مصطلح المتخيل وموقف الأزهر الشريف
لولوة غازي
المتصفح لمقال "وقود داعش الذي يبدو انه ليس قابلا للنضوب " للدكتور علي الهيل في الصحيفة الالكترونية "رأي اليوم" , يجد فيها أمثلة سريعة ومختصرة لمدى تراكم الإحباطات وخيبات الأمل لدى الشعوب العربية والاسلامية والحرة على امتداد العالم والتي هي من أسباب سيطرة داعش الآن وبعد غد وإلى ما لانهاية وهو ما عبر عنه الدكتور الهيل بأنها" ظاهرة لن تتوقف" , لذا الامر في حد ذاته خطير ولا يستهان به.,
وفي المقابل حينما تناقلت وسائل الإعلام العربية موقف الأزهر الهيئة الاسلامية العليا للإفتاء في مصر وهو : رفضها لتكفير داعش ودولتهم الإسلامية المزعومة في المؤتمر الأزهر الشريف في مواجهة التطرف والعنف الذي عقد في الحادي عشر من ديسمبر الحالي 2014, وهي هيئة سنية عليا ممثلة بالشيخ الازهري العفيفي الذي ينفي بدوره تكفير الشيخ إيراهيم صالح الحسيني مفتي نيجيريا لتنظيم داعش الارهابي والذي أنهى حديثة عن داعش بفقرة هامة " فهم
أشد من بدعة الخوارج وقتال المسلم كفر وقد قتلوا المسلمين فقد حكموا بالكفر بأفعالهم " وكلامه هذا يكفر الدواعش جميعا بل يجعلهم يكفرون انفسهم بأنفسهم لأفعالهم المارقة"
لذا يحتار القاصي والداني من عدم تكفير الأزهر لهؤلاء القوم وهم للكفر أقرب من الايمان , والعالم العربي في حالة يرثى لها من دمار وتشريد وقتل, ونساء تغتصب وأراض تسبى ليل نهار.
لهذا كثيرون يستغربون ويلقون بالسؤال تلو السؤال , لماذا تصرح تلك الهيئة الشرعية السنية الممثلة بجامعة الازهر الشريف بهذا التصريح الخطير من نوعه وغير الملائم لما يدار في الواقع العربي الحزين ؟
بل ولماذا هذا التدخل الأزهري الذي يضع المسلمين جميعا على محك عقائدي يصعب تفسيره وفهمه ولا نستطيع التعبير عنه كتابة حتى لا يفهمه الآخرون بطريقة خاطئة ؟ بل وما بال القاعدة الإسلامية "الضرورات تبيح المحظورات "ولماذا لا تطبق هنا على الفور وتكفر من خلالها داعش , حتى تحقن دماء الأمة جمعاء ودماء الغير من الديانات الاخرى وترفع من صورة هذا الدين السمح في تعاليمة االمؤازرة دوما لمصائب الأخوة والجيران دون المساس بعقائدهم ؟ ولماذا منهج الوسطية الذي يدعيه الأزهر والذي حكم على الكاتب الاسلامي نصر حامد أبو زيد بالإرتداد بسبب فكره العقلاني الحر وفرق بينه وبين زوجته ؟ ولا ننسى أن الأزهر هو أيضا أول من كفر الأديب الكبير طه حسين بسبب كتابه "في الادب الجاهلي" وأثار ضجة نقدية في وقتها ليتبعه نجيب محفوظ وروايته "أولاد حرتنا" فيكفره هو كذلك لتمنع روايته من الأسواق ؟ واليوم الأزهر يعلن ويصارح بعدم رغبته في الوقوع في فخ داعش ومقابلة التكفير بالتكفير ,والأمثلة السابفة تنفي ما جاء على لسان الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف أن الازهر على مدار تاريخه لم يكفر أحدا .
وسؤال هام آخر, هل سيكون للأزهر نفس الموقف لو دخلت داعش مصر واحتلت الإسكندرية مثلا وعاثت فيها فسادا واغتصابا وقتلا ؟ وهل ستعتبر وقتها داعش كافرة يحل سفك دمها كما أحلت دم الكاتب المصري فرج فودة أم أنها ستترك داعش على حالها لأنها مسلمة ؟ .
وفي هذا المقام للابد للدارس أن يتذكر الباحث الفرنسي محمد أركون ومصطلحه الفلسفي "المتخيل " وهو مصطلح متواجد في علم الأنثربولوجيا وعلم التاريخ الحديث, وفسره بأنه كلمة تدل على أن أمرا قد تشكل تاريخيا وتبلور مع السنوات في ذاكرة الجماعة وهو قابل للإستثارة والظهور في وقت الحاجة لما له من جذور ضاربة في أعماق اللاوعي , وعلى سبيل المثال المتخيل الغربي ضد الأديان المسيحية واليهودية والاسلام والان التركيز الأكبر على الدين الأخير بشكل واضح وسافر , وإذا طلبنا مزيدا من الإيضاح في المعنى نجد أن "المتخيل" عبارة عن صور تستثار بشكل لا واع وكنوع من ردة الفعل تتخذ ضد المختلفين فكريا, وكما جاء في الأبحاث السربونية لأركون المفكر الفرنسي : أن كل فئة تشكل صورة عدائية و محددة عن الفئة الأخرى لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها, كما كان يوجد في المتخيل الكاثوليكي ضد البروستانت والعكس صحيح ويمكننا التأكد منه من الاحداث التاريخية المؤلمة بين الفئتين , فهل الازهر الشريف يعيش هذا "المتخيل" البعيد كل البعد عن مواقف الاسلام الصارمة تجاه الآخرين, لتكون ردة فعل الأزهر وسياسته كالتالي : تكفير مالا لا يلزم تكفيره وإبقاء الأمر على حاله لمن يشهد بلسانه فقط أنه لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله لكنه يقتل ويشرد إخوته وأهل الديانة المسيحية أصحاب الأرض الأصلين كداعش .
وهل المتخيل الداعشي المتوحش تجاه الآخر سيفهم مقصد الأزهر الإسلامي النبيل من عدم تكفيره ويتوقف ويعلن توبته أمام الملأ ويحل دولته الاسلامية المزعومة أم أن الأمر سيتطلب حزما وصرامة أقوى من المؤتمر العالمي الإسلامي الحاضر الغائب عما يدور ؟ وهل هذه المتخيلات القابعة إلى هذه اللحظة في اللاوعي الخاص بهؤلاء وهؤلاء ستتجاوزها بلداننا العربية كما تجاوزتها فرنسا العلمانية ذلك المتخيل الكاثوليكي ضد البروتستانت ؟ وهل كشعوب عربية وإسلامية سنستطيع قريبا تخليص أنفسنا من هذا المتخيل فلسفيا وفكريا لنتطور ونتقدم ونلغي فوريا معها عدائية المتخيل الغربي المتعصب تجاه قضايا العرب والإسلام والتي تصاغ الأن عندهم بطريقة مقنعة ومدعمة إعلاميا بموقف الأزهر الحديث والمسالم لمواقف داعش ودولتهم الاسلامية المزعومة والتي تزداد نفوذا يوما بعد يوم؟
لنجزم معها أن ظروفنا المؤاتيه الإجابية لم تأت بعد حتى يختفي هذا المتخيل عنا جميعا.