لئلا ننسى.. من تاريخ المؤامرة على فلسطين 2

د.  محمد عبد الرحمن المرسى

لئلا ننسى.. من تاريخ المؤامرة على فلسطين

(2-2)

د.  محمد عبد الرحمن المرسى

عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين

إحصائيات وأحداث لها دلالة :

بلغ عدد اليهود في فلسطين عام 1799 نحو خمسة آلاف يهودي وفي عام 1876 بلغ 13920 يهودي .

وفي عام 1918 وصل عددهم إلى 55 ألفاً ( أي 8% من عدد السكان في فلسطين ) .

وفي سنة 1948 بلغ عددهم 650 ألفاً – أي ازدادوا في فترة الاحتلال البريطاني ليصلوا إلى 31% من السكان).

لكنهم لم يتمكنوا من الحصول سوى على 6.5% من أرض فلسطين قبيل إعلان الدولة 1948 ( وأغلبها أراضي حكومية ، أو باعها إقطاعيون غير فلسطينين كانوا يقيمون في دول أخرى مثل لبنان أو بالحيلة والتحايل ..) بني عليها اليهود 291 مستعمرة ( قرار التقسيم 1948 كان يعطي اليهود 54% من أرض فلسطين ) ومع اندلاع حرب 48 تمكنوا من الاستيلاء على 77% من أرض فلسطين وقد بلغ عدد قوات الجيش اليهودي في هذه الفترة ( نظامي أو عصابات اليهود المسلحة ) أكثر من 70 ألف مقاتل ( 64 ألف مقاتل من الهاجاناة و 5آلاف من الأرغون ، وألفين من شيترن والباقي مجموعات صغيرة ..) .

وهو عدد أكثر من ثلاثة أضعاف الجيوش العربية السبعة التي دخلت حرب 1948 مع فارق ضخم في التسليح لصالح اليهود .

دمر اليهود 478 قرية فلسطينية من أصل 585 قرية في الأراضي المحتلة 48 وبلغ عدد مستعمراتهم 756 مستعمرة بحلول سنة 1985 .

لم يبق تحت يد أبناء فلسطينيين في الأرض المحتلة 48 سوى أقل من 4% من الأرض .

بعد حرب 67 قاموا بمصادرة 62.7% من مساحة الضفة الغربية و 43% من مساحة قطاع غزة ، وأخذوا في تنفيذ مشروع القدس الكبرى الذي سوف يغطي 20% من أرض الضفة الغربية .

في القدس الشرقية أقاموا أكثر من عشرة أحياء يسكنها 190 ألف يهودي مستوطن بحيث أصبحوا أكثر من العرب المقيمين بالقدس الشرقية كما أقاموا في أراضي الضفة الغربية أكثر من 160 مستوطنة يسكنها أكثر من 200 ألف يهودي ( تقدير عام 2000م ) .

وبالتالي لم يتركوا إلا الفتات من أراضي الضفة الغربية وحتى هذا تم تقسيمه إلى ثلاث أجزاء ( منطقة أ - سيادة فلسطينية محدودة ، منطقة  ب - مشاركة أمنية إسرائيلية مع السلطة الفلسطينية – منطقة جـ - إشراف أمني إسرائيلي كامل ) ثم جدار للفصل بين القرى والتجمعات الفلسطينية يتحكم في بواباته الأمن الإسرائيلي ليجعلها جزر منفصلة محاصرة . فهذا الفتات الباقي من الضفة الغربية هو الذي تجري عليه المفاوضات التي يستجديها ويتوسل لها القادة العرب وسلطة أوسلو الفلسطينية .

·        في بداية الحرب العالمية الأولى 1917 ، تحالفت القبائل العربية : الشريف حسين في الحجاز، وزعماء القبائل في جنوب الشام وشرق فلسطين مع الإمبراطورية البريطانية ضد الدولة العثمانية ( وكانت تحت حكم الاتحاد والترقي ) ، مقابل أن يحكموا بأنفسهم هذه المناطق وبلاد الشام ، حسب زعم ووعد الإنجليز لهم . وتم هذا الاتفاق على يد ضابط المخابرات الإنجليزية لورانس العرب " ، وكان لهذا التحالف دور فعال في نجاح الإنجليز في الاستيلاء على الشام .

·        عقدت معاهدة سايكس بيكو مايو 1916 بين بريطانيا وفرنسا ثم انضمت لهم روسيا بعد ذلك لتوزيع مناطق العراق والشام عليهم .

في 2 نوفمبر 1917 صدر وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين قام الروس بكشف هذه الاتفاقية حيث لم يأخذوا شيئاً في هذه المنطقة العربية وكان ذلك في بداية عهد الثورة الشيوعية التي قضت على الحكم القيصري في روسيا في أكتوبر 1917 وأعلنت انسحابها من الحرب العالمية وأرسلته للصحافة بعد أقل من أسبوع من صدوره . ثم جاء الإعلان الرسمي على لسان الجنرال ليويس بولز في مايو 1919 ( أي بعد عام ونصف من صدوره ) .

وقد أرسلت بريطانيا في يناير 1918 مبعوثها هونمارث لطمأنة الشريف حسين والعرب بأن ذلك الوعد لن يتعارض مع مصالح السلطان السياسية والاقتصادية .

في ديسمبر 1917 أتم البريطانيون احتلال جنوب ووسط فلسطين ، واحتلوا القدس في 9 ديسمبر 1917 وقال اللبني قائد الجيش البريطاني: الآن انتهت الحروب الصليبية، وفي سبتمبر 1918 احتل البريطانيون شمال فلسطين .

وفي الفترة من سبتمبر - أكتوبر 1918 احتلوا شرق الأردن وسوريا ولبنان واستطاعت بريطانيا إقناع فرنسا بالتخلي عن مشروع تدويل فلسطين كما في نصوص معاهدة سايكس بيكو مقابل مساعدة فرنسا في احتلال سوريا .

