المدينة الفاضلة

نسرين صالح محمّد جرّار

نسرين صالح محمّد جرّار

 درج الكثيرون على الاعتقاد بأن الإنسان مسمى يُطلق على كل مَنْ هُمْ من نسل آدم ، ولكني أخالفهم الرأي .... ، فكلّ من دب على الأرض فهو دابة ، فإذا تحلى أحدهم بالأخلاق بدأ يرقى إلى درجة الإنسانية .

 والإنسانية درجات ..... وحسن الخلق أول درجةٍ فيها ، وإذا ما وصل الإنسان إلى درجة الإنسانية بحسن الخلق ، أصبح بمقدوره صعود درجات السلم واحدةً تلو الأخرى ، فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله تُسبغ على الإنسان رداء التميّز بكونه مسلما فيرقى درجة أخرى ..، وفهمه للإسلام فهما صحيحا مع حسن التطبيق لتعاليمه الحنيفة يجعله في درجةٍ أعلى ، وإذا ما زان عقله بنور العلم ارتقى درجةً ، وهكذا حتى يصل أعلى درجةٍ في الإنسانية ، جامعا خلقاً وديناً وعلماً وعملاً وجهاداً .... ، فيحق له حين ذاك أن يتوّج على بني البشر .

 وإني أتخيل الآن مدينة فاضلة ، يتسابق أهلها جميعاً لصعود درجات سلم الإنسانية .... ونيل شرف التتويج ، بعضهم يسبق بعضاً .. فيغبطه صاحبه ، فيحثّ الخطا ليسبقه بدوره ، كلُّ في صعودٍ وبهمة ونشاط ... ، فإذا تعثر أحدهم بسبب شرك وضعه الشيطان في طريقه ، عاد ونهض من جديد بعزيمة أقوى ليلحق ركب الصاعدين .

 ولكن قد تكون السقطة كبيرةً ، فالشيطان لما توعده ربه بالنار قعد لبني آدم

لِيُزلّهم عن الصراط المستقيم ، وهيّأ لهم المكائد والمصائد واحدةً تلو الأخرى، فإذا نجا من واحدة كاد له مكيدة أخرى ، وإذا نهض من سقطةٍ حفر له مزيداً من الحفر.

 فما العمل ..؟؟!

 الشيطان لا يملُّ ... ونحن لن نملَّ ولن نستسلم ....

 إنها إذن حرب تدور رحاها بين الإنسان والشيطان ، فلمن ستكون الغلبة..؟؟

 ومن العدل الإلهي أن هيأ للمسلم سبل الرشاد والعودة إليه حتى وإن سقط مرةً و مرات فليست نهاية المطاف ...

 كلما تأملت ظلم بني البشر ... وإفسادهم في الأرض ، هالني ما رأيت ...

 ما أحلمك ربي ... يعيثون في الأرض الفساد ، وأنت لما تخسفها بعد بهم ، و أنت القادر على ذلك .

 يضرب الواحد منهم الأرض بقدميه ويرفع رأسه متكبرا ... وقد تناسى أن الكبرياء لله وحده .

 يتباهى الماكر بمكره ، ويحيك لأخيه المكائد ليوقع به ، وقد صمّ أذنيه عن حقيقة أن الله خير الماكرين ....

 يبطش الظالم بشعبه ... وقد عمي عن أن الله يمهل ولا يهمل ...

 يغترّ الطائش بشبابه ، فينصب الشباك لصيد الحسناوات ، فتستره يا رب.. وتنتظر منه العودة إليك .

 ترى المعاصي تُقترف في الأرض على يدي خلقٍ من ترابٍ ، وأنت بلطفك

ترسل الرسائل لعبيدك أًنْ عودوا إليَّ قبل أَنْ أعيدكم ترابا ...

 رباه ما أشد حبك لعبيدك ، .. جعلت لهم مواسم للتوبة والعودة إليك، أهديتنا رمضان مَطهرةً للقلوب .... وصَفّدتَ الشياطين فيه لكي يسهل إيابنا إليك .. ويكون العيد بعده حقا لمن حَسُنَت توبته وصيامه وقيامه....

 إلهنا ما أعدلك مليك كل من ملك

كم نحن مقصرون ....! وكم تجود علينا بالنعم ..!

 ترى هل سيأتي يومٌ تصبح فيه تلك المدينة الفاضلة واقعا ملموسا ؟؟

 هل سيأتي زمنٌ تكون لنا فيه قلوب هائمة بحب خالقها كقلب رابعة العدوية ؟؟

 هل سنشهد دهرا يكون فيه شبابنا كأمثال علي وأسامة بن زيد ؟؟

 هل سنفرح برؤية فاطماتٍ... وعائشاتٍ ... وخنساواتٍ من جديد ؟؟

 هل سيعود حكامنا يملأون الأرض عدلا مثل عمر بن عبد العزيز ؟؟

 وبعدُ.. فماذا أقول ... والواقع مرير ... والكلام كثير ... ولستُ ممن أوتوا قدرةً في البيان والتعبير ... فليت لي اليوم قلم الرافعي أو ريشة فنان فما زال في جعبتي الكثير ...، ولكن دعوني أغفُ لأحلم بالمدينة الفاضلة فهذا أيسر اليسير ...