المسيرة... وشهداء الطاولة المستديرة
د
. حمزة رستناويالشهيد رقم (1) : أنا أسد الله , حمزة بن عبد المطلب , عم رسول الله , أنا صياد الأسود أشجع قريش , دافعت عن الدين و الدعوة و عن ابن أخي , و استشهدت في غزوة أحد من أجل إعلاء كلمة الله , أنا سيد الشهداء .
الشهيد رقم (2) : أنا علي بن أبي طالب , أبو السبطين , و أحد المبشرين بالجنة , أنا ابن عم رسول الله , و صهره على فاطمة سيدة نساء العالمين , أعطاني النبي الراية يوم خيبر , و شهدت مع الرسول بدراً و سائر المشاهد إلا تبوك , فإن النبي استخلفني على المدينة , و من والى الرسول فقد والاني , و من والاني فقد والى الرسول , قتلت مغدوراً و أنا أصلي , كنت صادقاً في قومي شديداً عليهم بالحق فخذلوني و خذلوا من بعدي الحسين , أنا سيد الشهداء
الشهيد رقم (3) : أنا الجعد بن درهم , ذبحني خالد القسري والي بني أمية على الكوفة , نصحت خليفتهم فاتهموني بالزندقة و أباحوا دمي , ذبحوني كما تذبح النعاج , ذبحوني أسفل المنبر في خطبة عيد الأضحى , خرج الناس من المسجد و انفضوا غير عابئين بدمي قلت مالم يجرؤا على قوله , أخذت بحديث النبي " الدين النصيحة " , أنا سيد الشهداء .
الشهيد رقم (4) : أنا رابعة العدويَّة , شهيدة الحب الإلهي , أنا أم الخير نذرت نفسي لله " و لقد جعلتك في الفؤاد محدثي و أبحت جسمي من أراد جلوسي "
أنا رابعة العدوية خطبني الأمراء و الملوك , فما رضيت عنك بديلاً يا رب , أنا شهيدة الحب الإلهي , أنا من مات فيك عشقاً يا رب , أنا سيد الشهداء .
الشهيد رقم (5) : أنا الحسين بن منصور الحلاج , أنا من كُشف له الحجاب , فعرفت الأحد الذي ظهرت منه الآحاد , لم أبحث عن خلاصي , بل تحريت خلاصي مع الآخرين و من أجل الآخرين , أنا الصوفي المتمرد يا رب . لم أنسحب من العالم كالمتصوف الدراويش , ما رغبت عنك بديلاً يا رب . و أما قولي " أنا الحق " فأنت أعلم بتأويله مني .
أدخلوني مشهوراً على جمل إلى بغداد , و سجنت و جوّعت , ثم صلبوني حياً و قطعوا أطرافي . أنا من طلب لقاءك يا رب , فهلا رضيت عنّي , أنا سيد الشهداء .
الشهيد رقم(6) : أنا يوسف العظمة , شهيد الوطن , و بطل معركة ميسلون , ذهبت إلى معركة خاسرة عسكرياً , و لكنها و قفة العز و الكرامة , و إن ضميري يأبى أن يخرج وجهاء دمشق لاستقبال غورو فيلطخ تاريخ بلدي بالعار , ذهبت إلى معركة خاسرة و أنا غير نادم أنا سيد شهداء سوريا .
الشهيد رقم (7) : أنا جول جمال , الانتحاري الأول في التاريخ العربي المعاصر , أنا من هزمت العدوان الثلاثي على مصر , أنا السوري الذي استشهد في عباب بحر مصر , أنا شهيد حركة التحرر العربية من الاستعمار , أنا سيد شهداء بني يعرب .
الشهيد رقم (8) : أنا سيد قطب , شهيد الإسلام في العصر الحديث , سجنني جمال عبد الناصر , ثم نصب محاكمة صوريةً و أعدمني زبانيته في غياهب السجن . يا رب إن قومي كافرين يبغون الجاهلية , و أنا أدعوهم إلى الدين الصحيح و أنير لهم " معالم في الطريق " .
يا رب أليس سيد الشهداء من قال كلمة حق عند سلطان جائر ؟! و أنا من قال كلمة الحق فأنا سيد الشهداء .
