المعلّم وسياسة نسيان الخرائط
د. نور الدين صلاح
وليد محي الدين المعلم دمشقي أصيل من أهل المزة من أسرة عربية معروفة بالتدين والأخلاق، تدرج في وظيفته بوزارة الخارجية إلى أن أصبح وزيراً للخارجية السورية جاء في ترجمته في موسوعة (ويكيبيديا) ما نصه حرفياً ( عيّن وزبراً للخارجية بتاريخ 11 شباط 2006وقد خطت الدبلوماسية السورية خطوات واسعة أثناء وزارته وحققت سورية اختراقاً لمحاولة عزلها, وتمت على يدي المعلم إقامة أوثق العلاقات مع تركية والمملكة العربية السعودية , وتم الاختراق السياسي الكبير في فرنسا ودول غرب أوربا , مع علاقة قوية مع روسيا الاتحادية ) وهناك مآثر أخرى له في نفس الموسوعة لمن أراد الاستزادة، وأنا أقول كان المعلم موضع إعجاب الكثيرين لهدوئه وتركيزه وقلة كلامه وحسن اختياره لتعبيراته وألفاظه مما أكسبه احتراماً في الوسطين الدبلوماسيين العربي والدولي، ولقد أكسبته قضايا عادلة كقضية غزة مزيداً من الشعبية في الوسط الجماهيري
لكنه خرج عن سيرته المعهودة وعن وقاره وحصافته ليطالبنا بنسيان أوربا مؤقتاً ولحذفها من الخريطة السياسية حالياً، ولماذا يا سعادة الوزير ؟؟ بالطبع لأنه سيقول إنهم يتآمرون علينا، ولأنهم يقودون قاطرة التأليب على النظام السوري، وبدؤوا يفرضون العقوبات من قبيل منع السفر والتحفظ على الأموال ثم مؤخراً العقوبات الاقتصادية التي وصلت إلى قطاع النفط والطاقة، وأنا أقول يا سعادة الوزير حين بدأت أنت بهذه التصريحات كان الأوربيون أعطوا نظامك فرصة مائة يوم ليقضي على الثورة وأطلقوا يديه على دماء السوريين ولم نسمع إلا تصريحات خجولة وحالات استنكار هزيلة ونصائح بالإصلاح واتخاذ خطوات حقيقية وواقعية في طريقه، والآن بدأت العقوبات الفعلية والتصريحات القوية من أعلى المستويات في أوربا والعالم وبدأت المطالبات الصريحة بالتنحي والحديث الواضح عن فقد المشروعية وعدم الثقة بل فوات الأوان أمام النظام، وأنا أقول لسعادة الوزير ألم يفوت النظام فرصاً كثيرة يلبي بها طموحات الشعب في الداخل ويقلل عليه ضغط الخارج، وأقول يا سعادة الوزير أردت منا أن نمسح من ذاكرة الجغرافيا أوربا من الخريطة وكم بذلت أنت من جهود لتعيد نظامك إلى الخريطة السياسية في أطلس الأوربيين، وماذا ستقول لنا اليوم وقد وصل الأوربيون إلى أبعد مدى في تصريحاتهم ضد نظامك، هل ننسى أوربا أيضاً من التاريخ ومن الاقتصاد والتجارة والبنوك ومن الواقع كما أردت أن ننساهم من الجغرافيا السياسية
واليوم هل تريد منا أن ننسى الوطن العربي بكل مؤسساته وعلى رأسها الجامعة العربية والبرلمان العربي الشعبي !!! وهل تريد منا أن نمحو الشعوب العربية في أرجاء الوطن العربي من الخارطة والذاكرة، وأن نمحو دول الخليج العربي حكومات وشعوبا وعلى رأسها السعودية بثقلها العربي والإسلامي والدولي !!!!
وهل تنصحنا بأن نمحو العالم الإسلامي من مشرق الأرض إلى مغربها على اختلاف المستويات حكومات ومنظمات وهيئات وشعوب، وعلى رأس هذه الدول تركيا الجارة الذي يربطنا بها التاريخ والجغرافيا والحضارة والثقافة والأصول البشرية !!!!
وهل تشير علينا بأن نتجاهل المعلم الأكبر (أمريكا) بكل أفلاكها السياسية والعسكرية وأذرعها الممتدة مشرقا ومغربا !!!!
