عاقل أن معمر القذافي، وهو الذي ملأ الدنيا بالتصريحات العفوية وبالنصائح الأخوية لزملائه في القمم العربية أن يحذروا من تقلبات الأيام، لم يتخيل ولو للحظة ما سوف تؤول إليه حاله وهو يُشاهد الثوار في بلاده ينتقلون من نصر إلى آخر مُقتفين أثره من أجل القبض عليه؟ وإن كان لم يفهمها في أول الأمر، فقد بدا ذلك واضحا في المراحل الأخيرة عند ما حاصروه في مسقط رأسه، وكان بإمكانه الهروب كما فعل نجله سيف الإسلام، فعلى أقل تقدير ينجو من ذلك المشهد الأخير المهين. وإن كان صدام حسين ومعمر القذافي يفخرون بما أوصلوا إليه أنفسهم من الذل والإهانة والخراب والدمار لبلدانهم ويعدونه من الرجولة وصلابة البأس، وما هو إلا جنون العظمة.
ما سبق في هذا المقال هو مقدمة للحديث عن زعيم آخر يبدوا أنه يسير على الطريق نفسه ولم يتّعظ من تجارب الزعيمين، ذلك هو الرئيس بشار الأسد. وإذا افترضنا أن صدام ومعمر لم يحصلا على قدر كاف من التعليم كي يستطيعا التصرف بحكمة، فإن بشار قد أكمل دراسة طب العيون، وهو مستوى رفيع من التعليم الأكاديمي والمهني. ويُفترض أن ذلك ربما يُساعده على اتخاذ القرارات الذكية. ولكن يظهر لنا أنه لم يفعل، فماذا ينتظر هذا الرجل؟ وهل هو إلى الآن لم يستوعب ما يجري في بلاده؟ نكاد لا نُصدق! فرغم دوام المظاهرات السلمية والاحتجاجات يوميًّا ليل نهار، وتعرُّض المواطنين العُزل للقتل العمد والاعتقال التعسفي الذي غالباً ما ينتهي بالموت، خلال أكثر من ثمانية شهور، لا نرى بارقة أمل في أن بشار قد اتعظ وتعلم الدرس، بل ظلت الحكومة في عمى ضلالها. وأي مصير ينتظرهم، فالشعب مُصمم على الإطاحة بالنظام حتى ولو كلفهم ذلك آلاف الأرواح. وإطاحة النظام القائم المسرف بالتنكيل يعني إعدام رموزه من أولهم إلى آخرهم، بالقساوة نفسها التي يُمارس بها النظام اليوم قمعه لحركة الانتفاضة الشعبية. وإذا كان الرئيس بشار وقيادة حزب البعث، الحاكم الحقيقي والماسك بزمام شؤون البلاد، يعتقدون أنهم سوف يفلتون من أيدي الشعب، فهذا منتهى الغباوة وسوء تقدير للوضع الراهن. وكل ما نخشاه، هو أن تستمر الأمور على ما هي عليه الآن حتى يسقط النظام، كما سقطت أنظمة مشابهة، ويُلقى القبض على كل منْ مارس الإجرام بحق الشعب فيلقون مصير صدام حسين ومعمر القذافي وأولادهما وأتباعهما سحقاً في الشوارع. هل هذا ما يتمنون أن يحدث لهم؟
ويباهون في سورية بأنها قلعة الممانعة ضد إسرائيل، وهذا كلام فارغ، فهم بكل المقاييس حُماة إسرائيل، من حيث يعلمون أو لا يعلمون، وعند ما أحس الأسد أنه مُحاصر، بدأ يُطلق التهديدات الجوفاء ويُنذر بشر مستطير إذا حاول أحد إسقاط نظامه البائد، لقد هزُلت يا أسد، وكما بدأنا، نقول: اللهم لا شماتة.