جنين
أنوار جرّار – جامعة بير زيت
جنين - فلسطين
تتربع على رأس مثلث مرج ابن عامر مدينةٌ كان الجمال عنواناً لها ، مدينةٌ اشتُقَ اسمها من الجنائن ، إنها مدينة جنين ، هذه المدينة التي اتخذت من المجد تاجاً .. ومن عبق التاريخ عطراً يفوح من أرجائها .
مدينة جنين ، من أقدم المدن التي لا تزال مأهولةً بالسكان ، ترتفع 175م عن سطح البحر ،شُيّدت على أيدي الكنعانين العرب ، الذين سموها ( عين جانيم ) ، وتعني عين الجنائن ، وبالفعل فإن هذه المدينة بلد زراعي حظيت بخصوبة أرضها وتنوع محاصيلها ، ففي الربيع ترتدي سهولها حلة خضراء بلون القمح والشعير قبل أن يحل الصيف فتتباهى بردائها الذهبي منتظرةً موسم الحصاد .
كما إن للمساحة الواسعة من السهول التي تحيط بها ، كسهل صانور وعرابة ومرج ابن عامر ، أثرٌ كبيرٌ في جعلها أول منتج للبطيخ والخضراوات .
وإذا تأملنا التلال المحيطة بالمدينة ، تحكي لنا أشجار الزيتون حكاياتٍ وصلت الماضي بالحاضر ، ولا أنسَ اللوز وزهره ...
أزهر اللوز أنت لكل زهرٍ من الأزهار تأتينا إمامُ
تعتبر مدينة جنين ثالث أكبر مدينة في الضفة الغربية ، بعد الخليل ونابلس، وتبلغ مساحتها 21000دونما ، أما مساحة المحافظة كاملة فهي 583كم2 ، أي 9.7% من مساحة الضفة الغربية ، وقد أسس أول مجلس بلدي في جنين عام 1886م .
جنين .. هذه المدينة التي عندما مرّ التاريخ منها أبى إلا وأن يترك فيها بصمات واضحة تدل على العراقة والأصالة ، فمن المعالم الأثرية فيها المسجد الكبير ومدرسة فاطمة خاتون ، اللذان بنتهما ( فاطمة ابنة محمد بك بن السلطان الأشرف قانصوه الغوري ) في القرن السادس عشر للميلاد .
ومن المعالم الأثرية السيباط والبلدة القديمة ، وعند بوابة جنين الجنوبية توجد آثار بلعام ، التي بنيت لحماية جنين وصد الهجمات عنها .
ولجنين مكانة دينية عند المسيحيين ، حيث مر منها السيد المسيح عليه السلام في طريقه إلى الناصرة ، وعالج البرص الذين كانوا معزولين في مغارة في برقين قرب جنين ، وقد بنى الملك قسطنطين كنيسة (جرجس ) مكان المغارة في برقين في القرن الرابع الميلادي .
كما عثر في جنين على آثار فنيقية ، مما يدل على أن هناك علاقات تجارية قامت بين جنين والفنيقيين .
لقد كانت جنين على مر الزمن خنجراً في خاصرة الغزاة ، فقد وقعت في أسر الصليبيين إلى أن حررها البطل صلاح الدين الأيوبي ، عام 1187م بعد معركة عين جالوت ، وفي العهد العثماني لبّت جنين استغاثة أختها عكا لصدّ هجوم نابليون عنها ، فقد قاد الشيخ يوسف الجرار – أمير المنطقة – جيشا انضم إلى أحمد باشا الجزار - أمير عكا - ، وردوا نابليون عن عكا يجر أذيال الخيبة والهزيمة .
وقد كانت جنين شوكة في حلق الاستعمار البريطاني ، فقد شُكّلت فيها أول قوة مسلحة ضد بريطانيا عام 1935م ، بقيادة عز الدين القسام ، كما وشاركت في إضراب 1936م .
وفي عام 1948م بعد أن انسحبت بريطانيا ، انضم عدد كبير من أهل جنين إلى المتطوعين المقاتلين في جيش عبد القادر الحسيني في خضم الحرب العربية الإسرائيلية ، وذلك بعد إن تأخر وصول الجيوش العربية ، واختار جمع المجاهدين الشيخ فوزي الجرار من قرية صانور التابعة لجنين ، ليكون قائد مقاتلي جبل النار ، وأقرت هذا الاختيار جامعة الدول العربية .
وفي معركة جنين عام 1948 م ، لقن أهل جنين الصهاينة درسا لن ينسوه ، وذلك بمساعدة فرقة من الجيش العراقي ، ولا تزال قبور شهداء الجيش العراقي في مدخل جنين الجنوبي ، شاهدة على استبسالهم ، وكذلك فقد دونت اسماء شهداء المعركة من أهالي جنين على دوارها الرئيسي .
ظلت جنين غرة في جبين البطولة والشجاعة ، فقد سُطرت نضالات أهلها في الانتفاضتين بحروف من نور، أما عن معركة مخيم جنين في ربيع 2002م ، فحدث ولا حرج ، فقد تجمّع شباب المدينة والقرى والمخيم ، في مخيم جنين وجعلوا منه مقبرة للصهاينة .
وفي نهاية المطاف .. عذرا إليك جنين .. فمهما أوتيت من البيان فلن أفيك حقك ، ومهما قلت أبقى مقصرة ، فكلماتي وحروفي تتضاءل أمام شموخك وعظمة بَذْلك وعطائك ، ولن أجد يا دُرّة المدن خيرا من هذه الأبيات لأختم بها ..
أجنين لا أنس البطولة حية
لبنيك حتى أرتدي الأكفانا
أجنين يا بلد الكرام تجلدي
ما مات ثأر ضرجته دمانا
المجد للبلد المناضل صابرا
حتى ولو ذاق الردى ألوانا
مرج ابن عامر ضرجته دماؤنا
أيكون ملكا لليهود مهانا