الربيع العربي أصابته جائحة الأنظمة الفاسدة فعاد الشتاء العربي الطويل من جديد

الربيع العربي أصابته جائحة الأنظمة الفاسدة

فعاد الشتاء العربي الطويل من جديد

محمد شركي

[email protected]

انتظرت الشعوب العربية زوال شتاء طويل عاشت خلاله قساوة أنظمة فاسدة صنعها المحتل الغربي بعد جلائه عن الأقطار العربية بعدما مكن للكيان الصهيوني ، واستنبته في قلب الوطن العربي . وطيلة الشتاء العربي الطويل المقيت ظلت الشعوب العربية تترقب ربيعا تزهر فيه الديمقراطية . وفجأة استيقظت هذه الشعوب على إثر تفتح بعض الزهر الديمقراطي هنا وهناك، وسقت ثورات هذه الشعوب أزهار الديمقراطية بدماء شهدائها الذين واجهوا العنف والتنكيل . وما كادت أزهار الديمقراطية تستوي على سوقها غضة طرية حتى تسلطت عليها جائحة الأنظمة الفاسدة ، وانتقلت هذه الجائحة من بلاد عربية لم تعرف بوادر الربيع إلى بلاد هبت عليها نسائم هذا الربيع .

ومعلوم في عالم الفلاحة والزراعة حين تخصب الأرض في الربيع، وتزهر وتثمر ينتاب الفلاحون والزراع هاجس الخوف من الجوائح حتى أنهم يسمون السنة التي يفسد ربيعها بالسنة الجائحة . وحال البلاد العربية كحال الأرض التي أمرع ربيعها إلا أنه ما لبث أن تعرض لجائحة أفسدته . ومعلوم أن الربيع تهتز فيه الأرض وتربو وتزين وتأخذ زخرفها ، ولقد اهتزت بلدان الربيع العربي وربت وازينت وأخذ زخرفها حين أفرزت ألوانا سياسية جديدة لم تكن من قبل، بل كانت تحت الحجر والمنع . ومما جاء به الربيع العربي رهان الشعوب على ما يسمى في الغرب بأحزاب الإسلام السياسي ، ويقصد بها الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية ، وهو ما أثار حفيظة هذا الغرب علماني الذي له حساسية ضد الإسلام السياسي ، فحرك جائحة الأنظمة الفاسدة لتقضي على بوادر الربيع العربي ، وعلى رأسها الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية .

وكانت جائحة الربيع المصري هي الانقلاب العسكري على الشرعية والديمقراطية المطبوخ بين عواصم غربية وعواصم عربية ، وهي جائحة النظام المنهار الذي عاد بمصر إلى شتائها الطويل من جديد ، وتنكرالذين كانوا يدعون الوصاية على الديمقراطية لما أفرزته بسبب صلته بالإسلام . وانتقلت عدوى هذه الجائحة المصرية إلى ليبيا حيث جمعت فلول النظام المنهار في شكل عصابات ، وسلحت ، ودعمت عسكريا ، بل تورطت بلدان تصدير الجائحة في حرب مستعرة في هذا البلد الذي أحرقت أزهاره قبل أن تتفتح . وكانت جائحة تونس هي فلول النظام المنهار المدعوم بالعلمانية لتعطيل انتقال السلطة ديمقراطيا إلى حزب ذي مرجعية إسلامية ، و تنكر الذين يدعون الديمقراطية في تونس أيضا لما أفرزته لأن فيه رائحة الإسلام . وهكذا عاد شتاء تونس كما كان بعد أن تمت شرعنته عن طريق اللعبة الديمقراطية التي لم تقبل نتائجها حين كان الفائز إسلاميا ، وقبلت حين أصبح علمانيا . وأما جائحة ربيع اليمن فكانت عبارة عن تواطؤ بين فلول النظام المنهار وعصابات الشيعية المتربصة ، ولم تدع هذه الجائحة لأزهار الربيع اليمني أدنى فرصة للتفتق .

وأما ربيع سوريا فجائحته كانت عبارة عن تدخل الدولة الصفوية الإيرانية ، وجبهتها المتقدمة في لبنان من أجل إنقاذ انهيار النظام النصيري المستبد ، وكانت هذه الجائحة الأسوأ في الربيع العربي . وأما جائحة العراق ، فكانت عبارة عن تواطؤ المحتل الأطلسي مع النظام الطائفي حيث بث هذا المحتل عصابات إجرامية ، وهي صناعة مخابراتية ترتكب الفظائع باسم الإسلام لتشويهه ، في حين جند النظام الطائفي المدعوم بما يسمى الحرس الثوري الصفوي الإيراني ميلشيات طائفية متعصبة حاقدة كانت تتربص بالمسلمين السنة من أجل استئصالهم ، وتغيير خريطة الجغرافية البشرية في العراق مخافة أن يزهر ربيعه ، ويظهر فيه الإسلام السياسي الذي يقض مضاجع الغرب والأنظمة العربية الفاسدة والمصدرة للجائحة لإفساد الربيع. ومما سببته هذه الجائحة المفسدة للربيع العربي انحسار الشعور بالانتماء الوطني مقابل انتشار التعصب للطائفية ، واندثار مفهوم الدولة مقابل استبداد العصابات الإجرامية . ومن الغرائب أن تتورط الدولة الصفوية في إيران وفي العراق وفي سوريا ، وفي اليمن ، ولا تخفي أطماعها في دول الخليج العربي وهي دول جعلت همها الأكبر هو تصدير الجائحة التي أفسدت ربيع دول الربيع ، كما أنها تؤثر التعامل مع نظام طائفي منحرف العقيدة إرضاء أو خضوعا للغرب المتوجس من الإسلام السايسي دون أن تقدر المخاطر المحدقة بها. والله وحده يعلم ماذا سيكون بعد ربيع أفسدته الجوائح.