واشنطن تجر الوبال على نفسها
محمد كريشان
كلمات أُنتقيت بعناية… لذا وجب التوقف عندها بكل عناية. هذه الكلمات جاءت في بيان للخارجية الأمريكية بعد أن أجرى وزيرها جون كيري آخر مكالمة هاتفية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس محاولا عبثا ثنيه عن التقدم بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي يحدد جدولا زمنيا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
يقول البيان إن هذا التحرك الفلسطيني في مجلس الأمن، والمدعوم عربيا، « ليس بنــــاء» أو مفيدا. ربما كان هذا الكلام صحيحا لو كانت المفاوضات التي بدأت قبل أكثر من عشرين عاما أتت أكلها، أو حتى بعضه، بل حتى و لو كان يرجى منها شيء. في هذه الحالة من المناسب أن تحاجج واشنطن الفلسطينيين بين هذا المفيد الذي أثمر و بين غير المفيد الذي يسيرون إليه عن غير هدى.
ويقول بيان الخارجية أيضا إن القرار المنشود «يضع جدولا زمنيا اعتباطيا» لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. ربما كان لواشنطن الحق في قول ذلك لو أنها حددت، هي أو إسرائيل، أو دعت المفاوضات تحدد تواريخ معينة ملزمة للجانبين لإنهاء إحتلال قارب النصف قرن. لكن الحقيقة أن لا مواعيد على الإطلاق احترمت في السابق و لا مواعيد على الإطلاق تبدو مرشحة لذلك في المستقبل.
ويقول البيان الأمريكي كذلك إن هذا القرار «لا يأخذ في الاعتبار حاجات إسرائيل الأمنية» دونما خوض في التفاصيل بما يمكن أن يحيل إلى فهم مفاده أن نهاية احتلال الضفة الغربية وغزة وإزالة الجدار الفاصل ووضع حد لسياسة الاستيطان، وكلها مجرَمة في القانون الدولي، تتناقض مع أمن إسرائيل الهلامي. كما يمكن أن يفهم أن قيام دولة فلسطينية في حد ذاته مع القدس الشرقية عاصمة لها هو إجراء يهدد هذا الأمن، رغم كل الضمانات التي أعطيت أو ستعطى ورغم كل ما تتمتع به إسرائيل من قوة باطشة تضمن مثل هذا الأمن رغم أنف الجميع.
لا يوجد في مشروع القرار المقدم إلى مجلس الأمن، و الذي لا يعرف إلى حد الآن متى سيعرض على أعضائه و متى سيجري التصويت عليه، أي عنصر صادم أو خارج عما يخوض فيه الخائضون منذ سنوات من ملامح عامة لطبيعة الحل النهائي المتمثل في صيغة الدولتين. أكثر من هذا، القرار لم يكفر بعد بالمفاوضات وسيلة معتمدة للوصول إلى هذه التسوية بدليل أنه ما زال يدعو إلى اعتمادها لحل كل قضايا الوضع النهائي، و لكن هذه المرة بسقف لا يتجاوز السنة وصولا لإنهاء الاحتلال بحلول نهاية 2017 بعد انهيار كل السقوف التي حددتها من قبل واشنطن ورضي بها الفلسطينيون عن مضض.
الغريب ألا أحد من القيادات الأمريكية الحالية أو السابقة تقدر خطورة إيصال ظهر الفلسطينيين إلى الحائط إلى درجة أن ديبلوماسيا سابقا مثل آرون ديفيد ميلر، و هو من ذهب عشرات المرات إلى لقاء المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين عندما كان مساعدا للمبعوث دنيس روس لزهاء الثماني سنوات لا يرى حرجا في التصريح لقناة «الحرة» بالقول» أنا لا أفهم الإحباط الفلسطيني و لماذا يريدون التوجه إلى الحلبة الدولية» ! معقول؟
وطالما أن كلام العرب الكثير من بين أصدقاء واشنطن لا يبدو ذي قيمة عن أن السياسات الأمريكية تجاه الفلسطينيين و المنطقة العربية عموما لا يمكن سوى أن تشجع التطرف والإرهاب فلتكن على الأقل هذه القصة المعبرة جدا و من الداخل الأمريكي أيضا:
قبل يومين بثت قناة «فوكس نيوز» برنامجا يظهر «طلبة أمريكيين يرون أن أمريكا هي التهديد الأكبر الذي يواجه العالم وليس داعش»! و ذلك من من خلال شريط مصور تم تسجيله في حرم جامعة بيركلي كاليفورنيا، يبين ما حدث عندما لوح أحدهم براية «داعش»، ومن ثم براية إسرائيل داخل الحرم الجامعي.
أراد أن يمتحن ردود الفعل في الحالتين، فما الذي حصل؟ عندما رفع راية «داعش» وهو يهتف بشعارات تنحي بلائمة الحروب على الولايات المتحدة متهما إياها بأنها من يقف وراء موت المدنيين في العراق وسوريا وليس هذا التنظيم المصنف إرهابيا، نالت هذه الشعارات استحسان الطلبة الذين كانوا يتجولون داخل الحرم الجامعي، بل إن بعضهم دعا له بالتوفيق وهنأه على سلامة طرحه. أما عندما حمل الشخص نفسه علم إسرائيل وأخذ يهتف ضد «حماس» أثار استياء الطلبة ودفعهم إلى نعت إسرائيل بأقسى الألفاظ، بل طالبه أحد الطلبة بإلقاء هذه الراية أرضا.
مقدم البرنامج عقَب بالقول «إن مضمون هذا الشريط شكّل لي شخصيا صدمة نفسية، فكيف يعتقد طلبة جامعيون بهذا المستوى أن إسرائيل لاعب سيئ في المنطقة؟ وكيف يعتقد هؤلاء الطلبة أن «داعش» تنظيم جيد؟ ولماذا تحولت راية إسرائيل إلى صورة للشر في جامعاتنا؟ إنه حقا أمر يبعث على الدهشة، وعلى ما يبدو أن الأمريكيين فقدوا رشدهم». بدون تعليق!