الطريق الثالث ومخرج الطوارئ

د. نور الدين صلاح

مركز الدراسات الإستراتيجية لدعم الثورة السورية

ما زال محمد حبش يتحفنا بإبداعاته الفكرية وبطروحاته الإبداعية، ولقد سمعنا عن إعلان تشكيل ما سمي (تيار الطريق الثالث) ولقد نقلت الصحافة والمواقع الإعلامية المختلفة أهداف هذا التيار وألخصها بما يلي :

1-  تشجيع مبدأ الحوار والمصالحة مركزاً على التغيير السلمي للانتقال إلى شرعية دستورية جديدة بدلاً من شعار (إسقاط النظام الاستفزازي) محذراً من أن فراغ السلطة يعني سقوط الدولة والسيادة والقانون

2-  التركيز على عدم التدخل الخارجي بالمطلق بكل أشكاله وألوانه، مرددين عبارة سننزع شوكنا بأيدينا

3-  تهميش معارضة الخارج والتركيز على معارضة الداخل وفتح المجال أمام معارضة الخارج ممن يرفض التدخل الخارجي

4-  إن استخدام السلاح في الحراك السياسي لون من ألوان الإجرام، ولخص حبش ذلك بقوله : نحن منحازون تماماً ضد العنف ولسنا طريقاً ثالثاً بين السلم والحرب

5-  ورأى حبش أن الحل الأمني لن يعالج المشكلة بل سيزيد العنف، وحمل النظام جزءاً في الانجراف إلى العنف لأن العنف يولد العنف

6-  ثم ظهرت أولى تجليات هذا التيار بانتقاد تشكيل (المجلس الوطني السوري) واصفاً إياه بأنه معادلة مقلوبة، مشدداً على أن القرار ينبغي أن يكون للمعارضة الداخلية، واصفاً برنامج هذا المجلس بأنه (غامض وإشكالي)

هذا باختصار الملامح الأساسية لخطاب ما سمي التيار الثالث وأتمنى أن أكون نقلته بأمانة ودقة، وهنا سأذكر الملاحظات التالية :

أولاً : لا نحجر على أحد ابتداءاً ولا نعترض على أحد أن يشكل أي تيار أو تجمع أو حزب أو تشكيل ما لعدة أسباب أهمها أننا لا نريد ونحن ننادي بالحرية أن نمارس القمع على أحد، ونحن لا نملك ذلك أصلاً في الواقع

ثانياً : لن نتدخل في النيات والتحليل وفق نظرية المؤامرة، لكن المناقشة العقلية بناء على الحجة ومصداقية الطرح هي التي ستوصلنا إلى النتائج التحليلية الأصدق والأقرب إلى الواقع، ولن نستدعي تاريخ (حبش) وماضيه لنحكم على طرحه بناء على ذلك، وإن كان ذلك يضع كثيراً من إشارات الاستفهام التي سنتجاوزها

ثالثاً : لقد سمعت تصريحات أشبه ما تكون بصيحات استغاثة من (حبش) لوقف نزيف الدم السوري، ولا أدري هذا الخطاب موجه لمن ؟ نعم التباكي على الدماء أمر مشروع للجميع وهذا ما يحصل من الجميع، لكن عدم وضع النقاط على الحروف في هذه المسألة مشاركة في إهدار هذه الدماء وخيانة لها ومساوة للجلاد بالضحية، وهذا من باطن الإثم الذي نهانا الله عنه بقوله (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) من الذي يقتل ؟ من الذي يقتحم المدن ؟ من الذي يعتقل ويكسر العظام ويسلخ الجلود ؟ وإذا دخل أحد على خط القتل اليوم ممن ينشقون عن الجيش فهؤلاء من مؤسسات النظام وخرجوا من رحمه، والسؤال الوطني الواقعي الآن من الذي دفعهم لهذا وحملهم عليه ؟

رابعاً : وإذا كنتم ترون الحوار مع النظام وسيلة للانتقال الآمن وأنتم تعولون على معارضة الداخل وشرفاء معارضة الخارج فماذا تنتظرون ؟ النظام عندكم، ومعارضة الداخل بين ظهرانيكم، ومعارضة الخارج (الشريفة) تعلن عن نفسها وتصيح من خلال الفضائيات وتزاود عليكم في هذا المجال فعليكم بالتواصل معهم، هل تنتظرون لتحرككم الإذن من معارضة الخارج التي تمثلت بالمجمل بمجلسها الوطني ؟؟؟