استصدرت بريطانيا قرارًا من عصبة الأمم في 24 يوليو 1922 بإنتدابها على فلسطين وتم تضمين وعد بلفور في صك الانتداب بحيث أصبح التزاماً رسمياً معتمداً دولياً ، ووضعت بريطانيا فلسطين تحت الحكم العسكري حتى نهاية 1920 ثم حولتها للحكم المدني وعينت اليهودي الصهيوني هربرت صمويل أول مندوب سام لها على أرض فلسطين (1920 حتى 1925 ) وتابع المندوبون السامون المسيرة نفسها بعده وكان أكثرهم حدة وبذلاً للجهد آرثر واكهوب (1931 – 1938 ) .

- ثم تأسيس الهستدروت ( اتحاد العمال ) وافتتاح الجامعة العبرية بالقدس سنة 1925 .

* هذا النجاح الظاهر ( والمؤقت بإذن الله ) للحركة الصهيونية لم يكن يعتمد على قوة اليهود الذاتية وإنما كانت هناك عوامل أخرى كثيرة ساعدته نجملها في الآتي:

 1- المساعدة الفعالة من دول العالم الكبرى ، وحرصهم على نجاح المخطط الصهيوني .

2- التبني الكامل من الإمبراطورية البريطانية مع احتلالها لأرض فلسطين والدول المجاورة لها .

3- الإمكانيات الاقتصادية والسياسية التي وصل إليها اليهود عبر مئات السنين في الدول المختلفة ، فامتلكوا الأموال الضخمة – والإعلام المؤثر – والتأثير السياسي الخفي.

4- أساليب المكر والدهاء واستباحة جميع الوسائل والحيل لتحقيق أهدافهم .

5- الضعف الشديد في الجبهة المقابلة لهم : من تفكك العرب – البعد عن دينهم – التخلف الحضاري والتكنولوجي – خضوعهم لقوى الاحتلال والاستعمار .

تاريخ المقاومة الفلسطينية حتى حرب 1948 :

-       أول صدام مسلح بين الفلسطينيين واليهود كان في سنة 1886 عندما أسس اليهود مستوطنة بتاح تكفا من أراض اشتروها من ملاك كبار وقاموا بطرد الفلاحين من منطقة الخضيرة وملبس ، فقاومهم الفلاحون ، ومن بعدها بدأ تنبه السلطات العثمانية للهجرة اليهودية .

-       كان أول بوادر المقاومة للمشروع الصهيوني وظهور ما يسمى بالحركة الوطنية الفليسطينية ، هو أوائل عام 1919 . حيث تم إنشاء جمعية " الفدائية " أوائل هذا العام وتكونت لها فروع في يافا والقدس وغزة ونابلس وطولكرم والرملة والخليل ، وتولى زعامتها في البداية محمد الدباغ ، ثم محمود عزيز الخالدي ، وكانت تلقي دعماً وتوجيهاً من الشيخ سعيد الخطيب والحاج أمين الحسيني والشيخ حسن أبو السعود ونشطت في تجنيد الأعضاء وسط الجندرمة والشرطة الفلسطينية وقاموا بشن بعض الهجمات على المستوطنات اليهودية مثل المطلة ، تل حاي ، كفر جلعادي وكان لها دور واضح في انتفاضة موسم النبي موسى في القدس في إبريل 1920 حيث احتشد الناس في القدس يوم 4 ابريل 1920 للاحتفال بهذا الموسم وخطب في الجماهير المتوافدة بعض المشايخ والزعماء مثل موسى كاظم الحسيني والحاج أمين الحسيني وعارف العارف .. وفي هذه الأثناء تطاول بعض اليهود على بعض الفلسطينيين فاندلعت الاشتباكات لتشمل مدينة القدس وأسفرت عن مقتل خمسة يهود وجرح 211 يهودياً كما جرح سبعة جنود بريطانيين ومن العرب استشهد أربعة وجرح 24 آخرين .

-       وفرضت السلطات البريطانية الأحكام العرفية وحكمت بالسجن غيابياً لمدة عشر سنوات على الحاج أمين الحسيني وعلى عارف العارف، ثم أصدر المندوب السامي البريطاني عفواً عنهما لمحاولة تهدئة الأوضاع كما قامت بإقالة موسى كاظم الحسيني من رئاسة بلدية القدس ( وقد تفرغ بعدها لقيادة الحركة الوطنية الفلسطينية حتى وفاته 1934 ) .

وعينت مكانه راغب النشاشيبي رئيساً للبلدية ، لتلعب منذ ذلك الوقت على ورقة الصراع العائلي ( حسينية ونشاشيبية) والتي كان لها أثر سلبي على حركة المقاومة .

انتفاضة يافا مايو 1921  :

في 28 مارس 1921 زار وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل فلسطين وأعطى دعما ودفعة قوية للاستيطان اليهودي ، وعندما قابله الوفد العربي الفلسطيني كان اللقاء مخيباً لآمالهم ، فقامت مظاهرة في حيفا 28 مارس ، فقمعها الإنجليز بعنف واستشهد فيها اثنين من العرب ثم اعتدت مجموعة من الشيوعيين اليهود عند احتفالهم بعيد العمال أول مايو 1921 على الفلسطينيين القاطنين في حي المنشية بيافا . فانفجرت الاشتباكات هناك وقتلوا 13 يهودياً وجرحوا 24 آخرين . ثم اتسعت الاشتباكات والأحداث لتغطي أجزاء عديدة من شمال فلسطين واستمرت الانتفاضة حتى منتصف مايو 1921 .

وقد تصدت القوات البريطانية للعرب الفلسطينيين عند هجومهم على المستعمرات اليهودية ( مستعمرة بتاح تكفا ) واستخدمت الطائرات في ذلك واستشهد من العرب 28 شهيداً و15 جريحاً . وقتل من اليهود 4 والجرحى 12 . وفي 6 مايو هاجم حوالي 400 عربي مستعمرة الخضيرة فتدخل الطيران البريطاني وأصابهم ، وأجبرهم على الانسحاب وفي نفس اليوم هاجم 600 عربي مستعمرة رحوبوت وقام الجيش البريطاني بالتصدي لهم .

