أم عامر.. فخرُ الصناعة الخليلية
إيمان الدويك
في زيارة نورانية ساقها المولى إليّ - على قَدَرٍ يسميه البعض صدفة- وبأشد الأوقات التي يحتاجها قلبي لمثل هذا المدد المبارك ..
وجدتُ نفسي أمام أم عامر ..
لحظة.. من أم عامر؟!
ربما نسيها البعض.. أو تناساها.. لا فرق ..
أو ربما لم تكن ضمن قائمة أولويات البعض ، والتي تتلخص في تلبية دعوة غداء على طبق "قدرة" كما المتوقع ، أو حضور حفل زفاف مساء الجمعة ، فلم يعرف عنها أصلاً
وربما أنساه إياها شيطانُ نفسه ..
ألهذا الحد ملهمة هي أم عامر حتى يسعى الشيطان بحيله وألاعيبه أن ينسينا إياها كما يفعل عند كل صلاة مفروضة؟!
لا بأس في أن نَذْكُرها معاً ..
أيقظ شعور النشوة والفخر ، حين سمعت عن عملية خطف لمستوطنين ثلاثة ، الصيف الماضي .
وشعور العجز ، حين سمعت عن محاصرة منفذي العملية واستشهادهم ، والغبطة لمآلهم حيث رحمات الله تحتضنهم ..
والذهول الذي أصابني وأصابك ، يوم رأينا أمّاًّ تسير بجثة ولدها لِتودِعها الأرض ، حيث مثواها ومستقرها.. تترك مجالس العزاء والندب ، وتؤمُّ الجنازة إلى جنان مهرُها الرضى والاستبشار..
تلك هي أمّ الشهيد ، عامر أبوعيشة
كنتُ أمامها ، لإنجاز تقريرٍ طُلِب مني في العمل ، وللصدق، نسيتُ المهمة التي جئتُ من أجلها ، ووجدتني أحيا بصدقِ كلماتها حبّاً وجلالاً وعظمة ..
لم تكن أم عامر أبوعيشة بحاجة لأن تتكلف في استحضار الجُمل المستهلكة عن الصبر أو الرضى . يكفيها نور وجهها ، ليجسّد معنى " الصبرُ ضياء" ، وكان يكفيني أن ألتفت حولي لأسمع أنين الجدران وباحات المنزل الأعزل ، بيتٌ مباركٌ كهذا ، واجه انتقام اليهود وحده ، وخرّج الشهداء ، وتعرض للهدم قبل أعوام لكنّه قام من جديد واشتدت عماده ليخرّج جيلاً جديداً ، استثنائياً من الشهداء ، وكان عامر..
همّه الأول إخوانه الأسرى ، وحُلمُه الذي عاش من أجله وقضى لأجله .. ولسان أمه من بعده ومن قبل ، يلهج بأمنية ولدها بألا يبقى في الأسر أحد..
زرعت أمّنا ، أم عامر ، فحصدت - والله حسيبها- شفاعةً وشرفاً في الدنيا والآخرة.. وزرع عامر ، فأينع زرعه ، بشاؤول وزمرته ، ليحقق ما عاش عليه وقضى لأجله..
أمٌّ كهذه ما عادت أمّاً لشهيد فحسب ، بل أمّاً لأمة ، ولكل بارٍّ للأرض والقضية ، فمن تمام البر أن نذكرها ولو بدعوة .. زيارة.. وأضعف الإيمان إقرار حبها في القلب ..
ووالله ، لقد ثبت لك في القلب محبةٌ يا أمي ، ويبقى الودُّ وداً ، ولا يكذبُ القلب إن أحب ..