صور ناطقة للتحوت والروابض 50+51+52+53
صور ناطقة للتحوت والروابض
50+51+52+53
أحمد الجدع
[50]
-- -----------------------------
أكثر الناس كلاماً أقلهم أعمالاً .
هذا حالنا مع فلسطين ، كل الأنظمة العربية تملأ الدنيا صراخاً وضجيجاً من أجل فلسطين فإذا جدّ الجدّ خرست الألسن ، وفرّ الناعقون قبل أن تطلق عليهم طلقة واحدة ، وتقضم من فلسطين مزعة ، ونهنئهم بالسلامة ، لم نفقد أحداً ولم يجرح لنا أحدُ !
كان حكيم في الزمن القديم يقول : الجيش الذي لا يسقط منه قتلى ولا تشيع فيه الجراحات لا ينتصر .
لا علينا من هؤلاء الحكماء ، لقد خسرنا من فلسطين ثلثيها ، واحتفظنا بجيوشنا سالمة لم يمسسها سوء .
انتقل الجهاد من ميادين الحرب إلى ميادين الغناء ، وأشهد أن الكواكب والنجوم لم يقصروا ، فقد قدموا لنا آلاف الأغنيات عن فلسطين ، وهددوا وتوعدوا فيها حتى إن عدونا لم تعد تغمض له جفون فزعاً وخوفاً ، أما نحن فقد قدمنا جهدنا وفوق جهدنا ، نعمنا بالاطمئنان ، وسادتنا راحة نفسية غامرة ، فأغمضنا جفوننا ونمنا كالأطفال آمنين !
سبعة جيوش بكامل تجهيزاتها تخسر الحرب أمام عصابات بني صهيون ، قالوا لحكيم وهم ساهمون : كيف تغلبنا عصابات من شذاذ الآفاق ونحن سبعة جيوش ، قال لهم الحكيم : غلبتنا العصابات من شذاذ الآفاق لأننا سبعة جيوش .
نعم ، في هذا شيء من الصدق ، ولكن هناك أسباب أخرى .
جلس جماعة بعد النكبة بسنوات يحتسون الشاي ويطربون للغناء ، فقد أصبح الغناء زادنا ، انتقل المذيع بنا نقلة عظيمة ، فبعد ما غنى يا شبشب الهنا والطشت ألّي (قال لي) ، قدم لنا أغنية وطنية عالية النبرة : يا فلسطين جيناك جينا وجينا وجينالك ، إنه يؤكد ويزيد توكيداً ويكاد يقسم على ذلك !
وجم الجميع ، قال قائلهم يخاطب المطرب الفنان : يابن الأكرمين ، متى تصل ؟
حسبنا الله .
==========
[51]
-------------------------------
السودان هذا البلد العربي الذي فرطوا به .
من هم الذين فرطوا بالسودان ؟
كان الملك فاروق يحكم مصر والسودان حتى سنة 1952م وكان لقبه ملك مصر والسودان أي أن مصر والسودان في عهده كانت بلداً واحداً .
صحيح أن الإنجليز كانوا هم الحاكمين الفعليين لمصر والسودان ، ولكنهم لم يستطيعوا أن يعلنوا انفصالهما ، وكانت وزارات مصر على ضعفها وتفككها متمسكة بوحدة وادي النيل : مصر والسودان .
وجاء عهد الانقلابات أو بصورة أكثر وضوحاً : جاء عهد الانقلابات العسكرية الأمريكية على حكم الإنجليز وعلى حكم الفرنسيين للدول المستعمرة .
وكان أول الانقلابات في سورية ، ولكنه لم يكن ناجحاً نجاحاً مطلقاً ، وعندما حدث الانقلاب في مصر كان هو النجاح الأكبر ، وكانت أول فاتورة دفعها الانقلابيون لأمريكا هي انفصال السودان عن مصر ، واعتراف مصر بالسودان دولة مستقلة .
ونتساءل : عمن استقلت السودان ، والجواب استقلت عن مصر .
والسؤال الأكثر عمقاً : هل كانت مصر تستعمر السودان ؟!!
وتوالت الانقلابات في السودان حتى جاء الانقلاب الأخير بدعم من الإسلاميين وكان في أول عهده مجاهداً ، ثم فجأة انقلب على الجهاد والمجاهدين ، وبدأ ينفذ مخططات أمريكا في السودان حتى وافق على الاستفتاء على الانفصال في جنوب السودان ، والغريب أن نتيجة الاستفتاء فاقت تسعين بالمئة .
والأغرب من هذا كله أن حكومة الانقلاب في السودان كانت أول من اعترف بالانفصال ... وكان رأس الانقلاب فرحاً بهذا الانفصال لدرجة أنه ذهب مهنئاً ، ولعله رقص هناك فرحاً بهذا الانفصال .
أليس من حقي وحق كل عربي ومسلم أن نسأل سؤالاً بريئاً : ماذا كان يفعل سيد السودان في الجنوب طيلة حكمه الذي امتد لما يقارب ربع قرن من السنين حتى تكون نسبة الاستفتاء لدى أهل الجنوب تفوق تسعين بالمائة ؟
أتعرفون دولة كانت تسمى الأندلس ؟ ودولة كانت تسمى فلسطين ؟ ودولة كانت تسمى الصومال ؟ ودولة كانت تسمى ...
حسبنا الله .