خامساً : وإذا كانت المعارضة في الداخل شريفة فلماذا تعتقل وتزج في السجون ؟ ولماذا يعتدى عليها ؟ ولماذا بدأت تصفيتها جسدياً خصوصاً هذه الأيام ؟

سادساً : ولماذا لا يزال النظام يحكم على طيف من المعارضة الخارجية بالإعدام بأمر القانون وسمعنا (وليد المعلم) يدعوهم للحوار تحت سقف الوطن وتحت سيف قانون الإعدام !!! ما موقف الطريق الثالث من هذا ؟ وهل هذا التصرف من النظام له تفسير غير زج المعارضة إلى التحرك في اتجاهات أخرى سيسمها النظام بأنها غير وطنية ؟ ومن الذي يملك صكوك الوطنية ويوزع شهادات حسن السلوك (الوطنية) وله الحق في ذلك ؟ ويقول عن هذا القرار أو ذاك إنه وطني أو غير وطني ؟ هل طلب حماية المواطنين من آلة القمع الوحشية طلب وطني أم غير وطني ؟ هل الأرض أغلى أم الإنسان الذي يعيش عليها ؟ هل النظام أغلى أم المواطن ؟ هل كل التاريخ والجغرافيا أغلى أم الإنسان والمواطن ؟ هل الشعارات والمزايدات التي لم تطعم من جوع ولم تؤمن من خوف أغلى من دم المواطن والإنسان ؟

سابعاً : وسؤالي المباشر للطريق الثالث ، من الذي برأيكم يعكس تطلعات شريحة عريضة من الجماهير التي تنزل إلى الشارع مع كل هذا القمع الذي لا نظير له وتطالب هذه الجماهير كل يوم بإسقاط النظام، وقد ذكر (حبش) أن جزءاً كبيراً من الشارع موال للرئيس ونحن لا ننكر هذا، ولكن ننكر التضليل الذي يجعل الأكثرية مع هذا الفسطاط، بحجة باردة مضحكة تشف عن خبث وانتهازية كما يفعل شبيحة النظام من الإعلاميين وهي الحسابات العددية، وأنت تعلم يا سيد (حبش) طبعاً أخاطبك بصفتك الناطق الرسمي (للطريق الثالث) أقول تعلم كم يساوي الواحد من المتظاهرين في مثل هذه الظروف وكم يمثل من الواقع والمجتمع

ثامناً : أنتم تخوفوننا كالنظام وأبواقه بشبح المستقبل، بفراغ السلطة وتحكمون الربط بين سقوط النظام وسقوط الدولة وترك سوريا للمغامرين والمقامرين ووكالات الاستخبارات العالمية، وأنا أسأل من أوصل البلد إلى هذه المرحلة ؟ ومن الذي جعل البلد تحت رحمة الفيتو الروسي ؟ ومن الذي يغامر بالبلد اليوم ويؤسس لبوادر صراع طائفي بممارساته ؟ ومن الذي يقامر بمصير الوطن بعدم الاعتراف بالآخر (بالمطلق) إلى الآن نظامك يا (حبش) لم يعترف بأنها ثورة شعبية وما زال يردد مفردات (المؤامرة) عصابات مسلحة، وبندريون وحريريون وسلفيون وعملاء للصهاينة وأخونجية، ولقد سمعتك على إحدى الفضائيات تقول إن ما يجري في سوريا (20 % ) منه مؤامرة و ( 80 % ) أخطاء داخلية سببها عدم تلبية مطالب مشروعة، فهل خطاب (الطريق الثالث) يتناسب مع هذه النسبة التي أعلنتها بتحليلك السياسي؟ والسؤال المهم إذا لم يستجب النظام لكل طروحاتكم (المعتدلة والإيجابية والغيورة) فما العمل ؟ وما هي الخطوة التالية ؟

