شيء عن "العصفور" جابر

أحمد حمودة

شيء عن "العصفور" جابر

أحمد حمودة / المغرب

[email protected]

 يقولون لا حرج في الأسماء والألقاب، فالناس توزن بأفعالها ومواقفها، ورب اسم وضيع نودي به عظيم، ولو شئنا لذكرنا مثلا: ابن حنبل الإمام الممتحن، والخراز أبو سعيد، والإسكافي السمرقندي المتكلم وكان أعجوبة في الذكاء وسعة المعرفة مع الدين والتصون والنزاهة، وأبو الهذيل العلاف، وابن المقفع، وابن البناء العددي، والزيات وهم كثير، والخيام، وابن الجزّار القيرواني الطبيب المغربي المشهور، وابن أصيبعة، والحافي بشر الصوفي، وغيرهم ممن جمعوا إلى تواضع أسمائهم علو مقاماتهم في العلم والخلق وقول الحق.

 لكن المصيبة العظيمة أن يجمع الرجل إلى وضاعة الاسم قبح العمل وخبث السلوك: عمالة للغرب وتزلفا للراحلين من الحكام المخلوعين، فذاك لعمري أدنى مراتب الوضاعة والنفاق وذاك حال داعية الحداثة الغربية في الديار المصرية والعربية، "عصفور"

وعلى كل حال فالعرب يضربون لخفة العقل والنزق مثلا بالعصفور فيقولون: أنزى من عصفورٍ، وأخف حلما من عصفورٍ، وحسان رضي الله عنه يعجب من اجتماع الضدين في قوله :

لاَ بَأْسَ بالقَوْمِ من طُوٍل ومن عِظَمٍ ... جِسْمُ البغالِ وَأحْلاَمُ الْعَصَافِيرِ

 ولنعد إلى عصفورنا الذي لا يأتيه الرشد إلا متأخرا، فلا يفيده شيئا، بل يزيده خسة ودناءة.. فنجده يقبل جائزة القذافي في الآداب، مبديا فرحته بنيل الجائزة، التي تنازل عنها بعد ذلك ولكن كان قد فات الأوان. وأتى قبول عصفور لجائزة المستبد والدكتاتور هذه في وقت رفض فيه الكاتب الإسباني "خوان جويتسولو" لأسباب سياسية وأخلاقية الجائزة وقيمتها (150 ألف دولار) كما أوضح بنفسه، قائلا إنه فى موقفه هذا ينسجم مع عدم تردده فى انتقاده الأنظمة السلطوية، ويتماهى مع مناهضته الأنظمة الاستبدادية (جريدة الشروق المصرية-الجمعة02 سبتمبر2011)

 ثم نجده يهرول وقد سال لعابه على عظمة منتنة، فيقبل وزارة مبارك المتهاوي في الوقت الذي ولغ فيه من دم شعبه الثائر عليه الشعب المنكوب بنظامه فسجل بذلك استعداده لمساندة الدكتاتورية وقمع الحريات والعمل بوقا لنظام فاسد عميل للأمريكان.

 أي ثقافة يخدمها هذا العصفور؟ وأي حداثة يتكلم عنها هذا اللسن الكاذب، لكن من تعود البصبصة لأثرياء الشرق وحشر نفسه في زمرة المترفين وأبناء الذوات كما يقول المصريون تهون عليه كرامته فيقدمها على مذبح النفاق والتزلف، ولأن عروش أسياده تتهاوى أمام عينيه في الربيع العربي المبارك، وهو كالغريق تخدعه القشة انكشفت عوراته، وانفضحت حداثته، وتمحضت عصفوريته، وما نملك إلا أن نصرخ في وجهه بقول الشاعر العربي:

كم أكلة عرضت للهلك صاحبها ... كحبة الفخ دقت عنق عصفور.