نشيج المحابر

الشيخ خالد مهنا

ما شكل غدِنا من غير اتحاد ووفاق؟؟

الشيخ خالد مهنا *

[email protected]

أني فيما أكتب  استمد قوة قلمي من قوة قلبي،ولا أكتب إلا ما أعتقد،ولا أعتقد إلا ما صداه من جوانب نفسي، ولربما خالفت في اعتقادي إخوانا لي هم خيرٌ مني وأفضل وأنزه، ومعذرتي إليهم في ذلك أنّ النهوض والترقي والحق أولى بالمجاملة من أي فرد،وأنّ في رأسي عقلاً أجله عن أن ينزل به إلى أن يكون سيقة للعقول،وريشة في مهاب الأغراض،وان كنا مخطئين فيما نطرح  فبينوا لنا وجه البطلان،وافترضوا ما نقول قولاً لا تعلمون قائلة ولا تسبونا وتشتمونا وتذهبوا للتمثيل بنا كل مذهب. ولأني استمد آرائي ومعتقدي من قوة قلبي وقناعاتي  الثابتة أقول ...كفانا مطاطية ...وكفانا مجاملات ..وكفانا تأجيل وحدتنا الى سنوات ...

لو توحدنا لما كان بيننا مغبون أو مهضوم..ولاقفرت  الجفون من المدامع،ولاطمأنت الجنوب في المضاجع،ولَمحت وحدتنا شقاء المجتمع وتعاسة الأقصى والقرى المهجرة والأوقاف المنكوبة كما يمحو لسان الصبح مداد الظلام...

فلا انتصار حتى يجلو من واقعنا رغام وسلبية الشقاق!!

السماء أيها الإخوان تبكي بدموع الغمام عروتنا الممزقة!!

وقلبها يخفق بلمعان الوفاق وللحظات التلاق!!وهدير رعدها ينادي قائلاً كلنا يريدها ولكنا نجهل طرق تطبيقها وتنفيذها،ولعلكم جميعكم تؤمنون أن في صفحة سمائنا طلعت النجوم والكواكب ولكن من ناظر إليها ومستوح منها البدائع ومن هو غافل عنها ؟ وأن الأرض تئن بحفيف الريح،وتضج بأمواج البحار والمحيطات للوصول إلى الوحدة الحقيقية في هذا الظلام الحالك.

إن هؤلاء الذين يدفعون باتجاه التمزق ويُصرحون هكذا جهاراً نهاراً هؤلاء لو ملكوا المال والمعونة القوية القادرة على البر والإحسان والنفقة،لو مشى إليهم محتاج لما تأثروا لمنظره الرث،وإذا وقعت أنظارهم على بؤساء لا يكون نصيبهم منهم إلا الإغراق في الضحك سخرية بهم وببذاءة أثوابهم..فلا تسمعوا لهم وسدوا آذانكم عن سماعهم والاستماع إلى نصائحهم المضللة..

من يرفض الالتئام  كائنا من كان بين شقي الجماعة الواحدة لا يتقن إلا فن احتلا ب ذرات البشر،ولو استطاعوا أن يهدموا بيوتنا ومراكزنا ليزيحوا حجرا لفعلو!!

أيها الإخوان كما ترحمون الأرملة التي مات عنها زوجها ولم يترك لها غير صبية صغار زغب الحواصل ودموع غزار،ارحموا الجماعة الواحدة بشقيها! ارحموها قبل أن يصيب المصلحون وهم كثر،، الإحباط والهم فيؤثروا العزلة أو الموت على الحياة! وكما ترجمون زوجاتكم أمهات أولادكم وقعيدات بيوتكم ومرايا نفوسكم وخادمات فراشكم لأنهن ضعفاء،ولأن الله قد وكّل أمورهن إليكم،وما كان لكم أن تكذبوا ثقة الله بكم..