==========
[52]
-------------------------------
نقابة المعلمين في مصر من أكبر النقابات في العالم بالنسبة لأعداد المنتسبين إليها ، والمعلمون في مصر يتقاضون رواتب لا تكاد تفي متطلبات الحياة الأولية ، وقد بدا لهم أن يطالبوا بزيادة رواتبهم لعل هذه الزيادة تسد طرفاً مما يحتاجون إليه في تسيير حياتهم اليومية .
عقدوا الاجتماع تلو الاجتماع ، وقدموا طلباً تلو طلب ، ولكن دون أن يستجاب لهم ، عندئذٍ قرروا أن يضربوا عن العمل حتى يسمع المسؤولون صوتهم .
دارت المحادثات ، وتدوولت الآراء ، وطرحت الحلول ، وكان نتيجة ذلك صفراً .
صعدوا من إضرابهم ، وعم الإضراب جمهورية مصر كلها ، وفكر المسؤولون في تأديب هذه النقابة وهؤلاء المعلمين .
قال واحد من أبالسة النظام وهو يبتسم : علينا أن نؤدبهم بشكل حضاري !
قالوا : وكيف ؟
قال : نزيد رواتبهم ونرفع ضرائبهم ! وكما تعلمون فإن الضريبة مأخوذة من الضرب والعقاب !
اجتمع مجلس الأبالسة ورتبوا أمورهم ، وخرج القرار العلني بالزيادة ، وأمرت وسائل الإعلام بالإشادة بهذه المكارم العظيمة للسيد الرئيس صاحب الأيادي البيضاء .
ثم خرج القرار السري بزيادة الضرائب على هذا القطاع المتمرد الذي تجرأ وأضرب وطالب ... وصعّد !
عندما حان آخر الشهر وحسب المعلمون رواتبهم بعد الزيادة وجدوها قد نقصت ، وقبل أن يتكلموا كانت الأوامر الصارمة : على كل معلم أن يبرق إلى الرئيس الكريم شاكراً تفضله وتعطفه بالزيادة وإلا عدّ من المعارضين المارقين أو الرجعيين الذين لا مكان لهم إلا في السجون .
أسرع المعلمون بإرسال برقيات الشكر ، وقد ضاقت أنهار الصحف بصورها وبمنطوقها .
وقديماً قيل : يساء إلينا ثم نؤمر بالشكر !
حسبنا الله .
==========
[53]
-------------------------------
صورتان أعرضهما هنا دون تعليق .
الصورة الأولى اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا ، أنقل الصورة من رواية الدكتور سعيد رمضان في مجلته "المسلمون" في عددها الخامس الصادر في شوال سنة 1384هـ الموافق لشهر شباط (فبراير) عام 1965م .
تقول الرواية : في الساعة الثامنة من مساء السبت الثاني عشر من فبراير سنة 1949م ، أمام دار مركز الشبان المسلمين بالقاهرة ، أشرف المجرم الأميرالاي محمود عبد المجيد المدير العام للمباحث الجنائية بوزارة الداخلية المصرية على إنفاذ جريمة اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا ، واستخدم في ذلك ثمانية من المجرمين كلهم من رجال (الأمن العام) المصري !! كما وضع تحت تصرف القتلة سيارته الرسمية الخاصة رقم 9979 .
منع الجيش والأمن العام المصري أياً من أفراد الشعب من الاقتراب من منزل الشهيد الذي سجيت فيه الجثة ، فحمل الشهيد على أكتاف النساء من أهله منذ خرجت من البيت إلى أن وصلت مسجد قيسون حيث صلي عليه .
ومن مسجد قيسون فرضت السلطات أن تحمل الجثة إلى المقابر في "سيارة نقل الموتى" تحرسها قوات من الجيش والبوليس ، ثم ظل القبر زمناً تحيط به أفواج من هذه القوات بالليل وبالنهار ، فكان بذلك كما كان البيت وكما كانت الجثة بينهما ، كلها مصائد لاعتقال كل من بدرت منه بادرة أسى على "المجرم القتيل" !
وفي 23 يوليو 1952م أي بعد ثلاث سنوات ونصف انقلب ضباط الجيش على الملك فاروق الذي اغتيل البنا بأمر منه ، وبعد الانقلاب بثلاثة أيام تنازل الملك عن عرش مصر وغادر إلى روما في إيطاليا ليعيش فيها شريداً طريداً إلى أن توفي فيها في 18 مارس 1965م .
وكان في وصيته أن يدفن في جامع الرفاعي بالقاهرة إلى جانب آبائه وأجداده من ملوك مصر ، ولكن الرئيس جمال عبد الناصر أبى ذلك ، وبعد وساطات متكررة من الملك فيصل بن عبد العزيز وافق جمال عبد الناصر على إحضار جثته إلى مصر وأن يدفن سراً في مسجد جامع إبراهيم باشا ، فدفن ليلاً دون أن يدري به أحد .
وعندما تولى الرئيس أنور السادات الحكم بعد جمال عبد الناصر سمح بنقل جثمانه ليلاً تحت الحراسة المشددة إلى المقبرة الملكية بجامع الرفاعي ودفن إلى جانب أبيه الملك فؤاد الأول وجده الخديوي إسماعيل .
نعم ، دفن الملك فاروق ليلاً وسراً وتحت حراسات مشددة ودون أن يسمح لأحد أن يشيعه ويمشي في جنازته .
ونعم أخرى ، فقد عاش حسن البنا اثنين وأربعين عاماً ، وخلف وراءه دعوة ينتشر اليوم أتباعها في جميع أنحاء العالم ، وعاش الملك فاروق خمسة وأربعين عاماً ، فماذا خلف وراءه ؟!
حسبنا الله .