كلام في صميم الثورة السورية

بدر الدين حسن قربي

بدر الدين حسن قربي /سوريا

[email protected]

ابتدأ النظام السوري شهر رمضان بمجزرته الكبرى في مدينة حماة، التي بلغت ضحاياها المئات خلال أيام تأكيداً على نواياه الإصلاحية في مواجهة المتشككين، وكأنه بذلك يريد إعادة انتاج مجازر أب له وعمّ اسمه رفعت، كانت في ثمانينات القرن الماضي، ذهب ضحاياها عشرات الآلاف من سكان المدينة.  ولئن كان الأمل الكبير أن يكون النظام الساقط قد شدّ حيله في الإسراع نحو حتفه وانتهاء أجله، فإن أمل السوريين الأكبر ألا ينتهي الشهر المبارك إلا وقد خلص السورييون على اختلاف أديانهم وأعراقهم ومذاهبهم وطوائفهم من هذا النظام القميء.

ولئن أكّدت الثورة السورية عظمتها في شعبيتها، وتميّزها في سلامة وعيها وسلامها وسلميّتها ، فقد أكدت أيضاً مع اقتراب تمام شهرها الخامس حيازتها للأسرار القاتلة لأعتى الأنظمة المتوحشة في العالم.  وعليه، فبدلاً من أن يتفهم النظام الوضع، ويأخذ الطريق من قصيرها، فيضبضب متاعه ويرحل عن صدور السوريين، فإنه أصر على المواجهة الخاسرة وإعلان الحرب على شعبه الأعزل، وحاله في ذلك حال المستكبرين في الأرض والمفسدين فيها.  فالمظاهرات التي بدأت بالآحاد والعشرات هي اليوم بمئات الألوف وفي عموم المدن والأرياف، والمطالب التي بدأت بالإصلاح انتهت إلى المطالبة القاطعة والحاسمة بسقوط النظام، والجولات المتكررة للإيقاع بالمتظاهرين وإخراج التظاهرات عن سلميتها باءت بالفشل.  ومن ثَم فلئن كانت النتيجة عند أهل البصر والبصيرة محسومة لصالح الجماهير المقموعة والمستعبَدة، فإن النظام ماضٍ على جثث السوريين ودمائهم إلى حتفه بخيار اختاره بنفسه وورثه عن عائلته، وأعانه عليه قوم آخرون ماتت نخوتهم وأعمتهم مصالحهم وانعدمت إنسانيتهم، دولاً ومنظمات وأحزاباً وأفراداً من شبيحة المقاومة وتجار الممانعة.

شعبية الثورة وسلميتها أمران إن اجتمعا فلا بد أن يُسقطا النظام أياً كان المستبد، حتى ولو كان من آل الأسد.  ولئن كان النظام من بعد خمسة أشهر قد وصل إلى طريق مسدودة للحدّ من شعبية الثورة وانتشارها رغم كل مراواغاته، فإنه ودهاقنته ومستشاريه على اختلاف جنسياتهم لم ييأسوا بعد من عسكرة ثورتنا البيضاء، بل ويحاولون دون كللٍ أن يضعوا بين يديها السلاح ليوقعوها فريسةً لهم، فيوغلوا في الدم والذبح بمبرر العصابات المسلحة، وهي حجة كثيراً مازعموها وافترضوها وأذاعوها تبريراً لمجازرهم وتوحشهم،  ولكن رغم مضي كل هالأشهر والأيام من فظائع القتل والإجرام حرصوا أيّما حرص على استبعاد كل وسائل الإعلام العربية والأجنبية، لأنهم أعلم الناس بحقيقة فبركاتهم وإجرامهم وعصاباتهم وشبيحتهم، وفشلهم في الإيقاع بالمتظاهرين في العسكرة والمواجهة المسلحة.

جديد أبلسة النظام معلومات موثوقة، تؤكد محاولته الحالية إيصال السلاح بطريقته الأمنية الرخيصة وبكميات كبيرة إلى المتظاهرين ورميها بين أيديهم ولو (ببلاش)، وكأنها قادمة من دول مجاورة أو من داعمين للثورة ومساندين لها، في نفس الوقت الذي يرتكب فيه أعظم مجازره وأشد عملياته قمعاً وتوحشاً في مدينة حماة تحديداً، مع تسويقه الشيطاني والدكاكيني بين الناس لمشروعية الدفاع عن الأنفس والمدن والبيوت والأعراض والحريات والكرامات، ليوقعهم في تسونامي دماء المواجهة.  ومن ثَم فإنه يشرعن آثامه وجرائمه ومذابحه الحالية، بل ويأخذ من شرعيتها ليغطي أيضاً قباحات وبجاحات مامضى من الفظائع والقمع، بل وعندها يستدعي الفضائيات وماكان ممنوعاً من الإعلام كله للحضور والمعاينة ليؤكد تأكيداً صحة دعواه بمواجهة عصابات مسلحة، وليُشهدهم على أنفسهم بأن ماكان من اتهامات له على مر الشهور الماضية من قبلهم  ليس إلا كذباً وافتراءً وبعض المؤامرة عليه، وليُخرج نفسه انتهاءً بعد آلاف القتلى وعشرات الآلاف من المعتقلين وكأنه ضحية الروايات الكاذبة للفضائيات المغرضة والمؤامرات الدوليه عليه في مواجهة شعبه.

أكّدت ثورتنا السورية بسلميّتها وصدرها العاري على امتداد شهورها الماضية وعياً شعبوياً عفوياً أعانها عليه إيمان راسخ بعدالة هدفها وسمو إرادتها لإسقاط النظام، فكان صبرها في ساحات المواجهة مع أعتى الأنظمة المتوحشة والفاشية، ووعيها في إفشال كل محاولاته للالتفاف على الثائرين والمتظاهرين المسالمين لعسكرة ثورتهم طلباً لنجاته وإيقاعهم في التهلكة. 

ثورتكم ياأيها السورييون منصورة، وإنما النصر مع الصبر، ولو صبر القاتل على المقتول لوقع بين يديه، وهذا حال النظام واقع لامحالة بنداءاتكم وجُمَعِكم وحشودكم ووعيكم وصبركم، فلا تتجاوزوا رفع أصواتكم في النداء بسقوطه فهذا يكفيكم، وإن كنتم تألمون فإنه يألم بأكثر مما تألمون، لأنكم ماضون إلى حريتكم وكرامتكم، وماضٍ هو إلى مصير المجرمين البئيس.