الإرهاب الصهيوني تجاه الأرض الفلسطينية
قانون أملاك الغائبين نموذجاً
دراسة صادرة عن قسم الدراسات والأبحاث في تجمع العودة الفلسطيني (واجب)
إبراهيم العلي
مقدّمة:
تعرضت أرض فلسطين إلى الكثير من الغزوات والحروب التي كان آخرها الاحتلال الصهيوني الغاصب، الذي استطاع تسويق فكرته إلى العالم بكل وسائل الإقناع التي يتبعها المسوّق الجيد لفكرة آمن بها، فكرس جل جهده لتحقيقها متجاهلاً حقوق الآخرين، نابذاً وراء ظهره القيم والمبادئ، مقنعاً نفسه ومن يتبعه بأنه شعب الله المختار ولا يرقى الآخرون إلا أن يكونوا خدماً لهم، مستشهدين على ذلك بنصوص من التوراة المزيفة والتلمود الذي كتبته أيديهم، ثم امنوا بها واعتقدوا، فأصبحوا كمثل الذي كذب الكذبة وصدقها.
أضف إلى ذلك الأساطير والمقولات التي تزعم أن لهم حقاً في الأرض العربية، كمقولة ((أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)) وأسطورة أرض الميعاد والعودة إلى صهيون ميراث أجدادهم المحرم على أي يهودي في العالم التفريط فيه لما في ذلك من مخالفة تستوجب غضب الرب الذي وعد إبراهيم ونسله في هذه الأرض، عندما خاطبه: ((لنسلك أعطي هذه الأرض – لك أعطيتها ولنسلك إلى الأبد)).
فإنكار الصهاينة لحق الفلسطينيين والعرب في الأراضي التي يحتلونها نابع من معتقد فكري يقوم على أساس ديني، يأمرهم باستعادة إرثهم السليب وتحرير هذه الأرض من العرب (المحتلين) وإعادة الرب وإسرائيل في صهيون، ففكرة اصطفاء الرب لهم جعلتهم غير متقبلين لوجود أحد غير اليهود على هذه الأرض، الأمر الذي يفرض عليهم وجوب إفراغ الأرض وترحيل من عليها. فالتوراة أعطت اليهود- على حد ما يزعمون - خيارين متناقضين لاستعادة الأرض ((... فإذا أنتم أفنيتم الشعوب تسكنون الأرض، أما إذا لم تبيدوهم تستبقون منهم أشواكاً في أعينكم مناخس في جنوبكم)).
فالمتتبع لتاريخ الصهاينة يجد أن القوة والبطش وارتكاب المجازر كانت إحدى أهم الوسائل التي استطاعت العصابات الصهيونية السيطرة بها على الأرض لتنفيذ مشروعهم وإقامة كيانهم المزعوم على أرض فلسطين. وسرعان ما تحولت هذه العصابات إلى ما يسمى الجيش الإسرائيلي الذي أُنزل لديهم منزلة الإله، فقد وصفه تسفي كوك أحد حاخاماتهم بقوله: (إن الجيش الإسرائيلي هو القداسة بعينها)، بل ذهب بن غوريون إلى أبعد من ذلك حين وصفه بأنه خير مفسر للتوراة، لأن الجيش الإسرائيلي، برأيه، هو الذي سوف يرسم حدود الدولة القادمة وأن ما سيتم الاستيلاء عليه في المعارك سيبقى في أيديهم، والمكان الذي لن يصل إليه الجيش سيكون سببا في البكاء لأجيال. فالذهنية التوسعية للمشروع الصهيوني جعلته لا يضع حدوداً جغرافية لدولته الهادفة إلى استيعاب جميع يهود العالم في منطقة معينة وإقامة وطن قومي لهم وقد عبر عن ذلك أيضاً تيودور هرتزل في يومياته بقوله:(كلما زاد عدد المهاجرين اتسعت رقعة الأرض). لذا رأى قادة الكيان الصهيوني المتتالين على الحكم وجوب الاستيلاء على مساحات متزايدة من الأراضي تكفي لاستيعاب المهاجرين من جميع أنحاء العالم، فعملوا في سبيل تحقيق ذلك - إضافة إلى استخدام القوة العسكرية - على تطوير العديد من المؤسسات والجمعيات الاستيطانية القائمة منذ بداية مشروعهم، كشركة صندوق أراضي إسرائيل وإقامة المزيد منها بهدف إنقاذ الأرض من أيدي غير اليهود ونقلها إلى أيدي وملكية يهودية.
لم يقف المشروع الصهيوني عند هذا الحد ولم يعدم الوسائل الأخرى المساعدة والكفيلة بتحقيق مآربه، فعمل على قضم وضم الأراضي الفلسطينية بشكل ظهر للآخرين أكثر تحضراً فأضفى الطابع القانوني على إجراءات المصادرة والتوسع، عن طريق سن عدد من القوانين التي منحت هذه الأعمال الشرعية لدرجة أن جعلت هذه القوانين السكان العرب واللاجئين أصحاب الحق في الأرض والممتلكات ضحايا إرهاب أجازه القانون رسمياً، يسمح بتجريدهم من أملاكهم ووضعها للاستثمار اليهودي.
من هنا كان لا بد من تفنيد وبيان كذب وافتراءات العدو الصهيوني والوجه الحقيقي والصريح لهذه القوانين، من خلال استعراض سريع لها بشكل عام، والتوقف قليلا عند قانون أملاك الغائبين، نظراً لأهميته واعتماد الكيان الصهيوني على مواده في الاستيلاء على الكم الأكبر من الأرض، إلا أن ضرورة البحث تقتضي الرجوع قليلاً إلى الوراء لبيان السلوك الصهيوني المبكر للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وما اعتمد عليه من قوانين قائمة مكنته من تحقيق مآربه..........