وفي المقابل قام اليهود بأسر العرب الموجودين بالغرب منهم في مستعمرة بتاح تكفا ( بحماية القوات البريطانية ) وعذبوهم تعذيباً شديداً وهتكوا أعراض النساء ، وقتلوا منهم خمسين مسلماً فيهم أطفال ونساء وثبتت هذه الأشياء بتقارير الأطباء .

وقد بلغ شهداء العرب 157 والجرحى 705 بخلاف الخمسين الذين ذبحهم اليهود . كما أن معظم الإصابات وسط العرب كانت على يد القوات البريطانية وبرصاص البريطانيين واليهود ، أما معظم إصابات اليهود فكانت بالسكاكين والعصي .

ولتهدئة الأحوال قام البريطانيون باتخاذ إجراءات قضائية والاتصال ببعض الزعماء والوجهاء العرب لتهدئة الجماهير ووعدوهم بحل سياسي وضحكوا عليهم بإعطائهم وسام عضو الإمبراطورية M.B.E  . وقام في نفس الوقت النائب العام البريطاني المسئول عن القضاء في فلسطين : "نورمان بنتويش " وهو بريطاني يهودي صهيوني في التحقيق واعتبارها قضايا شغب بسيطة وقفل صفحتها .

واستكمالاً لهذا الخداع أعلن المندوب السامي البريطاني ( وهو يهودي صهيوني ) هربرت صمويل في 3 يونيو 1921 أن بريطانيا ستراعي مصالح الشعب الفلسطيني .

ثورة البراق أغسطس 1929 :

بعد انتفاضة يافا هدأت الأمور وانتظر وجهاء العرب تغير سياسة بريطانيا ، لكن حدثت اشتباكات محدودة مثل مظاهرة القدس في ذكرى وعد بلفور 2 نوفمبر 1921 أدت إلى مقتل خمسة من اليهود واستشهاد ثلاثة من العرب . وفي 20 مارس 1924 أهان اليهود في احتفالهم بعيد لهم الدين الإسلامي فحدث اشتباك ، وقتل يهودي وآخر مسلم وفي25 مارس 1925 أضربت فلسطين إضراباً شاملاً بمناسبة زيارة بلفور إلى فلسطين .

وحائط البراق هو الحائط الغربي للمسجد الأقصى (ويسميه اليهود حائط المبكى ) وكان ذلك وقف إسلامي لكن كانوا يسمحون لليهود بزيارة المكان من باب التسامح . لكن في 23 سبتمبر 1928 استغل اليهود ذلك وحاولوا تغيير الحالة وتحويل المكان إلى ما يشبه الكنيس اليهودي . فأسس المسلمون في 30 سبتمبر " لجنة الدفاع عن البراق الشريف" وعقدوا في القدس مؤتمراً إسلامياً في الأول من نوفمبر 1928 حضرته وفود من الأردن والعراق ولبنان وسوريا والهند، وقرر المؤتمر تشكيل جمعية حراسة المسجد الأقصى وفي 15أغسطس1925 قام اليهود بتصعيد جديد حيث نظموا مظاهرات في القدس الغربية اتجهت إلى حائط البراق ورفعوا عليه العلم الصهيوني وألقوا الخطب وشتموا وهاجموا الإسلام والمسلمين وذلك تحت حماية القوات البريطانية .

وفي اليوم التالي قام المسلمون بمظاهرة مضادة من المسجد الأقصى ، وحدث الاشتباك بين العرب واليهود في 17 أغسطس ، ثم صدامات واسعة بعد صلاة الجمعة 22 أغسطس في القدس. ثم عمت المظاهرات والصدمات جميع أنحاء فلسطين واستمرت بشكل عنيف أسبوعاً كاملاً وفي 24 أغسطس قام العرب في الخليل بمهاجمة الحي اليهودي فقتلوا أكثر من ستين يهودياً وجرحوا خمسين آخرين وقتلت القوات البريطانية من العرب عشرة خلاف عشرات الجرحى.

وفي يوم 29 أغسطس هاجم العرب الحي اليهودي في صفد فقتلوا عشرين وجرحوا 25 آخرين . واستمرت تلك الهجمات حتى 2 سبتمبر ونجحوا في تدمير ستة مستعمرات صغيرة. وتحولت أغلب أراضي فلسطين إلى ساحة قتال. ولم تستطع السلطات البريطانية السيطرة على الوضع إلا في 28 أغسطس وباستخدام مفرط في القوة أسفرت هذه الثورة عن مقتل133يهودياً وجرح339،واستشهد من العرب116 وجرح 232 ( هناك تقديرات ترفع هذه الأرقام ) وقد أصيبوا على يد الجيش البريطاني . وكانت الإصابات بين البريطانيين نادرة جداً لأن العرب كانوا يستهدفون اليهود فقط ( وكان عند بعض العرب الأمل في بريطانيا لكنهم أدركوا بعد ذلك أبعاد الحماية البريطانية للمشروع الصهيوني) .

وسيق إلى المحاكمة 1300 شخص 90% منهم من العرب وقد أفرج النائب العام البريطاني ( اليهودي ) بتتويش عن اليهود بكفالة ويدون كفالة، وحكم بالإعدام على ثلاثة من العرب هم عطا الزير، ومحمد جمجوم، وفؤاد حجازي وأعدموا في 17 يونيو1930 وكان يوماً مشهوداً في فلسطين عرف بـ " الثلاثاء الحمراء " وقد واجهوا الموت بشجاعة .

بعد ذلك جرت محاولة لاغتيال بنتويش أصيب على أثرها في فخده ثم أعفته السلطات البريطانية من منصبه سنة 1931 .

