دعوات ومسارات وإيديلوجيات متعددة وجدت صداها في شعارات الثورة السورية
دعوات ومسارات وإيديلوجيات متعددة
وجدت صداها في شعارات الثورة السورية
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
بعد نضوج عوامل الثورة الداخلية , والتي تنبع من حاجة تغيير النظام القائم لنظام آخر , ومع مساعدة ذلك الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن , وعوامل الثورة تلك لم تكن غائبة عن المجتمع السوري , هذه العوامل جعلت من الشعب السوري يتجاوز حاجز الخوف والقمع وكل أنواع الإجرام لكي ينهض من تحت ظل السكون إلى ثورة عارمة ترفض القديم وتود الجديد في حياة حرة كريمة لكل المجتمع السوري بغض النظر عن انتمائه وعرقه وثقافته , فكانت شعبية بكل صفاتها , ولم يكن لها اديلوجيات حزبية , أو قامت على أساس حزبي أو فئوي أو عرقي
فالتحق فيها من التحق وتقاعس عنها من كل المكونات السورية العرقية والإثنية والطائفية , فمنهم المستميت في بقاء النظام ومنهم المتردد ومنهم الساكت , كانت من نتائج الثورة السورية المباشرة هو إعطاء جرعة منشطة قوية للأحزاب السياسية السورية على مختلف انتماءاتها , وبدأ تأثيرها يصل للداخل في بنيان وكيان الثورة , وعلى أثرها نجد الآن تنسيقيات تعبر عن هذه التكتلات منها الاسلامية ومنها العشائرية والقومية والعلمانية , وفي خضم هذه الشعارات التابعة للتجمعات الحزبية ليس من المستبعد أن يحصل الخلاف بينهما على الأرض , ومن ذلك يمكننا القول أن هذه الأمور ستؤدي إلى الصعود إلى الهاوية بدلاً من الصعود إلى القمة ,قمة النصر ونجاح الثورة وإسقاط النظام وبنيان نظام جديد على أسس سليمة ينعم في ظله كل المجتمع السوري
وحتى لايكون هنالك متاهات كثيرة يمكننا أن نعرض وجهات رئيسية قد تكون خطرة جداً على نجاح الثورة
1- الإسلامية
2- القومية
3- العلمانية
1- الإسلاميون يُنظرون على صفحات الثورة السورية , إقامة إمارة اسلامية في سورية بعد نجاح الثورة , منطلقين من قاعدة أساسية أن غالبية الشعب السوري من المسلمين , وأن الديمقراطية هي بدعة غربية تعارض الدين الاسلامي وبالتالي يجب أن يكون طبيعة الحكم في المستقبل مبنياً على ايديلوجية هذا التوجه.
2- القومية : وتختلف في منظورها وإيديلوجياتها فمنها من يطالب بحقوقه كقومية ثانية ومنها من يعتبر أن كل الشعب السوري يجب أن يكون تحت ظلها , وهذه في غالبيتها أحزاب علمانية
3- الأحزاب العلمانية , والمتنوعة والممتدة من اليسار إلى اليمين , فمنها من يؤمن بالديمقراطية ومنها من يؤمن بالديكتاتورية الجماعية .
والسؤال هنا : أمام هذه المتاهات الرئيسية الثلاثة , هل يمكننا تجاوز هذه المسارات والإيديلوجيات المتنافرة وصهرها في مسار واحد ؟
المشكلة الرئيسية والتي تشتت هذه المسارات هو عدم الثقة المتبادلة بين هذه الأطراف , فالأحزاب الإسلامية وأكبر تجمع فيها والممثل بالإخوان المسلمين , والذين أكدوا في بياناتهم على الخيار الديمقراطي وإقامة الدولة المدنية , والشعب هو الذي يحدد من الذي يحكمه , وهذا ماأكده السيد المراقب العام للإخوان المسلين السوريين السابق علي صدر الدين البيانوني في مقابلة له على إحدى القنوات الفضائية عندما سأله المذيع : هل تقبلون أن يكون رئيس الدولة امرأة مثلاً أو ينتمي لدين غير دين الاسلام ؟
فأجاب إن كان هذا خيار الشعب فسوف نقبل اختيار شعبنا لمن يحكمه , وهذا ماأكدته لجنة التنسيق للتغيير الديمقراطي الصادرة عن الإخوان المسلمين لسنة 2005
وتعتبر التكتلات السابقة أن قبول الاسلاميين الخيار الديمقراطي سيكون لمرة واحدة فقط , وعندما يستلمون زمام الامور سينقلبون على ذلك
في المقابل الأحزاب القومية والعلمانية انضوت تحت اسم بناء الدولة الحديثة على أسس ديمقراطية وفصل الدين عن الدولة , وفي ذلك يكون مصدر أمان للأحزاب القومية وكذلك العلمانية , ومصدر أمان أيضاً للأقليات العرقية والطائفية والإثنية
لقد أنجز الشعب السوري في بداية الخمسينات دستوراً ووافقت عليه كل الأحزاب والحركات الوطنية ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار , والذي جمع كل فئات الشعب السوري تحت مظلة واحدة ومنهم الاخوان المسلمون مع موافقتهم وتأييدهم لهذا الدستور
وطالما اتفق عليه الأجداد وهم الذين وضعوه , ولولا الانقلابات العسكرية والتي حطمت ذلك الدستور , والتي جعلت سورية في ذيل دول العالم الثالث , بينما كانت تسمى في حينها فرنسا الشرق , وأحياناً كوريا الجنوبية
وبالتالي يمكننا الخروج من هذه المتاهات المتعددة وهذه الجبهات المتصارعة في أن يكون شعار كل الايديلوجيات الحزبية , العمل تحت ظل هذا الدستور مع العمل على إجراء تعديلات فيه مراعاة لتطور العصر والثقافات
فالثورة قامت من أجل اسقاط النظام وبدون ايديلوجيات مسبقة وكانت عامة , وبعد تطور الثورة ظهرت مؤثرات ايديلوجية على شعارات الثورة في الداخل وشعارات متضاربة في بناء الدولة القادمة , وعندما تقر كل الآحزاب والتكتلات الموجودة على الساحة , والتي ستظهر بعدها في الاتفاق على العمل تحت إطار هذا الدستور , لتوحدت جهود المعارضة واستطاعت تشكيل قيادة سياسية في وقت قصير جداً وستكون قادرة على قيادة المرحلة الانتقالية بكل ثقة وأمان لأنها لايمكن لها أن تعمل خارج نطاق الدستور , دستور عام 1952
أرجو أن نجتمع لنحرر وطننا من الاحتلال , ونبتعد عن الدعوات المفرقة والمشرزمة , لنصل لقيادة موحدة تنطق باسم الثورة وتحرك الثورة وصوتها على المستوى الداخلي والخارجي وتقود الدولة لسورية حديثة تضم كل المجتمع السوري في الحرية والعدالة والتقدم .