المفتي وإعلان الإفلاس

نور الدين صلاح

أن يطلق وئام وهاب ورفيق نصر الله وناصر قنديل وأنيس نقاش وفرقة الشبيحة الإعلامية اللبنانية تهديداتهم فشيء مفهوم لا يستغرب، فالأول تحدث في قناة الدنيا عن مائة ألف صاروخ ستطال تركيا في كل منشآتها الحيوية وقواعدها العسكرية في أول يوم تتجاوز فيه تركيا شبراً من الأراضي السورية، وتوعد الثاني أثناء حديثه في عزاء المفتي (حسون) بأن عشرات آلاف الصواريخ جاهزة في جنوب لبنان للانطلاق إلى فلسطين المحتلة (إسرائيل) وتنتظر الإشارة من الرئيس القائد، والثالث يعلن من فندق (النبلاء) في دمشق عن إنشاء أكبر مؤسسة فضائية إعلامية في العالم العربي (توب نيوز) لها عشرة آلاف مراسل متطوع سينتشرون في أرجاء المعمورة، وبدأ يسرّب لنا الأخبار الخاصة جداً بحيث يوهمنا أن قناته وكالة استخبارات عالمية تتفوق على (سي آي إي) أو (ف بي آي) ليمارس التشبيح الإعلامي الممزوج بالكذب والشطحات التي تثير الضحك والاشمئزاز، أن يتحدث هؤلاء فهو أمر متوقع من هذه الجوقة المحترفة للصياح والنباح، وهكذا تابعنا هذه الحفنة من الإعلاميين في رمال السياسة اللبنانية المتحركة يعملون كهاتف العملة الذي يتحدث في يد كل من يدفع، ولقد جمع هذا النظام الآسن المتعفن حوله من قطيع الإعلاميين كل متردية ومنخنقة وموقوذة ونطيحة، ومن أولئك الذين يذبحون على أنصاب السياسة والنفاق والدجل، ويسوقون الأكاذيب من تجار الشعارات وخبثاء النفوس ومزوري الحقائق

وأن تنقل لنا الصحافة (على ذمتها) بعض تفاصيل لقاء الأسد بوزير خارجية تركيا (أوغلو) والوعيد الذي أطلق فيه الأسد تهديداته بإشعال الشرق الأوسط خلال ست ساعات، وبغض النظر عن صحة هذه الرواية فإن من روج لها الصحف الإيرانية من جوقة الشبيحة الإعلامية، وكذلك ما نقل عن (آصف شوكت) نائب وزير الدفاع من تهديدات للأردن في لقائه لملكها بكل استخفاف بقوله (لدينا صواريخ سكود لا ندري ما نفعل بها) كل هذا مفهوم لمن يرتجف قلبه خوفاً وهو يرى من سلفه مطارداً أو يستجدي بمظهره المريض على السرير في أقفاص الاتهام

وأن نسمع تهديدات (المعلم) بالإجراءات المشددة الصارمة التي ستوقع على رأس كل من سيعترف بالمجلس الوطني السوري فأمر مفهوم من الذي أراد للمخيلة السياسية أن تنسى أوربا من الخارطة وقد رأيناه مؤخراً تحط قدماه في (فيينا) ويستجدي الأوربيين في لقائه الأخير مع مجموعة (ألبا) الأمريكية الجنوبية

وأن يتوعد رامي مخلوف بأنه سيقاتل حتى النهاية وليهمس في أذن إسرائيل بتهديد غبي مبطن (بأن أمن إسرائيل من أمن سوريا) واضح وجلي ولا يحتاج لذكاء شديد

وأن يهدد قائد عسكري إيراني رفيع تركيا بأن تحسن التعامل مع النظام السوري وإلا ستتوحد سوريا والعراق وإيران في وجه تركيا مفهوم من دولة طائفية عنصرية تسوق لامبراطورية أكل الدهر عليها وشرب وتقف في وجه الثورات التي اقتاتت عليها في كل أدبياتها وتضليلاتها للعالم

لكن أن نستمع لهذه النغمة وتلك النبرة العالية في التحدي والتهديد والوعيد من (المفتي) الذي كان يجوب أوربا ليحدثهم عن التسامح الديني ووحدة الأديان ويفسح له منبر البرلمان الأوربي ليتحدث عن هذه المضامين ويستقبل البابا ويزوره، ويستقبل قافلة (مريم) رمز السلم ونصرة المظلومين ليفاجئهم بهذا التصريح وهو الذي يقف ضد الإرهاب ويصف المجموعات الإسلامية الأخرى بالإرهاب، ويفتي بحرمة التظاهرات السلمية ويتحدث بملء فيه عن العصابات المسلحة السلفية ويدأب في كل مناسبة لذم التكفيريين والذين يستبيحون الدماء، فما باله اليوم يتحدث عن عمليات استشهادية في أوربا وأمريكا وإسرائيل، ومن سيقتل بهذه العمليات الاستشهادية، وما الفرق بين خطابه وخطاب من يسميهم الجماعات الإرهابية أو الجهادية السلفية، وما منزع الاستدلال بقوله العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم، هل هذا يروق من فقيه بل من (مفتي) أن يتكلم بمثل هذا، فلو اغتصب العدو نساء المسلمين فهل يبرر هذا للمسلين أن يغتصبوا نساءهم، وإذا قتلوا أطفال المسلمين فهل يجوز استهداف أطفالهم، ولست الآن في معرض التأصيل الشرعي لمسألة العمليات الاستشهادية ضد عدو محتل اغتصب الأرض والبيت واستباح العرض كالصائل الذي يدفع وبين من أراد أن ينقل هذا إلى أرضهم ولا يفرق بين نسائهم ورجالهم، وأنا أسأل ههنا ما الفرق بين هذا الخطاب وخطاب من يحذرنا المفتي دائماً منهم، وإذا كان جاز للمفتي أن يفتي بمثل هذا عند تعرض سوريا لأول صاروخ فقد نزلت مئات بل آلاف الصواريخ على عواصم عربية وإسلامية أخرى فأين كانت فتوى المفتي آنذاك ؟ وأين صواريخكم عندما كانت إسرائيل تسرح وتمرح في أجوائكم وتعربد حيث شاءت ؟ ولماذا كان يسم من يتبنى هذا التوجه بالتطرف والإرهاب ويتباهى نظامه بأنه يعطي الدروس ويملك الخبرة في مكافحة الإرهاب والإرهابيين !!!!