ثورة الكف الأخضر 1929 – 1930 :

كانت مجموعة الكف الأخضر هى أولى المجموعات الثورية ظهوراً بعد ثورة البراق ، وقد تركز نشاطها في شمال فلسطين ( قضاء صفد ، وعطا ) وقد بدأت بحوالي 27 رجلاً من الثوار – ( من الذين شاركوا في ثورة البراق وهربوا من قبضة السلطات البريطانية ) ثم انضم إليهم عشرات آخرون ليصل عددهم إلى 80 رجلاً: وقاموا بهجمات على اليهود وضد الشرطة البريطانية ونشطوا خلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 1929 وتولى قيادتها أحمد طافش .

طاردتهم القوات البريطانية واستعانت بالطائرات والتعاون مع السلطات الفرنسية وقوات حدود شرق الأردن في عمليات الملاحقة التي استمرت طوال شهري يناير وفبراير 1930 وتمكنت من القبض على أحمد طافش في شرق الأردن في 27 يناير 1930 وأعدمته وآخرين معه ولم تستطع هذه المجموعة الثورية بعد ذلك من الاستمرار بسبب المطاردة البريطانية ، ولأن الزعامات السياسية الفلسطينية لم تدعمها أو تتعاون معها .

انتفاضة أكتوبر 1933 :

تشكلت تجمعات سياسية في فلسطين مثل حزب الاستقلال – جمعيات الشبان المسلمين – اللجنة التنفيذية العربية ( وهى تمثل العرب الفلسطينيين سياسياً . وطالبوا بوقف الهجرة وإلقاء اللوم على بريطانيا ، وفي يوم 13 أكتوبر 1933 قررت اللجنة التنفيذية الإضراب العام في فلسطين وإقامة مظاهرة كبرى في القدس سقط فيها 11 جريحاً وفي يوم 27 أكتوبر عم الإضراب فلسطين وخرجت مظاهرة كبيرة في يافا بعد صلاة الجمعة بقيادة اللجنة التنفيذية ، واجهتها الشرطة البريطانية بالعنف وقتل فيها ثلاثين عربياً وجرح مائتان واعتقلت السلطات البريطانية 12 من القادة الفلسطينيين بينهم ثلاث أعضاء في اللجنة التنفيذية وكان من ضمن المصابين موسى كاظم الحسيني رئيس اللجنة وقد توفى بعد ذلك في مارس 1934 .

أحدثت مجزرة يافا ردود فعل غاضبة ، فقامت مظاهرات عنيفة في مدن فلسطين . واستمر الإضراب العام أسبوعاً كاملاً .

جماعة الجهادية واستشهاد عز الدين القسام نوفمبر 1935 :

هو الشيخ عز الدين عبد القادر مصطفى القسام من مواليد بلدة جبلة قضاء اللاذقية بسوريا سنة 1882 . درس في الأزهر وعاد إلى سوريا داعية للإسلام وكان من قادة الثورة السورية ضد الفرنسيين خلال الفترة 1918 – 1920 ثم بعد توقفها انتقل إلى فلسطين واستقر في حيفا .

ابتدأ تشكيل جماعته في سنة 1925 بإنشاء تنظيم جهادي سري يستمد منهجه من الإسلام والإعداد للجهاد وذلك تحت اسم " المنظمة الجهادية " ثم اشتهرت بعد استشهاد عز الدين القسام باسم جماعة القسام عمل عز الدين القسام إمام وخطيب لمسجد الاستقلال في حيفا منذ سنة 1925 ومأذون شرعي منذ سنة 1930 . كما استفاد من رئاسته لفرع جمعية الشبان المسلمين في حيفا كغطاء لحركته وتنظيمه وانشأ فروع لهذه الجمعية في اللواء الشمالي . وتشكلت القيادة الأولى للتنظيم القسامي سنة 1928 وضمت بالإضافة إلى رئيسها كلاً من العبد قاسم، محمود زعرورة ، محمد الصالح ، خليل محمد عيسى . وكان مركزها حيفا . وقد بلغ عدد أفراد الجماعة سنة 1935 حوالي مائتي عضو وعدد من الدوائر المتعاطفة بلغ إجمالها ثمانمائة .

وبدأ مرحلة التدريب والتسليح في أواخر 1928 . وشاركوا كأفراد في ثورة البراق 1929 ، وقاموا بعمليات عسكرية فردية في الفترة من 1930 – 1932 .

وفي نوفمبر 1935 أعلنت جماعة الجهادية عن نفسها وعن الدعوة للجهاد ، واختفى القسام وعدد من رجاله في أواخر أكتوبر في الجبال وبدأوا في شن الهجمات ، وبدأوا في الإعداد للهجوم على مستعمرة " بيت ألفا " ، لكنهم فقدوا عنصر المباغتة عندما كشف أمرهم ، وفي فجر يوم 20 نوفمبر 1935 طوقتهم القوات الإنجليزية بعدد 400 جندي مع المصفحات عند أحراش بلدة يعبد بالقرب من قرية الشيخ زيد وبدأت المعركة في الخامسة والنصف صباحاً واستمرت أربع ساعات ونصف واستشهد فيها الشيخ عز الدين القسام ، ويوسف الزيباوي ، ومحمد حنفي المصري . وقبض على ستة آخرين. وقتل من الإنجليز 15 رجلاً بخلاف الجرحى .

وكان ذلك الحادث هو الشرارة التي اندلعت منها الثورة الفلسطينية الكبرى .

الثورة الفلسطينية الكبرى 1936 – 1939 :

بعد استشهاد عز الدين القسام ، تولى القيادة الشيخ فرحان السعدي ، وقاموا ببعض العمليات العسكرية ، ومنها عملية عنبتا – نور الشمس ( على طريق نابلس – طولكرم ) وذلك في 15 ابريل 1936 وشارك فيها القائد فرحان السعدي وكان عمره حوالي 75 عاماً وتم قتل اثنين من اليهود وجرح ثالث .