وكما ترحمون أولادكم وتحسنوا القيام على تأديبهم وأجسامهم وأنفسهم ،فانكم الا تفعلوا قتلتموهم وأشقيتموهم فكنتم أظلم الظالمين،ارجموا القدس  الرياّنة لوحدتكم،وإنها والله الشمس التي ننتظر طلوعها كما تنتظر الكائنات طلوعها لتستمد منها مادة حياتها التي تقومها أو صورتها التي تشكل بها وتأخذ منها الأغراس نماءها،والأزهار ألوانها،والأجواء طهارتها والآفاق جمالها.

وكما ترحمون الحيوانات لأنهم يحسون كما تحسون،ويتألمون كما تتألمون ويبكون بغير دموع،أو زفرات ويتوجعون ولا يكادوا يبينون. وكما ترحمون الطيور لا تحبسوها في أقفاصها،وتدعوها تهيم  في فضائها حيث تشاء،وتقع حيث يطيب لها التغريد والشجو والتنقير والغناء والرقص،تؤمنون في قرارة أنفسكم أن الفضاء الذي وهبه الله لها والذي لا نهاية له يمنعكم من أن تغتصبوها حقها فتضعوها في محابس لا يسع مد جناحها.

ارحموا دعوتكم وأبناء حركتكم وانقلوا مشاهد الحس إلى الحس

إني لأرى الرياض الغناء تهفو أشجارها،وترن أطيارها وأرى جداول الماء تنساب بين أنوارها وأزهارها،انسياب الأفاعي الرقطاء في الرمال البيضاء،وأرى أنامل النسائم تعبث بمنثورها الأوراق عبث الهوى بألباب العشاق،واسمع ما بين صفير البلابل،وخرير الجداول والمخاضات نغمات شجية تبلغ من نفس الإنسان ما لا تبلغ أوتار العيدان والاوركسترات العذبة..

فلا يسرني منها منظر،ولا يطربني سمع،لأني لا أرى بين هذه المشاهد التي أراها ضالتي التي أنشدها..

لا يطربني..ولا يفرحني اليوم الا صوت يدعو للوحدة،أو يبكي لها أو يدعو لها،ولولا هؤلاء لفررت من الحلبة  من هذا الامتياز،لكنني أجد من الإنس بهم والسكون إليهم ما وجده الذي يقول:

عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى

                                             وصوّت إنسان فكدت أطير

فكيف وهؤلاء الذين يقفون معي خيرٌ مني وأفضل مقاماً؟

وما يدريكم أيها الأخوة كيف يكون شكل غدكم من غير اتحاد،أو همهمة نحو الاتحاد.... والغدُ مر المذاق وبحر خضم زاخر يعب عبابه،وترتفع أمواجه ولقد غمض عن العقول،ودق شخصه عن الأنظار ولا أدري إذا كان واحد منا ضامن حين يخرج من المسجد – وفي قلبه نية صادقة لإعادة اللحمة – إلى أين ماله بعد ثوان..

فلم التسويف وتأجيل الأمور إلى الغد؟

لم السلحفائية والأمر يحتاج إلى هرولة بل مراتون في العدو السريع؟

لمَ،والغد صدر مملوء بالأسرار والأحاجي والألغاز،تحوم حوله البصائر،وتتسقطه العقول تأخذه شيئاً فشيئاً،فلا يبوح بسر من أسراره،وكأني به وهو كامن في مربضه وموضع جثومه،متلفع بفضل إزارة،ينظر إلينا اليوم ماذا ننوي أن نملأه..أنورت الأجيال ما لا يعرفون ويدركون ونحملهم فوق طاقاتهم وهمومهم؟

أيها الغد لا تفجعنا في أمانينا ونفوسنا،فإنما نحن أحباء بالأمل،وسعيدون بأمنياتنا،ولا نبغيها باطلة وكاذبة.