وهل ترى أن نمسح المنظمات الدولية من الخارطة السياسية العالمية، فمجلس الأمن ومنظمات حقوق الإنسان المنتشرة في أصقاع الأرض ومحاكم جرائم الحرب ومحاكم جرائم الإنسانية والإبادة البشرية والمنظمات الإقليمية والدولية !!!
وهذا يذكرنا بعبارة (الطز) التي كان يتغنى بها العقيد العتيد القذافي وأبناؤه الأشاوس، وقد وصلت إليه (الطز) وصلت إلى كتائبه ومخازن أسلحته وسرير نومه ودفاتر مذكراته وألبومات صوره بل أخص خصوصياته، لقد قال هذه العبارة (معلم سوريا) بطريقة مهذبة وهذا عنوان الفشل الذريع
واليوم قام الشعب السوري ضد نظامه وأخذ ينادي برحيله وسقوطه ومحاكمته بل وبإعدام قائده، فهل سيدعونا (المعلم) إلى نسيان سوريا من الخريطة أو مسح الشعب السوري حضارة وتاريخاً وثقافة من الجغرافيا السياسية !!!
إذن ماذا سيتبقى في الخريطة التي سيرسمها لنا (المعلم) ؟؟؟
سيبقى فيها خريطة باهتة لسوريا ملونة باللون الأحمر تشير إلى مراكز القمع والاجتياح لهذا النظام القاتل، وسيبقى فيها بقع سوداء تمثل إيران بحقدها الأسود على الشعب السوري ونقط سوداء في لبنان الذين يحملون نفس المشاعر، وسنرى في خريطة المعلم دولاً رمادية تلون الصحراء السياسية ذات الرمال المتحركة التي تغيرها المصالح ولا تعبأ بالدماء ولا الشعوب ومن أبرزها دولة روسيا الاتحادية التي سيسقطها (المعلم) عما قريب من الخريطة على ما أظن
هذه خريطة المعلم التي يسعى إليها وزير خارجية عتيد يعد انتصاراً أن يقيم علاقات دبلوماسية مع دولة تعيش على هامش الأحداث ولا تأثير لها في الخارطة السياسية، ويعد أي تواصل مع أي شعب تحت أي إجراء ولو كان إلغاء تأشيرة دخول نصراً وإنجازاً دبلوماسياً كبيرا وهذا منطق السياسة الحصيف وأبرز مهام السياسة الخارجية بمؤسساتها التي على رأسها وزارات الخارجية، واليوم نرى النظام السوري بخارجيته المبدعة يعيش عزلة لم يعشها نظام في سوريا منذ عهد الاستقلال إلى يومنا هذا
يا سعادة الوزير كل ما بنيته في سنين هدمه النظام بأيام وما زال رأيي فيك كما هو، بأنك محام بارع لقضية ظالمة خاسرة، النظام وضعك في هذا الموضع البائس، والله لقد كنت مشفقاً عليك في مؤتمرك الصحفي السيء الذكر والصيت وكنت أقول في نفسي ماذا سيقول؟؟ وكيف سيبرر قتل شعبه وكتم أنفاسه ؟؟ وكنت أرى كيف تقضي على مستقبلك السياسي بل والإنساني وأنت ابن سوريا وابن دمشق الأصيل
يا سعادة الوزير إن الشعوب لا تقاوم، ومن يقف في مواجهتها يقف في المكان (الخطأ) ويختار الرهان الخاسر، وشعبنا بلغ من الرشد السياسي بحيث لا يستطيع أحد أن يشعبذ عليه سياسياً، ولا أن يمارس عليه طقوسا وتمتمات غير مفهومة، الآن يا سيادة الوزير جاءت ساعة الحقيقة والآن ترسم المواقف وتقرر المصائر، فاختر موقف الشرف لك ولشعبك العظيم، اقفز من السفينة الغارقة واركب سفينة نوح التي تكفل الله بنجاتها وعلى متنها الصالحون والثائرون على الظالمين، ولن تجد جبلاً يعصمك من الماء وستجد أمامك (جودي) الثورة ترسو عليه سفينة الحق والعدالة والتي عنوانها محكمة الشعب العادلة ومن ورائها محكمة التاريخ الصادقة
مركز الدراسات الإستراتيجية لدعم الثورة السورية