ثم توالت الصدامات الواسعة بين العرب واليهود في منطقة يافا يوم 19 أبريل أدت إلى مقتل تسعة يهود وجرح45 آخرين، وقتل من العرب اثنان وجرح 28 .

وأعلنت بريطانيا حظر التجول في يافا وتل أبيب . وأثناء المرحلة الأولى من الثورة الفلسطينية تولى قيادة الثورة شمال فلسطين القائد القسامي أبو إبراهيم الكبير ، وفي منطقة لواء نابلس كان ضمن القيادة هناك قائدان قساميان هما يوسف أبو درة ، والشيخ محمد الصالح الحمد ، ومنطقة أخرى يقودها عبد الرحيم الحاج محمد ، وأخرى يقودها عارف عبد الرزاق ثم بعد انتهاء الثورة الكبرى ، شاركوا في الجهاد ولكن تحت قيادة تجمعات أخرى .

- وبذلك أصبحت المقاومة المسلحة الفلسطينية منذ 1936 وحتى 1947 تشمل ثلاثة تيارات أو مجموعات رئيسية :

أ – جماعة الجهادية والتي أصبحت بعد استشهاد عز الدين القسام جماعات القسام الجهادية وخاصة في شمال ووسط فلسطين .

ب – منظمة المقاومة والجهاد بقيادة عبد القادر الحسيني.

جـ - المجموعات التي شكلها الحاج أمين الحسيني في فلسطين . وقد اتحدت بعد ذلك مع مجموعة عبد القادر الحسيني لتشكل منظمة واحدة عرفت باسم " منظمة الجهاد المقدس" .

هذا بالإضافة إلى مجموعات أخرى صغيرة مبعثرة في المدن والقرى الفلسطينية .

منظمة الجهاد المقدس :

كان موسى كاظم الحسيني زعيماً للحركة الوطنية في فلسطين ، وخلفه بعده ابنه عبد القادر الحسيني حيث درس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة وفي حفل تخرجه سنة 1932 قام بتمزيق شهادة التخرج بعد أن استلمها من رئيس الجامعة على مرأى من الحشد وصاح قائلاً إني لست في حاجة إلى شهادة معهدكم الذي هو معهد استعماري تبشيري . وقد قامت الجامعة بسحب شهادته وقامت السلطات المصرية - بضغط بريطاني أمريكي – بطرده من مصر وبعد أن عاد عبد القادر الحسيني إلى فلسطين في يوليو 1932 ، أخذ يشكل تنظيماً عسكرياً سرياً للمقاومة في مارس 1934 برئاسته وأطلق عليه بعد ذلك اسم منظمة المقاومة والجهاد ، واتسع ليشمل مناطق كثيرة بلغت حوالي 17 فرعاً في مدن فلسطين ووصل عدد أعضائه إلى نحو 400 شخص ، واصطبغ هذا التنظيم بالصبغة الوطنية وشارك في عضويته العديد من النصارى من أبرزهم أميل الغوري وحنا خلف .

وفي نفس الوقت كان للحاج أمين الحسيني – مفتي فلسطين – تجمعات سرية عسكرية وتم توحيد جهود هذه التنظيمات في منظمة الجهاد المقدس برعاية الحاج أمين الحسيني وتحت إشرافه ثم أسند قيادتها لعبد القادر الحسيني .

وقد تولى عبد القادر الحسيني القيادة العملية في منطقة القدس أثناء الثورة الكبرى 1936 – 1939 ) . وقد تشكلت في أبريل 1936 اللجنة العربية العليا لفلسطين برئاسة الحاج أمين الحسيني .

ومن المعارك الكبيرة التي خاضها عبد القادر الحسيني معركة حوسان – الخضر في 4 أكتوبر 1936 وانتهت باستشهاد البطل السوري سعيد العاصي وأصيب فيها عبد القادر الحسيني وتم أسره بعد ذلك لكنه استطاع الهرب قبل محاكمته في 11 ديسمبر 1936 إلى العراق ثم إلى ألمانيا ، ثم عاد للقدس في خريف1937 وقاد أعمال الجهاد من جديد، ومن المعارك الكبيرة التي خاضها معركة بني نعيم الكبرى في 4 أكتوبر 1938 لكن مع نشوب الحرب العالمية الثانية ، توقفت الثورة في منطقة القدس وغادر عبد القادر الحسيني فلسطين إلى العراق .

المرحلة الأولى من الثورة الكبرى تمتد من أبريل حتى أكتوبر 1936 :

تفجرت الشرارة الأولى للثورة الكبرى يوم 15 أبريل 1936 بعد معركة المجموعة القسامية بقيادة الشيخ فرحان السعدي لتنشر الصدامات المسلحة في اغلب مدن فلسطين بعدها .

وفي 20 أبريل 1936 تشكلت في نابلس لجنة قومية غير حزبية أساسها مجموعة من الشبان المثقفين في مقدمتهم أكرم زعيتر . وقد دعت إلى إضراب عام في فلسطين إلى أن تستجيب الحكومة البريطانية لمطالبها وكانت الاستجابة من الشعب الفلسطيني عالية جداً وفي اغلب فلسطين .

وُحدت القيادة الفلسطينية بشأن هذا الإضراب إذ تشكلت لجان قومية في أنحاء فلسطين وتجاوبت الأحزاب العربية الفلسطينية معه ، ثم توحدت القيادة الفلسطينية في 25 أبريل بتشكيل اللجنة العربية العليا برئاسة الحاج أمين الحسيني .

واستمر الإضراب ستة أشهر (178 يوماً ) ، وزاد من حدة الإضراب سياسة العصيان المدني إذ بدأ امتناع الفلسطينيين عن دفع الضرائب اعتباراً من 15 مايو وانتشرت العمليات المسلحة وبلغ معدلها خمسين عملية يومياً وبلغ عدد الثوار الذين يحملون السلاح حوالي خمسة آلاف . وفي أوائل أغسطس 1936 بعد جهود سرية قام بها الحاج أمين الحسيني بالشعوب العربية ، قدمت إلى فلسطين تعزيزات من الثوار العرب من العراق وسوريا وشرق الأردن بلغت حوالي 250 رجلاً على رأسهم القائد العسكري فوزي القاوقجي الذي وصل في 22 أغسطس وتولى بنفسه القيادة العامة للثورة وتنظيم شئونها الإدارية .