وليست حياة المرء إلا أمانيا

                               إن هي ضاعت فالحياة على الأثر

**يحكى ان مجموعة من الفراخ كانت تعيش في مزرعة وكان لها بيت جميل تعتني بتنظيفه والمحافظة عليه وتحرص الا يدخل المزرعة اي غريب. ولكن احد الخراف عرف طريق المزرعة فكان كل يوم يركب جرارا ويتجه به الى المزرعة كانت الفراخ تخاف جدا من صوت الجرار، وكان الخروف سعيدا بذلك، فقد كانت الفراخ تهرب من أمامه فيتجه هو الى بيتها ويأخذ البيض ويرجع فرحا بهذه الغنيمة السهلة.
أحست الفراخ بالغضب من هذا الخروف وعقدت اجتماعا طارئا، وقررت ان تواجه الخروف بكل قوة وحزم. وأول شيء فعلته انها قامت ببناء بيت مرتفع كي تراقب منه الطريق الذي يأتي منه الخروف. ولم تنتظر الفراخ طويلا فقد جاء الخروف كالعادة وهو يركب الجرار وتقدم نحو المزرعة بكل ثقة، وهنا صاح الفرخ الذي في بيت المراقبة وطلب من أصحابه الاستعداد للهجوم، وفعلا استعدت الفراخ.
فما كاد الخروف يوقف الجرار وينزل منه لأخذ البيض حتى انقضت عليه الفراخ مجتمعة بكل قوة وشجاعة، وأخذت تنقره في وجهه وعينيه وإذنيه ورجليه. خاف الخروف كثيرا من هذا الهجوم المباغت وقرر الا يعود الى المزرعة مرة ثانية. أما الفراخ فقد فرحت بهذا الانجاز الذي حققته، وعرفت ان في الاتحاد قوة، وأنها مهما كانت صغيرة وضعيفة الا انها قادرة على الدفاع عن حقها إذا اتحدت معا.......

**تحكي لنا الروايات انه كان يقع بين ملك من الملوك ووزيره خلاف في مسائل كثيرة حتى يشتد النزاع بينهما وحتى لا يسلس أحدهما لصاحبه في طرف مما يخالفه فيه،فحضر حوارهما أحد الحكماء في إحدى الليالي وهما يتناظران في المرآة،يعلو بها الملك إلى مصاف الملائكة،ويهبط بها الوزير إلى منزلة الشياطين المردة،ويسرد كل منهما على مذهبه أدلته،فلما علا صوتهما واشتد لجاجهما خرج ذلك الحكيم وغاب عن المجلس ساعة،وثم عاد وبين أثوابه لوح على احد وجهيه صورة فتاة حسناء،وعلى الآخر صورة عجوز شمطاء شوهاء فقطع عليهما حديثهما وقال لهما: أحب أن اعرض عليكما هذه الصورة ليعطيني كل منكما رأيه فيها، ثم عرض على الملك صورة الفتاة الحسناء فامتدحها ورجع إلى مكان الوزير وقد قلب اللوحة خلسة من حيث لا يشعر واحد منهما   بما فعل وعرض عليه صورة  العجوز الشمطاء.... فاستعاذ بالله من رؤيتها وأحذ يذمها ذماً قبيحاً ،فهاج غيظ الملك على الوزير،وأخذ يرميه بالجهل ، وفساد الذوق، وقد ظن أنه يذم الصورة التي رآها هو، فلما عادا إلى مثل ما كانا عليه من الخلاف الشديد والتعصب استوقفهما الحكيم وأراهما اللوح من جهتيه... فسكن ثائرتهما وضحكا ضحكاً كثيراُ ثم قال لهما:هذا ما أنتما فيه منذ الليلة،وما أحضرت إليكما هذا اللوح ألا لأضربه لكما مثلاً لتعلما إنكما متفقان في جميع ما كنتما تختلفان فيه لو أنكما تنظران إلى المسائل التي تختلفان فيهما من جهتيهما.

فشكراً له همته وانتفعا بحيلته انتفاعاً بحيلته انتفاعاً كثيراً فما كانا يختلفان بعد ذلك الا قليلاً)...

                

* رئيس الحركة الإسلامية في ام الفحم وضواحيها..

رئيس الدائرة الإعلامية في الحركة الإسلامية القطرية-الداخل الفلسطيني.