الشهيد رقم (9) : أنا أنور السادات , زوج جيهان السادات , رئيس جمهورية مصر العربية , انتصرت على إسرائيل في حرب تشرين التحريرية , ثم وقّعت معاهدة السلام في كامب ديفد مع الإسرائيليين فاسترجعت أرض سيناء منهم , و حقنت دماء شعبي , و اتفقت مع الإسرائيليين على مشروع دولة فلسطينية , و لكن الفلسطينيين لم يأخذوا بنصيحتي , أنا أنور السادات زوج جيهان السادات , اغتالتني يد الغدر و التآمر و أنا أستعرض قوة مصر في عرض عسكري , أنا أنور السادات , الحائز على جائزة نوبل , بطل الحرب و شهيد السلام .
الشهيد رقم (10) : أنا فرج فودة شهيد حرية التعبير و الرأي .
الكلمة عندي بندقية , و الكتابة ساحة معركة , انبرى قلمي لتنفيذ آراء المتطرفين الظلاميين فاغتالني الحاقدين على الله و الناس و المجتمع , اغتالتني طيور الظلام وسط تواطأ حكومي و سكوت المثقفين المصريين , أنا فرج فودة صاحب " الحقيقة الفائية " أنا باكورة شهداء الرأي .
الشهيد رقم (11) : أنا محمد الدرة , الطفل الفلسطيني الأعزل البرئ , شاهدتم مشهد قتلي على شاشات تلفزيوناتكم , دمي في أعناقكم أيها العرب , دمي في أعناقكم أيها الحكام العرب" قبح الله وجوهكم و نكس عقالكم " . أنا محمد الدرة , أنا من كتب عني الشعراء آلاف القصائد , فكان استشهادي قادحاً لتفتح المواهب الشعرية , و فرصة سانحة لنشر آلاف القصائد للشعراء الشباب المحرومين من فرص النشر و الإعلان عن أنفسهم , أيها الشعراء الانتهازيون لا تتاجروا بدمي و تقبضوا ثمناً قليلاً , يا سلطان العويس أتركني و شأني .
أنا محمد الدرة , أريت العالم وحشية و همجية الاحتلال الصهيوني , لقد فضحتهم . أنا محمد الدرة طير من طيور الجنة , أنا سيد شهداء فلسطين .
الشهيد رقم ( 12) : أنا مواطن عادي , لم أرتشي يوماً , و لم أركب سيارة غير سيارة الأجرة , أولادي عشرة , أعيش مع أمهم في غرفة مستأجرة , لا أملك تواليت و دورة مياه تخصني , لا أملك هاتفاً , و لم أستطع تعليم أولادي في المدرسة , أنا موظف عند الحكومة قررت الالتحاق بالجيش و القوات المسلحة كي أستشهد في فلسطين , و لكن الحدود المغلقة حالت دون الدخول , لذلك قررت الاستشهاد خارج فلسطين , قضيت دهساً أمام مجنزرة عسكرية عن سابق إصرار و تصميم . أنا شهيد عادي , كل آمالي و أنا في الدار الآخرة أن يسجل اسمي في مكتب الشهداء , و أن تحصل زوجتي و أولادي على شقة سكنية , و هاتف , و أن يدرس أبنائي في مدارس أبناء الشهداء , و أن يدخل منهم كلية الطب . و أكون ممتنّاً لك يا رب لو أطلقوا اسمي على شارع أو مدرسة تخلدني إلى حين . أشكرك يا رب لأنك أرحتني من هذه الحياة , و هؤلاء القوم , أنا شهيد عادي .
أنا شهيد عادي .
_
هناك شهيد في زاوية القاعة يمتطي حصانا ً عربيا ً أصيلا ً
تزينه الدروع و السلاسل و الخوذة و ميداليات الانتصارات التي حققها
ربما كان يطمح بالمزيد من الميداليات, و لكن رب العالمين وعده بالكثير منها يوم القيامة
لذلك ما زال ينظر باحتقار لشهداء الطاولة المستديرة و يستغرب هرجهم و مرجهم؟؟!!
ألا يعرفون من هو سيد الشهداء؟؟!!!
أم أنهم يستغبون أنفسهم؟؟!
على كل حال يوم الحساب قريب و سيشاهدون بأم عينهم من هو سيد الشهداء؟؟!!
خياركم في الدنيا خياركم في الآخرة
شهدائكم في الدنيا شهداؤكم في الآخرة
*ملاحظة: كتبت هذه المقالة على هامش الذكرى العاشر : 22 كانون الثاني 2004