ويا سماحة المفتي إذا كنتم تتحدثون عن التدخل الخارجي فلماذا تزج اللبنانيين في معركتكم ؟ أليس هذا تدخلاً خارجياً بشؤونهم ؟ أم حلال لكم حرام على غيركم ؟؟

وهل فكر سماحة المفتي بما سوف يترتب على تصريحه من عقبات ومشاكل ومتاعب للسوريين في تلكم البلاد وعلى حدودها وفي سفاراتها ومطاراتها، أما يكفي المواطن السوري ما يعانيه من سفاراتكم في الخارج التي غدت مراكز أمنية وتمارس الإرهاب على السوريين بشهادة المنظمات الدولية، وسماحة المفتي يؤكد هذا بقوله إن هؤلاء الاستشهاديين موجودون عندكم وفي بلادكم الآن ولسنا بحاجة إلى إرسالهم، أليس يثبت هذا الدور الذي تقوم به سفارات النظام في الخارج؟ نعم هذا هو دورها وهذه مهمتها، أوكار تجسس على المواطنين ومراكز للتشبيح وإرسال الإرهابيين لزرع الرعب والقتل

ما دخل المفتي بكل هذا ؟

نحن نعلم أن الرئيس هو الشبيح الأكبر لقد رأينا كذبه عندما حدثنا عن تفخيخ مآذن المساجد وأنها سقطت بفعل التفخيخ وكأن المسلمين والمصلين الذين بداخلها هم فخخوها لتسقط فوقهم أو على إخوانهم من المصلين، ولقد رأى العالم كله كيف استهدفت المآذن بقذائف صاروخية أو مدفعية، والرئيس ما زال يصر أنه لم تستعمل إلا الأسلحة الخفيفة حتى الآن، اقتحمت حماة في أول رمضان بالدبابات وقصفت بالراجمات ويطل علينا في آخر رمضان ليخبرنا أنه لم تستعمل إلى الآن إلا الأسلحة الخفيفة، ونعلم كذلك أن قارون النظام (مخلوف) هو أحد ممولي الشبيحة الكبار ونعلم عن جوقة الدجل السورية واللبنانية الذين يسوقون الأكاذيب ويصيحون في كل واد وينفخون في كل رماد، أما أن يصبح المفتي شبيحاً فهذا مما سأقف عليه باختصار شديد :

أولاً : يدل هذا على الإفلاس الكامل والتخبط الواضح والترنح الظاهر لهذا النظام، لقد رأيناه يتخبط في الإعلام ورأيناه يتخبط في الاقتصاد فيصدر القرارات ثم يلغيها بعد أيام كقرار منع الاستيراد مثلاً، أما أن يتخبط بتحويل المفتي إلى زعيم عصابة

بالأمس كان يحدثنا المفتي ويقسم الأيمان أن الرئيس لا مطمع له بالرئاسة وأنه يريد أن يوصل البلاد إلى بر الأمان ثم يقول السلام عليكم (أي يرحل) فهل تصريحات المفتي الأخيرة تبشرنا بأن الرئيس سيحمل البلد إلى شاطئ النجاة وبر الأمان !!!!

ثانياً : وبالأمس كان المفتي يتأسى بأبي عبدالله الحسين ويتذكر مصابه به ليسلو مصابه بولده، لكن نسي أن من قتل أبا عبدالله الحسين هو في خندق من قتل ولده، إن الذي قتل ويقتل الحسين في سوريا كل يوم هو النظام المتجبر الطاغي، لقد كان حرياً بالمفتي بدل هذه التصريحات أن يبحث جاداً عمن قتل ولده ولماذا قتل ؟ ولقد قال في التعزية مستعطفاً على عادته لماذا لم يطلقوا الرصاص على صدري ويدعوا ولدي ؟ وأنا أقول له أسأل النظام هذا السؤال، لكني سأجيبك ببساطة لأن النظام لا مصلحة له في قتلك فأنت أكبر شبيح بأكبر عمامة لأسوأ نظام، ولا مصلحة له بوجود ولدك  فلا مانع من قتله، ولو كان هناك عصابات كما يزعم النظام لقتلوك ولما قتلوا ولدك فلا مصلحة لهم به، لكن لا يوجد من يقتل إلا النظام فهم قتلوا ابنك وسيقتلون غيره بحجة أنه قاتل ابنك، وهذه رواية القتل المستمرة وشلال الدم المتدفق لن يتوقف ما دام هذا النظام القاتل الذي يستبيح كل شيء، ولا ندري لعل ولدك يبعث من جديد في التلفزيون السوري كما بعثت زينب الحصني، فكل شيء ممكن في عالم الدجل والخداع

مركز الدراسات الاستراتيجية لدعم الثورة السورية.