الثعلب والدجاج
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
مرت أربعة عقود ونيف على رؤية ذلك الثعلب والذي كان يحمل بين فكيه دجاجة , وهي تستصرخ طالبة النجاة , والثعلب بعيد عني نوعاً ما ولا يمكنني مساعدة الدجاجة , واختفى عن ناظري ليعود بعد نصف ساعة ويحمل دجاجة أخرى , ويركض بنفس الاتجاه والذي اختفى فيه في المرة الأولى , فمن عادة الثعالب عندما تعثر على قفص دجاج , وبعيد عن الحراسة , فلا تكتفي بافتراس واحدة , وإنما تصطوا على واحدة وتذهب بها بعيداً لمخبئها , فتدفنها وتعود لتزيد الصيد مرة أخرى وثالثة حتى يكشف أمرها فإما أن تقتل , أو تهرب لتلتهم صيدها الثمين .
تذكرت قصة الثعلب تلك , بعدما شاهدت على اليوتوب اعتراف أحد المجرمين السوريين والمنتمي حديثاً للمخابرات السورية , وأدلى باعترافه هذا بعد أن تم إلقاء القبض عليه في أحد الأحياء في حمص , والذي قال أن المخابرات جندته وجندت الكثيرين غيره , في أن الطائفة السنية تريد قتل العلوية , وتطوع هو منذ شهر أو أكثر , وأعطوه بندقية كلاشينكوف ومسدس مهمته هو ومجموعته خطف الفتياة من المناطق الغنية في حمص , وأن يتم الخطف على مواصفات ومن أهمها وحصرياً عندما تكون الفتاة محجبة , لأن النساء السنة فقط هن من يضعن الحجاب على رؤسهن , ويتم جلب الفتاة المخطوفة لمبنى المخابرات , وهناك تتم عمليات الاغتصاب من قبل عناصر الأمن في المبنى , والتي تكون صغيرة وجميلة تقدم لمدير الفرع حتى يغتصبها .
يسألني صديقي وما علاقة الثعلب بهذه الجريمة والجرائم التي ارتكبت وما زالت ترتكب في سورية ؟
سأوضح لك الأمر , في سنة 1981 قامت المظليات الحزبية وسرايا الدفاع بالتجول في شوارع دمشق , وكلما شاهدوا امرأة ترتدي الحجاب نزعوه عن رأسها عنوة , فدبت الغيرة عند المسلمين وتصدوا بإمكانياتهم لهؤلاء المجرمين , مما كانت ستؤدي إلى ثورة شاملة , فاضطر حافظ الأسد يناشد فيها الشعب ويعتذر بالنيابة عن هذه التصرفات , مما جعل الأمر يعود لمجراه , وانسحبت سرايا الدفاع وعاهراته من الشوارع .
هل استوعبت قصدي ياصديقي العزيز خالد ؟
خالد : لا.. لم أفهم جيداً مالذي ترمي إليه
سأوضح لك أكثر , سادت النظرية والتي تقول أن الإنسان اجتماعي بفطرته , ولكن النظرية الحديثة تقول أن الإنسان شرير بفطرته , وأن القوانين هي التي تحد أو تقوم سلوكه لكي يكون بعيداً عن الشر , ويكون ذلك بالخوف من القوانين الصارمة في حال جنح الشخص فيها للإجرام .
خالد : أنا أميل للقول في أن الانسان يولد شريراً , وأنا أعتقد ذلك أيضاً , ويسترسل خالداً في الشرح
فلو طبقنا هذه النظرية على الذي جرى ويجري في سورية من جرائم فظيعة , وأخذنا فقط حالة الاغتصاب هذه , والذي تحدث فيه المجرم عن هذا الفعل الشنيع لوجدنا هذا مطابقاً تماماً .
لعلك بدأت ياخالد تستوعب مالذي أقصده من قصة الثعلب وارتباطه بالحدث الفظيع هذا , فأومأ خالد برأسه على أنه فهم قصدي , ولكن ملامح وجهه تدل على أنه لم يستطع استيعاب الموضوع بصورة كافية , وهناك الكثير من التساؤلات في داخله .
فقلت له انظر ياصديقي العزيز , عندما استلم حزب البعث السلطة , بانقلاب عسكري , ضارباً الدستور عرض الحائط , وحتى يتم له السيطرة ,فقد بنى سيطرته على القتل والاغتصاب والسجن والإبعاد , وبعد أن استلم حافظ الأسد الحكم وتخلص من المقربين منه بالدم , وضع دستوراً للبلاد ووضع قوانين , ومن جملة هذه القوانين قانون , لايمكن محاسبة رجل الأمن , وبالتالي أصبح عنصر الأمن بعيداً عن المساءلة , هذا القانون جعل من رجل الأمن مجرم وقاتل وسارق , يفعل مايشاء وعاد لفطرته في أنه شرير بطبعه, لأنه أصبح فوق القانون . وتصبح الحياة غابة يقودها كبيرهم الذي أعطاهم ممارسة الاجرام بشتى أنواعه , ويكون هو رب يعبد , والشعب بمجمله يتحول لمجتمع العبيد من البطش والخوف والفقر والجوع , ويتمادى الحاكم وأعوانه في إذلال الشعب , ويتحول الحاكم وأعوانه في أنهم لايشبعون أبداً من دم الشعب ومن ماله ومن اذلاله , وكلما خضع الشعب أكثر كلما زاد الذل أكثر , وبالتالي فإن حالة الاغتصاب عندهم , هذه تعتبر حالة عادية جداً لأنهم تعودوا على فعل مايشاؤن , ولا رادع لهم وخصوصاً عندما يعتقد أن الله غير موجود وأن الرب عنده هو الحاكم والذي أباح له كل شيء .
فلو وجد الثعلب أن للدجاج رب يحميه لما تجرأ حتى يسطو على الدجاج واحدة بعد أخرى .
ولوأن الحاكم السابق المجرم ووريثه في العهر والإجرام وجدا من يقف لهما بالمرصاد , ماكنت ترى مثل هذه الحالات , إن السكوت والخنوع لأربعة عقود ونيف على ذلك , وما زال الكثيرون من هذا الشعب خانعون , فحتماً ستجد أبشع الجرائم المرتكبة والتي سترتكب , فإجرام البشر ليس له حدود , مالم توجد قوة تردعه وقوانين تنظم حياته , ومن هنا نشأت الحاجة للثورات ضد الطغاة والمجرمين والقتلة , فشعبنا ياصديقي خالد , إما أن يبق دجاجاً يلتهم من قبل الثعالب , أو ان يكون إنساناً حراً شجاعاً يقف ليحمي عرضه وشرفه وكرامته وحقه في الحياة .
وعقب خالد قائلاً :
فالحياة ياصديقي إذا لم تنظم بقوانين تحمي المجتمع فيصبح المجتمع هنا غابة , والقوي يأكل الضعيف , وهنا يصبح الانسان أشرس أنواع الحيوانت وشرها .