ومع فشل بريطانيا في إخماد الثورة، حاولت استيعابها، وذلك بالإعلان في 18 مايو إرسال لجنة ملكية ( لجنة بيل ) للتحقيق في أسباب الإضطرابات . حيث وصلت اللجنة إلى فلسطين في 12 نوفمبر 1936 واستمرت في التحقيق ستة أشهر وأعلنت توصياتها في 7 يوليو 1937 . وأوصت بتقسيم فلسطين إلى دولتين دولة يهودية تتضمن جميع مناطق الجليل وشمال فلسطين كله بما فيها حيفا وعكا والسهل الساحلي الممتد حتى جنوبي تل أبيب بـ 25 كم . وكذلك ممر يصل القدس بيافا .

أما باقي فلسطين فيتم توحيده مع شرق الأردن ، ويبقى تحت الانتداب البريطاني ، وقد رفض الفلسطينيون هذا التقرير وبدءوا في الانتفاضة الثانية .

لم يكن الفلسطينيون ليوقفوا انتفاضتهم لولا دفع بريطانيا للزعماء العرب للتدخل لدى الفلسطينيين حيث وجه زعماء السعودية والعراق وشرق الأردن واليمن نداءً لأهل فلسطين بالإخلاد إلى السكينة وحقن الدماء وأنهم سيساعدوهم في نيل حقوقهم والتعاون مع الحكومة البريطانية في ذلك وبالتالي استجاب الفلسطينيون وانتظروا تقرير لجنة بيل .

وقد بلغت إجمالي عمليات المجاهدين في هذه المرحلة أربعة آلاف عملية والشهداء ما يزيد على 750 والجرحى ما يزيد على 1500 جريح أما قتلى الجنود البريطانيين واليهود فقد تم إخفاء الأرقام الحقيقية وخسرت الحكومة البريطانية بسبب الإضراب وتوقف التجارة والسياحة 3.5 مليون جنيه إسترليني .

المرحلة الثانية من الثورة سبتمبر 1937 – سبتمبر 1939 :

كان حادث اغتيال أندروز حاكم لواء الجليل على يد جماعة القسام يوم26 سبتمبر1937 شرارة المرحلة الثانية ، فقامت السلطات البريطانية بإجراءات قمعية واسعة النطاق ، وقامت في أول أكتوبر 1937 بحل اللجنة العربية العليا وإبعاد أفرادها إلى جزر سيشل وإقالة مفتي فلسطين الحاج أمين من رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى ، وحل اللجان القومية ، وحملة اعتقالات واسعة .

تمكن الحاج أمين الحسيني من الفرار إلى لبنان في 14 أكتوبر ، وأخذت العمليات الجهادية في التصاعد والاتساع وبلغت قيمتها في صيف 1938 وخضعت لهيمنتها مناطق شمال فلسطين ووسطها . واقتحموا العديد من المدن وشكلوا محاكم للفصل في القضايا ومعاقبة الجواسيس والعملاء .

وزاد عدد الثوار حتى بلغوا عشرة آلاف ( المتفرغ منهم تماماً للثورة حوالي ثلاثة آلاف).

وتم تشكيل لجنة الجهاد المركزية في سوريا ولبنان تحت إشراف الحاج أمين الحسيني وتولى إدارتها الفعلية في دمشق محمد عزة دروزة ودورها كان في دعم الثورة في فلسطين . غير أن قادة الثورة لم يتوحدوا جميعاً تحت قائد واحد . لكن جماعة القسام استطاعت أن تتوحد تحت قيادة أبي إبراهيم الكبير وتشرف على مناطق شمال فلسطين وقسماً من مناطق نابلس وقسماً من منطقة القدس الشمالية .

وبرز من قادة القسام في منطقة طولكرم الشرقية القائد عبد الرحيم الحاج وكانت حركة الجهاد المقدس تتركز بقيادة عبد القادر الحسيني في مناطق القدس والخليل واضطرت السلطات البريطانية إلى إرسال تعزيزات عسكرية ضخمة يقودها أفضل قادة بريطانيا : أمثال ديل ، ويفل ، هنينج ، مونتجمري .

وقامت بإعادة احتلال فلسطين قرية قرية مستخدمة كافة الأسلحة ، من طيران ودبابات . خصوصاً من شهر أكتوبر 38 ، وحتى شهر أبريل 1939 ( مجموع إجمالي قرى فلسطين كلها حوالي ألف قرية ) فاستشهد الكثير من قادة الثورة ، وبدأت تضعف منذ أبريل 1939 لكنها استمرت حتى آخر سنة 1939 ( قاموا في عام 1938 بحوالي 5 آلاف عملية ، وفي عام 39 بحوالي ألف عملية ) بلغت إصابات اليهود 1500 قتيل وجريح ، والبريطانيين 1800 قتيل وجريح حسب الإحصائيات الرسمية ، أما شهداء العرب فبلغوا ثلاثة آلاف والجرحى سبعة آلاف . 

وكان من أسباب توقف هذه الثورة :

1-        استخدام القوة المفرطة من الجيش البريطاني .

2-        حالة الانهاك والإعياء والانهيار الاقتصادي التي أصابت شعب فلسطين طوال 3 سنوات ونصف .

3-        تقاعس الدول العربية عن نجدتهم حيث كانوا تحت الاحتلال العسكري .

4-        استشهاد أعداد كبيرة من قادة الثورة .

5-        الخلافات الداخلية الفلسطينية الحزبية والعائلية . وقد برزت بوضوح في المراحل الأخيرة ، واستثمرتها بريطانيا بصورة سريعة وخبيثة .

