الإنسان بذاكرته
الإنسان بذاكرته
معمر حبار
منذ يومين وأنا أتابع مقطعا للأستاذ الأديب فاضل السامرائي، يتحدث فيه عن سنواته الغابرة بكل حسرة وأسى، وهو يعلن أمام الأشهاد، أنه لم يكن يؤمن أن لهذا الكون ربا يرعاه وخالقا يحميه.
فظل على هذه الحال مدة من الزمن، يسأل دون أن يجد إجابة، ويعترف أن الحيرة لازمته في يقظته ومنامه، وحرمته من الراحة والنوم.
ويقول أني دعوت ربي، أن ينقذني من حيرتي، فتشاء حكمة ربك، أن يقرأ عن بعوض، يضع بيضه ثم يموت على الفور، فيواصل البعوض نفس المسيرة، وهو الذي لم يرى الأب أو الأم.
ويتساءل حينها السامرائي، من الذي علّمه؟. من الذي هداه؟، وهو الذي لم يرى والديه. فأدركت يقول الأستاذ، أن الرب هو الذي ألهمه وعلّمه.
ويقول عن النحلة نفس الشيء، فهي تصنع خلية سداسية الأشكال ومتساوية المسافات، وهي لم ترى الخلية ولا الوالدين. فالذي ألهم الجميع، هو الله تعالى، إذن فالكون له رب وخالق.
الغرض من سرد القصة، ليس كما تتوقع وتعودت، أيها القارئ اللبيب، بل الغرض أن الأستاذ المفسر لكتاب الله من الناحية اللغوية، بأسلوب مميز نادر، وبمستوى عال جدا، لا يستحي من أيامه الخالية، ويشهد الخلق، أنه لم يكن يؤمن بالخالق، ويصف لهم العذاب النفسي الذي عاناه في سبيل الوصول إلى الحقيقة.
إن الأستاذ السامرائي كبير في أعين قراءه ومستمعيه ومتتبعيه، لم ينقص من قدره شيئا، حين إعترف أنه كان ملحدا، بل بالعكس زاد علوا وإرتفاعا، بصدقه وتواضعه وإعترافه وشهادته أمام الجميع.
إذن المرء، حين يكتب عن نفسه، أو حين يكتب عنه غيره، فليكتب أيامه كلها، التي إستطاع أن يستحضرها، والتي تركت أثرا عميقا في مسار حياته.
فالإنسان ذلك الكل، والإنسان ببياضه وسواده، والإنسان بطيش شبابه ووقار كهولته، ولا يكتمل هذا إلا بذاك. وحين يقدم المرء بهذه العفوية والتلقائية، يكون له القبول لدى القارىء والسّامع، لأنه يتعامل حينها مع الفطرة، التي تعرف علوا وإنخفاضا، وصفاء وظلمة، فتمسي الفطرة، مثالا يحتذى في الإقدام على ما هو أحسن، والإحجام على ماساء.