حتى لا يطغى "فرعون" مرة أخرى

شباب الثورة في كناكر

حتى لا يطغى "فرعون" مرة أخرى!

كيلا ننتج طغياناً آخر

وتذهب الدماء هدراً والجهود سدى!

شباب الثورة في كناكر

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:

فإن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، قول فصل وليس بالهزل، لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن تمسك به هدي إلى صراط مستقيم، يقول الله تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}، ومن هذه القصص قصة نبي الله موسى مع الطاغية فرعون، وسنستعرض الآيات التي تبين كيف تفرعن فرعون وما هي الأسباب التي هيأت لسيطرته على جماهيره وإذلالها وقهرها ؟.

فأول هذه الأسباب : كفر فرعون وعصيانه وتكبره وعدم إيمانه بيوم الحساب، قال تعالى: {فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى} وقال أيضاً: {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}.

وثاني هذه الأسباب وأهمها : فسق الجماهير وبعدها عن منهج الله، ومشاركة الفئات المستفيدة لفرعون ومساندتهم له : فالحاكم أياً كان ومهما بلغ من الكفر والطغيان فهو فرد، ولا يستطيع السيطرة على الناس بمفرده، لذلك لا بد له من أعوان وأتباع، ومن هذه الشخصيات:

  هامان: وزير فرعون المدبر، وساعده الأيمن، وهو الشخصية الثانية في هرم الحكم الفرعوني، قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}، وقال أيضاً على لسان فرعون: {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ}.

آل فرعون: وهم أهله وأقرباؤه، قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ}، أسند إليهم فرعون مهمة القتل والسجن والتعذيب قال تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}.

1)  وكان أن خصّهم الله بعذاب في الدنيا: قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}.

2)  وعذابهم عند الموت: قال تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}.

3)  بعد الموت: قال تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}.

  الملأ من قوم فرعون: وهم الأشراف الذين اتخذهم فرعون ليشاورهم ويحاورهم على أنهم يمثلون الشعب بأسره، في حين أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم ومصالحهم وكان منهم أن:

1)  تآمروا لقتل موسى قال تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}.

2)  ثم كانوا أبواقاً تنعق باسم الطاغية، ويشاركونه في التزوير والكذب والتضليل ، قال تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ}.

  قوم فرعون: وقد اتصفوا بصفات سيئة كانت في مجموعها سبباً لخضوعهم وطاعتهم لفرعون، مما أدى لطغيان فرعون وعتوه وتجبره، ومن هذه الصفات:

1)  الفسق: قال تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}.

2)  العلو والظلم: قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}

وقد مارس عليهم فرعون سياسة التجهيل من خلال:

1)  منع حرية الرأي وتكميم الأفواه: وذلك بنشر الخوف بين الناس بالقتل والسجن والتعذيب، حيث خافت شريحة عريضة منهم من الإيمان بموسى ، في حين آمن البعض على خوف، قال تعالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ}.

2)  وقام فرعون بنشر الخرافات والتصورات الفاسدة، وحقن الجماهير بها بطرق مختلفة كالسحر وغيره، وألبس هذه الطرق رداء القدسية، وهذا شأن كل طاغوت، أن يستعين بالمأجورين من علماء الدين، يحرفون الكلم عن موضعه، ويغيرون معانيه ليلائم سياسة الطاغية، فيحلون ما حرم الله، ويسكتون عن مخازي الحكومة، ويستشهدون بأقوال الطاغية كما لو كانت قرآناً، ثم تصبح دروساً يتعلمها التلاميذ في المدارس، فينتشر الجهل ويسود الظلام وتنعدم الرؤية الصحيحة لمعنى الحياة.

إن الجهل أرض خصبة، ووسط مناسب تنمو فيه الخرافات والعقائد الباطلة، وهو البيئة المناسبة لحكم الطواغيت، ولقد بدت العداوة والبغضاء بين الطواغيت وبين العلم.

وفي الختام:

فإن تضافر هذه الأسباب ووجودها مجتمعة؛ من كفر الطاغية وعدم إيمانه، ومن وجود المنتفعين من وجود الطاغية المؤيدين له، ومن فسق الأغلبية وبعدهم عن الدين، ومن تجهيل المجتمع. مجموع ذلك يمكّن من ظهور فرعون في أي زمان وأي مكان.

إن الوقاية تكون بتجنب هذه الأسباب؛ فكلما تجنب الناس أفراد وجماعات أسباب المرض كلما كان المجتمع سليماً معافى، حتى لو وجد شخص كفرعون في تكبره وعصيانه، فلن يستطيع فعل أي شيء ما لم تتوافر بقية الأسباب وأهمها جهل الأغلبية، وهذا يوجب علينا العمل على محورين:

1)  البناء الصالح في المجتمع، وتنشئة أجيال تتقي الله، ذلك أن الطاغوت إنما يعمل على إيجاد جماهير فارغة المحتوى، ليس عندها عقيدة ولا فكر ولا هدف، وليس لها قضية تحيا من أجلها، وتكافح في سبيلها، وهذا الأمر يحتاج إلى دعاة ربانيين يمتازون بالحكمة والإخلاص والمثابرة والثبات والقدوة الحسنة، كما نحتاج إلى العمل الجماعي، وإلى إتقان فن التكامل في العمل، فكل يعمل بما يستطيع ولا يناقض بعضنا بعضاً، فإن هذا يذهب بالجهود هدراً قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.

2)  محاربة المفسدين ومحاصرتهم، فالعمل على إصلاح المجتمع لا يكون مجدياً مع وجود المفسدين، لذا لا بد من القضاء على جيوب الإفساد واجتثاث جذورها.

والحمد لله رب العالمين.