المقامات الموسيقية وقراءة القرآن

عامر حسين زردة

اجتهدت فرأيت من الضرورة بمكان أن نتحدث عن موضوع هام جدا ًألا وهو المقامات الموسيقية وقراءة القرآن الكريم وبادئ ذي بَدء أحب أن أنوه إلى أنني تشرفت في تعلم التجويد على الشيخ القارئ الشهير عبد العزيز عيون السود رحمه الله تعالى وهو شيخ قراء بلاد الشام من مدينة حمص.

لاشك أن من النعم الكبيرة على قارئ القرآن أن يمنحه الله صوتا حسنا فهو يرغـِّب الآخرين في الاستماع والتأمل والتفكر والتدبر فالهداية

ولاريب أن بذل الجهد في التدريب على التجويد والحفظ والتلاوة من أعظم العبادات فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (الماهر في القرآن مع الكرام البررة )

وكيف يصبح الشخص ماهرا ًبالقرآن إذا لم يقرأ ويجوِّد ويحفظ ويؤدي ويستمع ويسمع الآخرين ومن هنا دخل على هذا الموضوع أهل الفن ممن تعلم أصول الموسيقا والمقامات واستمعوا إلى المقرئين فأعجبوا بأدائهم الرائع من حيث مخارج الأحرف وجمال الصوت الذي يسلب الألباب ولاغرو فقد لقب الشيخ محمد رفعت رحمه الله بقيثارة السماء ولقب الشيخ مصطفى إسماعيل برائد المدرسة التعبيرية والشيخ عبدالباسط عبد الصمد رحمه الله بشيخ القراء والشيخ محمد صدِّيق المنشاوي بصاحب الصوت الملائكي ووو

ولقد انتبه لهذا الجمال في الأداء من هم أعلام في الموسيقا كالشيخ سيد درويش والشيخ زكريا أحمد والشيخ أبو العلا ومحمد القصبجي والمبدع رياض السنباطي وموسيقارالأجيال محمد عبد الوهاب وغيرهم

ولاعجب أن يدرس المطربون فن التجويد ليرتقوا بأدائهم وليعطوا كل حرف حقه ومستحقه من الصفات والمدود والوقف واللين والقساوة والشدة ليتجنبوا المط واللحن والوقف القبيح ومد الحروف التي لاتقبل المد وهذا لاعيب فيه وعلى العكس فإنهم يرتقون ليطربوا الآخرين ويدخلوا السرور إلى القلوب 

لكن مايؤسف له هو ارتباط الغناء بالمحرمات كالخمور والغانيات والقمار وغير ذلك من المحرمات إلا مارحم ربي وهذا هو الواقع وهذه هي الصفة العامة لما يسمى ب (الساحة الفنية) وإلا فدلني على حفل فني لايوجد فيه اختلاط أو مشروب أو سفور أورقص وإلى ماهنالك من موبقات ومنكرات ومحظورات لذلك ارتبط اسم الفن بالغناء والغناء بالمنكرات وإذا سألت عالما ًعن حكم الغناء فإنه يجيبك دون تفصيل (بحرمته) لارتباط الغناء بالمحرمات مع أن الأصل في الأشياء الحل مالم تحرم فمن قال أن الغناء على إطلاقه حرام لم يكن مصيبا

وقديما كان المتدينون من المنشدين يؤدون الابتهالات والأدعية على شكل مجموعة وهذه المجموعة فيها واحد أو أكثر ممن يجيد الأداء الإفرادي فتكتمل بذلك صورة الأداء مع أن علمهم بالموسيقا لايضاهي علم الموسيقيين بها ثم تقربوا من بعضهم ليزاوجوا هذه الفنون فالمنشدون يتوقون لتعلم أصول الموسيقا ومايتبعها والموسيقيون وجدوا الأصوات الرائعة الفتانة  وحسن الأداء وبدؤوا بتعليمهم الموسيقا والدرجات الموسيقية أي السلم الموسيقي والمقامات بعمومها وكيف يبدأ ُالمنشد بإنشاده على أي درجة ومن أي مقام وكيف يمكن له أن يتنقل بين المقامات ليظهر قدرته وبراعته وقد حدث هذا الاندماج بين الوشاحين والمنشدين وبين الموسيقيين وبدا ذلك جليا ًفي العهود العباسية والأموية والأندلسية وقد شجع بعض الأمراء والسلاطين هذه الظاهرة بل كانت في قصورهم وهنا لابد أن نظهر حقيقة وهي أن (الكلمة المؤثرة واللحن المناسب والاداء الجيد)  