ولمحاولة استيعاب وإخماد الثورة في مرحلتها الثانية قامت بريطانيا بإصدار ما يسمى الكتاب الأبيض في مايو 1939 ، وفيه تعد باستقلال فلسطين خلال عشر سنوات وإيقاف الهجرة اليهودية بعد خمس سنوات ووضع إجراءات كثيرة بشأن شراء اليهود للأرض .

وقد أصدر هذا الكتاب وزير المستعمرات البريطاني مالكوم مكدونالد .

وحيث كانت بريطانيا مقدمة على الحرب العالمية الثانية وتريد التفرغ لها وقد سبقه محادثات مؤتمر لندن بين الوفود العربية وبريطانيا واليهود في فبراير – مارس 1939 بشأن فلسطين وتوصيات لجنة بيل رفض معظم قادة فلسطين الكتاب الأبيض لشكهم في نوايا بريطانيا ولأنه ربط استقلال فلسطين بمدى موافقة اليهود وتعاونهم .

أما اليهود فأعلنوا رفضهم واصطدم بعضهم بالجنود البريطانيين وضغطوا مركزياً ، وأعلن بن جوريون في فلسطين " سنحارب مع بريطانيا في هذه الحرب – يقصد العالمية – كما لو لم يكن هناك كتاب أبيض ، وسنحارب الكتاب الأبيض كما لو لم تكن هناك حرب ".

وحول اليهود مركز ثقلهم في أواخر الحرب العالمية الثانية إلى أمريكا وحصلوا على دعم الحزبي الجمهوري والديمقراطي لإلغاء الكتاب الأبيض وأظهر الرئيس الأمريكي ترومان تعاطفاً كبيراً مع الصهيونية وضغط على بريطانيا لإلغائه، فقامت بالتخلي عن كل وعودها في الكتاب الأبيض بالبيان الذي أصدره وزير خارجيتها بيفن في 14 نوفمبر 1945، وتشكلت لجنة مشتركة أنجلو أمريكية (بتوصية من بيان بيفن ) لبحث مستقبل فلسطين وقد أوصت اللجنة بهجرة مائة ألف يهودي وبحرية انتقال الأراضي لليهود .

وعرضت بريطانيا في مؤتمر لندن 10 سبتمبر – 2 أكتوبر 1946 مشروعاً " مشروع مويسون " لتقسيم فلسطين لأربعة مناطق :

1-        منطقة يهودية .

2-        منطقة عربية .

3-        القدس .

4-        النقب .

وتمنح المنطقتان اليهودية والعربية استقلالاً ذاتياً ، ورفض العرب هذا المشروع تماماً .

بعد ذلك قررت بريطانيا رفع قضية فلسطين إلى الأمم المتحدة بحجة أنها قررت إنهاء انتدابها على فلسطين ، فدعت في2 أبريل 1947 الأمم المتحدة لعقد دورة استثنائية، وبعد مناقشات قررت الجمعية العامة في 15 مايو 1947 تأليف لجنة خاصة بالأمم المتحدة تألفت من 11 دولة هى : ( استراليا – كندا – تشكوسلوفاكيا – جواتيمالا – الهند – إيران - بيرو – السويد – أورجواي – يوجوسلافيا – هولندا).

وهي لجنة " أنسكوب " مهمتها دراسة الوضع ورفع مقترحاتها ، وعقدت 16 إجتماعاً بين 26 مايو ، 31 أغسطس 1947 .

وتضمن تقريرها : إنهاء الانتداب البريطاني – تقسيم فلسطين إلى دولتين يربط بينهما اتحاد اقتصادي ، دولة عربية على مساحة 42.8 % ، ودولة يهودية على مساحة 56.7 % ويكون للقدس كيان مستقل خاضع لنظام دولي تشرف عليه الأمم المتحدة عبر مجلس وصاية .

وأن يسبق استقلال فلسطين مرحلة انتقالية تكون السلطة أثناءها مسئولية الأمم المتحدة .

وكان للهند وإيران اقتراح لم يؤخذ به في اللجنة وهو إقامة دولة اتحادية عاصمتها القدس تضم حكومة عربية وحكومة يهودية مستقلين استقلالاً داخلياً .

وفي 3 سبتمبر 1947 شكلت الأمم المتحدة من نفسها لجنة خاصة لإقرار الوضع النهائي . وفي 25 نوفمبر 1947 وافقت اللجنة الخاصة على خطة التقسيم .

وفي يوم 29 نوفمبر 1947 فاز قرار التقسيم بأغلبية 33 مقابل 13 وامتناع 10 ( وكانت بريطانيا ضمن الممتنعين عن التصويت ) [ قرار 181 لسنة 1947 ] مع تعديل بسيط في مساحة الدولة اليهودية لتصبح 54.7% .

بعد حرب 1948 استولى اليهود على 77% من أرض فلسطين ولم تقم الأمم المتحدة بإلزام الكيان الصهيوني بالعودة للحدود المقترحة في قرار التقسيم وإنما سعت إلى تثبيت الحدود الجديدة وفق اتفاقيات الهدنة التي عقدت بين إسرائيل ومصر في 24 فبراير 1949، ثم لبنان في 23 مارس ثم الأردن في3 إبريل ثم سوريا في20 يوليو1949 .

-       وعند خروج الإنجليز من فلسطين تركوا سلاحهم لليهود حيث اشتروا حاجتهم من الأسلحة المتطورة 2400 طائرة ، وألف سيارة مصفحة وعتاد وذخائر كافية ، كما اشتروا من التشيك بدعم وتنسيق من الاتحاد السوفيتي 40 طائرة مقاتلة وكذلك ثلاث طائرات قاذفة من أمريكا بخلاف الدبابات والمدافع .

-       وكان ميزان القوى العسكرية طوال الحرب لصالح الكيان الصهيوني فإجمالي عدد القوات العربية التي دخلت فلسطين بدأت بـ 12 ألف ثم زادت إلى 21 ألف ثم وصلت في نهاية الحرب عند توقيع الهدنة إلى 40 ألفاً .