ثامناً : أثبتت الأحداث والتجارب السابقة أن النظام يريد الحوار لأجل الحوار كما تفعل إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية، لكن ما يجري على الأرض من مكاسب يكون لصالحها ويكون هذا الحوار غطاءً شرعياً لها، وأنتم تعطون الغطاء الشرعي للذي ينشر الرعب والقتل بدباباته وشبيحته، ومعتقلاته في كل مكان، وأنتم تتباكون على الدم السوري، باختصار يا سيد (حبش) سمّها ما شئت (طريقاً ثالثاً) أو (حديقة خلفية) أو (مخرج طوارئ) هكذا ينظر الناس إليكم وأنا أرى لكم صورة معبرة أكثر وهي (ممسحة ورقية) تستهلك ثم ترمى، إن المشكلة اليوم ليست في مشاريع الإصلاح وحزم قوانينها، لكن أصل المشكلة فيمن ينفذونها أي (المصلحون) إن من سيكافح الفساد هم المفسدون، لم ير الناس إلى يومنا هذا أي خطوة عملية واضحة في هذا الاتجاه، سبعة أشهر لا نرى إلا القتل والاعتقال والتنكيل، لم نر محاسبة لأي أحد من أساطين الفساد، لم نر مرسوماً واحداً يجعل الجميع تحت سقف ويد القضاء العادل، ما زالت يد القتل مطلقة لا تطالها مساءلة ، ولا زالت أجهزة الأمن تفعل ما تشاء دون قيد أو شرط أو قانون أو رادع، وإذا كنتم ترون غير هذا فصرحوا بذلك على الملأ لتروا مصداقيتكم عند الجماهير

تاسعاً : وإذا كانت معادلة (المجلس الوطني السوري) مقلوبة كما تقولون بذريعة معارضة الداخل ومعارضة الخارج ومن يقود القاطرة، فما موقعكم من هذا القاطرة ؟ وسؤالي أيضاً أليس المئات الذين شاركوا في المجلس الوطني هم مواطنون سوريون ؟ أليس قسم كبير منهم من الداخل ؟ أليس بعضهم كان من معارضة الداخل وصار خارج البلاد لما تعرض له من قمع واضطهاد وسجن واقتنع أخيراً أن فرصته الوحيدة في المعارضة موقعها خارج البلاد ؟ أليس الباقون من المعارضة هم ضحايا تشريد النظام لهم في المنافي ولم يستطع بعقليته الإقصائية أن يستوعبهم ويدمجهم في الحياة السياسية خلال كل هذه السنين ؟

وأخيراً إذا كان يريد الطريق الثالث يسوق نفسه ويمهد ليكون وسيطاً بين الطريقين فليكن وسيطاً محايداً نزيهاً، ومن ملامح نزهاته أن يعرض الواقع كما هو دون تزييف، وأن يكف عن تصنيف الناس ومنح صكوك الوطنية لهذا الفريق أو ذاك، وأنا أجد للطريق الثالث وظيفة بل واقترح عليه ما يلي :

·  أن يقنع النظام الذي يطالب جميع المعارضة بمحاورته بإيجاد مناخات الحوار والبيئة المناسبة له أولاً وذلك بسحب الجيش من المدن والقرى والشوارع والحارات وبكف يد الأجهزة الأمنية التي تطال كل الرقاب وتكمم أفواه المحاورين وتضع المسدسات على رؤوسهم، وبإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين أسوة بالجنائيين الذين يطلقهم النظام في كل مناسبة ويشملهم قلبه الرحيم بالعفو والغفران

·  أن يتواصل مع كل أطياف المعارضة في الداخل والخارج ويكف عن الأحكام المسبقة وليسمع من الجميع، هذا من شروط الوسيط النزيه الشريف

·  أن يتواصل مع الجماهير الذين يهتفون في الشارع ليسمع ماذا يريدون وماذا يطلبون وأن يحدثهم لا بمنطق الوصي عليهم ولا ولي الأمر لهم فهم ليسوا قصّراً ولا معوقين، وينقل ذلك بأمانة ونزاهة إلى كل العالم

فإذا كانت هذه هي الغاية فيمكن للطريق الثالث أن يكون طريقاً جامعاً وإذا لم يكن كذلك فسيكون الطريق الثالث طريق خدمات للطريق الأول (النظام) ومخرج طوارئ له، وسيكون تحويلة حفريات ما تلبث أن تعيدنا إلى الطريق الأول، ولا ينفعه أن يسوق نفسه على أنه معارضة وطنية شريفة بل هو (مسجد ضرار) ما يلبث أن يفتضح أمره بعد حين.