بكل ماتحويه هذه الكلمات من معاني هي أركان المقطوعة الفنية سواء كانت ابتهالاً أو أغنية ًأو طقطوقة ًأو دورا ًأو قدا ً أو موالا 

إلى هذا الحد ولاغبارَ على مانقول غير أن بعض العلماء حرم الموسيقا ابتداء وبعضهم لم يحرمها إذا لم تقترن بمحرم كخلاعة ومجون وخمروكلمات مثيرة أوبذيئة أو فيها كفر وغيرها

 من هنا دخل علم المقامات على القرآن الكريم وأصبح المستمعون للقراء يراقبون تنقل القارئ من مقام إلى آخر ويطربون لألحانه وعُرَبهِ وفنونه وكأنه منشد أو مطرب مع أن الأصل في الاستماع للقرآن الكريم هو التفكر والتدبر والتمعن ومما يعجب له أن القارئ يقرأ ُعن النار وجحيمها والمستمعون يرددون (الله ، الله يزيدك ياشيخ) وهذه ظاهرة كان شيخي الشيخ عبد العزيز عيون السود رحمه الله لايستمع لأحد من المقرئين الذين يتبعهم جمهور يحب الطرب ولايعي ما يقول القارئ عن جنة أو نار إضافة إلى أن تركيز القارئ على النغمة والجمالية في الأداء يخرجه في أغلب الأحيان عن قواعد التجويد والأمثلة لاتعد ولاتحصى  عن المطوط والمدود واللحن الخفي واللحن الجلي

 ولقد بدأ نفر من المتدينين ينشرون  ثقافة المقامات القرآنية الغريبة عنا وهذه تسمية حديثة مبتدعة وهي بلا شك لم تعهد في أي عصر من عصور الإسلام

فقالوا ماالمانع من أن تقرأ سورة الفاتحة مثلا على مقام العجم أو السيكا مثلاً فهذا من التحسين والتجميل والتغني ولقد سمعت لأحد أساتذة الموسيقيين وهوالأستاذ أحمد مصطفى كامل وهو يعلم فتاة واسمها (سمية الديب) الأداء الموسيقي والطربي لسورة (الحاقة) وأقسم أنه كاد يقنعني بأن الحآآآآقة هي (حديقة) من جمال النغمة التي كان يتثنى بها ويميل ، وقد ارتكب من المخالفات الشرعية والأخطاء ماارتكب فهو يقف بقراءته على منتصف الكلمة فمثلا يقول الحآآآآآآ وهي تقول ( قة ماالحاآآآآآ ) وهو يقول ( قة وماآآآآآ) وهي تقول (أدراك ماالحاآآآآآآقة) وهكذا وهذه القراءة لاتجوز بحال أضف إلى ذلك إعادة مقطع واحد من سورة الرحمن على مقام (الكرد ) والانتقال إلى (الرصد) ثم التحويل إلى العجم والرجوع إلى المقام الرئيس وهو الكرد فضلا عن أنه قرأ بالإمالة أي إمالة الألف إلى واو ووقف وقفا ًقبيحا ً

في منتصف الكلمة الواحدة وكانت الغنة واضحة في أغلب الأحرف وخاصة المدود وهناك من الملاحظات مايجعلني أكتب عن كل حرف نطقه ومع ذلك فقد شعرت بأني أتابع حفلا ًفنيا ًفكلما انتهيا من مقطع صفق لهما الجمهور وكلما انتهت الفتاة من جوابها صفق لها الجمهور بحرارة وإعجاب شديدين وكانا بلغة الموسيقيين ديو تو أي يغنيان كمطربين اثنين حتى إنه لم يتمالك نفسه حين قرأت جزءا ًمن آية وأكملتها البنت بنغمتين فصاح الله (بديتِ بالصَّبا وأفلتِ عجم) لاشك ولمن يريد الاستيضاح أكثر ماعليه سوى مراجعة هذا التسجيل على الأنترنت باسم الأستاذ أحمد مصطفى كامل