أما اليهود فبلغت عدد قواتهم في البداية 60 ألفاً ثم زادت إلى 106 آلاف عند نهاية معارك 48 .

وتفصيل القوات العربية كالآتي : الجيش المصري 6 آلاف، والسوري ألف وخمسمائة والعراقي ألف وخمسمائة ، والأردني أربعة آلاف وخمسمائة ، والسعودي ألف وخمسمائة واللبناني ألف ثم زاد الجيش المصري إلى 20 ألف ، وتضاعفت أعداد الجيوش السورية والعراقية والأردنية أما اليمنيون فكانت مشاركتهم رمزية .

وكذلك بلغ عدد المتطوعين تحت الجامعة العربية حوالي عشرة آلاف بالإضافة إلى الجيوش العربية النظامية ، فقد كان هناك :

1- جيش الجهاد المقدس : وهو الجيش الذي شكلته القيادة السياسية الفلسطينية " الهيئة العربية العليا لفلسطين " بقيادة عبد القادر الحسيني .

وتشكلت الهيئة العربية العليا في إبريل 1936 بقيادة الحاج أمين الحسيني ثم عبد القادر الحسيني .

وفي ديسمبر 1947 أعادت الهيئة تشكيل منظمة الجهاد المقدس باسم "جيش الجهاد المقدس " بقيادة عبد القادر الحسيني وكان يتكون من 5 – 7 آلاف مقاتل بالإضافة لعدد من المتطوعين مقيمين بقراهم يأتون عند الحاجة ومجموعهم حوالي عشرة آلاف .

وكان الجيش ضعيف التسليح ، ولم يجد الدعم الكافي من الدول العربية أو من الجامعة العربية ( الهيئة العربية العليا والتي كانت ضعيفة أيضاً ) وكان استشهاد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل في 9 أبريل 1948 أثر بالغ على جيش الجهاد ، وبعد الهدنة الأولى في يونيو 1948 ، اضطروا للانضمام للجيوش العربية : الجيش الأردني – الجيش العراقي – الجيش المصري - ، جيش الإنقاذ التابع للجامعة العربية ، وأصدرت الحكومة الأردنية قرارا بحلها في 18 ديسمبر 1948 ، ثم أتاها قرار الحل من الهيئة العربية العليا في 15 مايو 1949 .

2- جيش الإنقاذ : تشكل هذا الجيش بقرار من الجامعة العربية ( تحت إشراف الهيئة العربية العليا التي شكلتها الجامعة ) وأغلبه من المتطوعين ، وبلغ إجماليه عشرة آلاف دخل منهم فلسطين فعلياً حوالي خمسة آلاف تم إسناد قيادته إلى فوزي القاوقجي ، وقد تركز في شمال ووسط فلسطين وضم إليه أخلاطاً من الناس وممن عُرف عنهم الإجرام فقام بعضهم بنهب وسرقة العديد من القرى كما حدث في يافا مما أساء لهذا الجيش كما أن قائده فوزي القاوقجي كان منحرفاً يدمن الخمور ، ولم يكن على المستوى العسكري المناسب رغم الشهرة والدعاية التي أحاطت به فتسبب في سهولة استيلاء اليهود على شمال فلسطين واستشهاد الآلاف من المجاهدين هناك .

3- شاركت تنظيمات الإخوان المسلمين: في مصر وسوريا والأردن والعراق بفاعلية كبيرة في معارك فلسطين. وكان لهم أيضاً فوج شبه مستقل يعمل تحت اسم الجامعة العربية .

مجريات حرب 1948 :

في المرحلة الأولى من المعارك منذ صدور قرار التقسيم 29 نوفمبر 1947 ، وإلى وقت دخول الجيوش العربية في 15 مايو 1948 تحمل العبء خلالها جيش الجهاد المقدس ، ومتطوعي الإخوان المسلمين ، ومتطوعي جيش الإنقاذ .

ثم بعد معركة القسطل واستشهاد عبد القادر الحسيني (8 أبريل 1948 ) قامت العصابات الصهيونية بمجزرة دير ياسين مساء 9 أبريل 1948 ، واستشهد فيها 253 من الرجال والنساء والأطفال كما تتابع سقوط مدن فلسطينية مثل طبرية في 19 أبريل ، حيفا في 22 أبريل ، بيسان وصفد في 12 مايو يافا في 14 مايو ، عكا في 17 مايو 1948 .

دخلت الجيوش العربية وأعداد كبيرة من المتطوعين في 15 مايو 48 وأحرزت نجاحات في البداية مما جعل وضع اليهود سيئاً في جنوب ووسط فلسطين فتم فرض الهدنة الأولى بقرار مجلس الأمن ( 11 يونيو – 8 يوليو 1948 ) ليصل آلاف المتطوعين والأسلحة إلى اليهود ( 40 طائرة تشكيلية مثلاً ) بينما أغلق باب شراء السلاح على العرب .

واستؤنف القتال في 9 – 17 يوليو 1948 فاحتلوا فيها مدينة اللد ، الرملة . ثم بدأت الهدنة الثانية بقرار مجلس الأمن في 18 يوليو لكن اليهود لم يلتزموا بها واستطاعوا في 15 أكتوبر من شن هجوم مكنهم من محاصرة الجيش المصري في الفالوجة وتمكنوا من الاستيلاء على 77% من أرض فلسطين .

وقد ارتكب اليهود 34 مذبحة في أثناء هذه الحرب ، وأجبروا حوالي 800 ألف فلسطيني على الهجرة وترك ديارهم من أصل مليون و290 ألف فلسطيني ( أي نحو 60 % من شعب فلسطين ) .

خاتمة :

·  هذا موجز بسيط عن تلك الأحداث والتي مازلنا نعيش واقعها وتداعياتها ، والله غالب على أمره ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، كما نود أن نشير أننا تناولنا بالعرض المشروع الإسلامي بشأن قضية فلسطين في كتابنا الآخر .