الأمثال الموروثة – حقائق ووقائع
م. أسامة الطنطاوي
يبدو أنه قد آن الأوان لإعادة النظرفي العديد من الأمثلة والأقوال والحقائق المسلم بها والتي نشأ أغلبنا عليها وتغلغلت في عقولنا وصورنا الذهنية النمطية بحيث أضحت تمثل قاعدة منطقية غير قابلة للنقاش ولا أحد يشكك بمدى صحتها وملاءمتها للواقع الحالي.
وهذا الموروث التراثي للأمثال الدارجة يصح أن يتم إعادة النظر فيها على عدة مستويات، فالمستوى الأول والذي يجب إعادة النظر فيه بشكل جذري ومنها مقولة معروفة لدى الجميع وهي "عدو عدوك صديقك" ، حيث اعتقد أنه قد جاء الوقت لتفكيك و إعادة تقييم هذه المقولة القديمة والتي سادت في عقول ووجدان العرب منذ أمد بعيد، ولا أدل على ذلك من واقعنا الذي نعيشه اليوم حيث اصطف الأعداء وأعداءهم على نفس الدرجة من الخطورة بالنسبة للفرقاء المتنازعين ، و استشهد هنا بما يحصل في اليمن من اختلاف أعداء اليوم وحلفاء الأمس فيما بينهم واختلاط الحابل بالنابل بحيث يصعب التفريق بين العدو الحقيقي المتربص مع غيره، هذا ناهيك عن كثير من الأمثلة من واقعنا السوري الأليم الذي هو غني عن البيان والتفصيل وليس هنا مقام الإسهاب والخوض في تفاصيله، وبالتالي فإن هذا المثل لم يعد ينطبق على واقعنا اليوم.
وبعيدا عن السياسة وضلالاتها فنجد المستوى الثاني والذي يجب إعادة النظر فيه جزئيا فهو المثل الشائع والقائل بأن " أهل مكة أدرى بشعابها " أيضا لم يعد ينطبق ولو جزئيا على واقعنا المعاصر إذا أخذ بحرفيته وبما يتعلق بالأماكن والطرق وذلك بعد انتشار أجهزة النظم الجغرافية والخرائط الرقمية في الهواتف الذكية ، بحيث أصبح الشخص الغريب الذي يزور المنطقة لأول مرة يتساوى في معرفة الطرق و الأزقة الملتوية والشعاب والأماكن المختلفة مع ابن البلد الذي قضى دهرا فيها ، وبالتالي يحق لنا نقد هذا المثل والبحث عن التجديد والحداثة بما يتلاءم والواقع الحالي .
ولكن في المقابل نجد موروثا كبيرا من مخزوننا الحضاري التراثي مايزال نافعا للأمة ومنها مقولة : " نصف عالم أضر على الأمة من جاهل ".
وهذه من الحكم الرائعة؛ لأن الجاهل قد يعترف أنه لايملك المعرفة الكافية في جوانب معينة وقد يمتلك بعض الأخلاقيات، مثل التواضع وحب المعرفة، والقدرة على الاستماع دون مقاطعة.
أما نصف العالم أو المتعالم ، فإن لديه قدرة على تكرار الألفاظ، وطرح الفروض المبتذلة والدارجة، وعنده شيء من الغرور والتعالي، ولذا فإنه يسدل حجبا سميكة على عقله، فلا يتقبل الأفكار الجديدة، ولا يملك من الحماسة ما يكفي لتطوير مفهوماته وطروحاته.
إن توسيع قاعدة الفهم، يتطلب منا أن نؤكد دون ملل على ضرورة وضع معارفنا وأفكارنا في موضعها الصحيح من جسم المعرفة البشرية المنظمة، والسائدة اليوم، وأن ننظر بجدية إلى خطورة ما نجهله حول كل قضية من القضايا المعاصرة.
إن قدر العالم وفضله لا ينبعان من كثرة ما يعرف، وإنما من حدسه بما لا يعرفه وتقديره له، وأخذه بعين الاعتبار عند إصداره الأحكام.
إن صاحب الفهم الصحيح، يحاول دائما أن يجعل أفكاره متساوية مع حجم البراهين المتوفرة لديه، فعلى مقدار صلابة المعلومات والبراهين تكون صلابة الأفكار ودرجة الوثوق بها.
وإذا نظرنا في واقع عالم الأفكار لدى كثيرين منا، لوجدنا أن درجة الوثوق واليقين كثيرا ما تكون متقدمة على ما هو متوفر لديهم من أدلة وبراهين ومعلومات، مما يجعلهم في حالة دائمة من الاضطراب والتشوش، ومما يجعل خيبة الأمل حليفة لهم.
والنتيجة أن المطلوب منا أن نكون في حالة حراك دائم وفي عصف ذهني متجدد، وتقييم مستمر وإن لا نجد حرجا من مراجعة المفاهيم والحقائق التي ورثناها من آباءنا الأولين، وبالتالي تربية النشئ الجديد على أسس و مفاهيم و معايير متواكبة مع روح العصر و ذات فائدة ونفع، لتسهم بايجابية في نشر الوعي والاحتكام الى العقل والمنطق وليس الى أقوال جامدة و أفكار بالية قديمة من أثرالزمان الغابر.