لاشك ولاريب أن تتبع المقامات والنغمات والاستهلال والقفلة والعُرب أي (الاهتزازات في الصوت) والجواب والقراركل ذلك  يضعف التأمل في المعاني والمفردات ويزيل الخشوع ويزيد من حالة التركيز على الطرب والانسجام وهذا ليس مطلوبا ًولا مندوباً بل هو مذموم  وحري بنا أن نجل القرآن الكريم عن هذه الأشياء /النغم والمقامات الموسيقية والطرب والتصفيق وغيرها مما لايليق أبدا ًبقارئ القرآن الكريم

فلو كانت كل هذه التنقلات بين المقامات وما ذكرت آنفا ًلو كانت في إنشاد (ريم على القاع بين البان والعلم) لقلنا لابأس في ذلك فالقصد منها التطريب والتفنن أما في قراءة القرآن الكريم فلايجوز ذلك أبدا كيف لا وقد حرم العلماء التنقل بين القراءآت ولو في الصلاة  لكيلا يلتبس الأمرعلى الناس فهل سيبيحون التنقل بين المقامات التي ليس لها علاقة بأي علم من علوم القرآن الكريم  ؟

وإلا فدلوني على أي كتاب يختص بعلم التجويد أتى على ذكر المقامات الموسيقية من قريب أو بعيد ؟

لقد سمح العلماء وأجازوا التنقل بين القراءات في حال التعلم والحفظ والمدارسة والضرورة فقط

وأقول من كان يريد أن يكون مميزا ًفي تجويده فلابأس بأن يتعلم  المقامات على أصولها ويتجه إلى الإنشاد وينشد ويعيد (ريم على البان بين البان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم ) بكل المقامات الموسيقية  وبالطريقة التي يراها مناسبة عله يكون مبدعا عندما يتلو القرآن الكريم ثم لماذا لايستمع من يريد أن يكون مميزا ًللمشايخ البارعين كالشيخ محمد رفعت وعبدالباسط والمنشاوي ومصطفى إسماعيل

وغيرهم فهم قدوتنا في هذا المجال ولاشك في ذلك ولطالما اعترف كبار الموسيقيين ببراعتهم وقدرتهم الصوتية والفنية الفطرية وبغير تكلف ولاشطط وقد ذكر الأستاذ المبدع أحمد مصطفى أنه استمع للشيخ المعجزة مصطفى اسماعيل رحمه الله تعالى وهو يقرأ ُويتنقل بيت المقامات وعندما سأله عما فعل وكيف تنقل بين المقامات ومااسم المقام رد عليه الشيخ المبدع الله أعلم وهذا من فضل الله علي واستدرك قائلا باللهجة العامية (دي بتاعت ربنا ) أنا لاأعرف المقامات

إن الإفراط في التحسين واللجوء اللامشروع إلى تعلم المقامات وإنزالها على آيات القرآن الكريم والذي لم يثبت جوازه ولافعله لاعلى عهد النبي ولاعلى عهد أصحابه الكرام ولاعلى عهد من اتبعهم بإحسان  أدى إلى مخالفات شرعية ذكرتها في المقدمة وأدى إلى التكلف الذي نهينا عنه وإلى أن نضع الفتنة في صوت المرأة أو نجعل من صوتها فتنة والله عز وجل يقول لنساء النبي وهن أمهات المؤمنين (ولاتخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) صدق الله العظيم   

 عسى أن أكون قد وفقت في تبيان هذا الأمر ولعلي قدمت بديلاً مناسبا فلو فتح باب المقامات الموسيقية على قراءة القرآن الكريم لربما خرج علينا غدا شخص يريد أن يقرأ القرآن على آلة الشيلو والشيلو صوت موسيقي ثابت يحدد الدرجة الموسيقية التي تضبط غناء المطرب أو سيطلع علينا شخص يريد أن يقرأ القرآن على آلة العود لاسمح الله ولا قدر فعسانا أن نضع الأمور في نصابها ونرجع إلى الأحكام الشرعية فيما نريد فعله والله ولي التوفيق وهو من وراء القصد.