انحناءة
لافا خالد
انحناءة... انحناءة، حد ملامسة الشفاه لكعب أحذيتهم كي يعبروا صوب زرقة السماوات وعمق الوطن.
انحناءة... انحناءة حد التيمم بتراب عالق بإقدامهم، لأنهم سقطوا كي ينهض الوطن.
هنا سوريا، رددوا معي "هنا سوريا" لان الحقيقة السورية تقول: "أينما نكن فنحن فيها" لان البطولة فيها مختلفة، والطفولة أشبه بالمعجزة، أو رأيتم ذاك الشهيد الذي ابتسم، وتلك الطفلة التي رفضت أن تغمض بقايا عينيها رغم بارود القناصة الفاشي الذي فجر عينها الأخرى....
ذاك الشهيد، بقي مبتسما لأنه رأى النصر في المسافة، ما بين جسده الدرعاوي ورصاصات الأشباح بهيئة أشباه الرجال.... تلك الطفلة، لم تغمض المتبقي من عينيها لتقول للجميع: "أنا الشاهدة والشهيدة... شاهدة على القتلة وأشهد ما يفعله الأهل وهم في منتصف الثورة".
أن تنطلق الثورة وبشكل سلمي وفي ظل نظام هو الأكثر تركيزا وتموضعا للقمع. أن تنطلق الثورة رغم حصار الصمت العربي والإقليمي والعالمي هي "ثورة ضمن المشهد الثوري الذي نعيشه" تلك الخصوصيات هي الحالة السورية التي أدهشت العالم الذي اعترف بشجاعة شعبنا قبل أن يقول للدكتاتور ارحل.
عن الثورة، القوى المؤثرة فيها، برامج وأهداف تلك القوى، الموقف الإقليمي والدولي، جدل العام والخاص، طبيعة النظام السياسي المقبل وآليات عمله، كلها أمور تبقى شاغلة ثورتنا كما بقية ثورات الشعوب والطبقات.
هي ثورة ديمقراطية، ثورة تُدخلنا في صيرورة التاريخ بعد أن همشنا النظام واختصرنا في فكر حزبه الفاشي الزائل بعون الله وإرادة الشعب، هي ثورة إنسانية لأنها تجعل من الإنسان قيمة عليا ومعياراً لكل القيم.
بالتأكيد هناك قوى تريد أن تصادر الثورة أو تنقلها حيث فضاءاتها الفكرية ومصالحها الطبقية، التجربة المصرية وقبلها التونسية أكدت وبما لا يقبل الشك أن ثورات الشباب تبقى تحمل في أجندتها مقدمات لثورات أخرى، لان هذه الثورة هي ثورة الشباب وإن تخندق معهم الأحزاب وكل هذا المجهود والدماء الطاهرة التي سالت ستودي بالطاغية وأشباحه من أشباه الرجال إلى النهايات الحتمية عاجلا وليس آجل.
القوى التي اطلقت الثورة وما زالت تتحكم في مسارها وتبقى حتى إسقاط النظام هم الشباب مع عدم تجاوز دور الأحزاب.
الثورة هي الهوية الوطنية لكل السوريين بمن فيهم من جرد من هويته الوطنية بقرارات الإحصاء، العام والمشترك هو حدث سوري وانتفاضة سورية، ومتغيرات مقبلة ستحل مشكلة المواطنة من خلال دولة القانون وحقوق الإنسان، خاص الثورة تتمثل ابرز عناوينها في حقوق القوميات غير العربية ومنهم شعبنا الكردي، إن دمقرطة خطاب العام والخاص سيجعل من العلاقة بينهما تناغما، علاقة تكاملية وإغنائية إحداهما للآخر وخلافها فان أي محاولة لإعادة إنتاج الفكر والممارسة القمعية مع خصوصيات الهوية في سوريا يعني إعادة لإنتاج النظام القديم بمسميات مختلفة. لذا فان المطلوب منا هو العمل على دمقرطة الخطاب السوري كي يعترف بخصوصيات الهوية لكافة مكونات الشعب السوري والعمل في ذات الوقت على محاربة النزعات الاثنية الضيقة الأفق من قبل أي طرف كان.
الموقف الإقليمي والدولي ومع تصاعد حركة الاحتجاج وعدد الشهداء وجرائم النظام بدأ يتغير لصالح شعبنا، وصار الموقف أكثر جرأة وشجاعة مع عدم إهمال عداء وانتهازية بعض القوى الإقليمية.
عن شكل النظام والدستور وحقوق كل السوريين في البلاد، هناك توجهان: الأول يطالب بعدم فتح أي ملف خلافي والتركيز على الثورة، يقابله موقف يطالب بتحديد تفاصيل ومفردات المستقبل، حقيقة أن الثورة هي عملية تغيير ذاتية قبل أن تكون تغييرا للآخر وللنظام... على قوى الثورة أن تختلف عن خطاب السلطة من مختلف القضايا، عليها أن تعلن بوضوح موقفها من الخطوط العامة للغد السوري، لا يمكن تصور الغد الديمقراطي لسوريا دون أن يتحقق للجميع حقوقهم القومية المشروعة ضمن سوريا ديمقراطية واحدة.
ما الذي يمكننا عمله في المهجر من اجل اختصار زمن المعركة، ومن ثم تقليل عدد الشهداء وإعلان النصر النهائي بإسقاط النظام؟
يجب ان نعترف رغم حقيقة الظرف الخاص وخصوصيات الوضع في المهجر بان التحركات رغم أهميتها لم تكن بحجم الثورة، صحيح هناك ظروف موضوعية ولكن الظرف الذاتي مقصر أيضا وعلينا الاعتراف، لا يمكن تحريك الرأي العام الأوربي بمظاهرات متناثرة هنا وهناك وتضم العشرات والمئات، بل حتى لا يمكن نقل الصورة لوسائل الإعلام الأوربية كمحددة للوعي الجمعي الأوربي.
بدون حل إشكالية تشتتنا نبقى أسرى العواطف والانفعالات اللحظوية، بدون تشكل مجالس الجالية السورية في كل الدول الأوربية لا يمكننا الارتقاء بعملنا. بدون إنشاء لجنة التنسيقيات الشبابية السورية الموحدة يبقى عملنا مشتتا.
علينا الشروع الآن وليس غدا بتشكيل مجلس الجالية واللجنة الموحدة للتنسيقيات الشبابية دون مصادرة حق احد بالمشاركة أو وضع محرمات وممنوعات على هذا الطرف أو ذا
.