جمعة نشيد القاشوش- رحمه الله

د.عامر أبو سلامة

ممارسة القتل ظاهرة معروفة عبر التاريخ, من قبل الطغاة والظالمين والفجرة, للذين يخالفونهم من الناس, لأنهم لايريدون أن يقال لهم: لا. مهما فعلوا, وبأي أسلوب تصرفوا, ويرون أنفسهم فوق النقد والرد والمسائلة, كبراً منهم, وتعالياً على عباد الله, بل يصل بهم الأمر إلى الكفر بالله, حتى قال واحد من كبار هذا الصنف: (أنا ربكم الأعلى) وقال: ( ما علمت لكم من إله غيري).

ويا ويل من نبس ببنت شفة عن هذا الحاكم أو ذاك؛ أو حام حول حمى كرسيه, تسلط عليه صنوف الأذى, وأنواع التنكيل, وبالقتل والتنكيل, يظن هذا الطاغية المجرم, أنه أصبح بمأمن من عدوه!!! واستطاع أن يتغلب على من ينازعه, في ملكه ولو ظناً, ويتصور أنه إذا قتل معارضه, فإنه قد قتل الفكرة التي يحملها.

والحق أن الفكرة لا تموت بموت أصحابها أو قتلهم, بل تكون أكثر انتشاراً, وأعظم ألقاً, وأكثر جمالاً وروعة وقبولاً عند البشر, عندما يموت أصحابها من أجلها. ورحم الله القائل: إن كلماتنا تظل عرائس من شمع, حتى إذا متنا في سبيلها, دبت فيها الروح, وكتبت لها الحياة.

والنظام السوري, ظن أنه إذا قتل المنشد المبدع, السيد القاشوش الحموي, صاحب الأناشيد الجميلة, والإيقاعات الأخاذة, والأسلوب الجذاب, والهتافات التي أقضت مضاجع النظام, ظنوا أنهم يقضوا على منهجه وأسلوبه, ومن ثم يرتاحون منه, ويأمنون من خطره!!! فإذا الأمور تكون معاكسة لما أرادوا, ويفي الشعب السوري مع هذا الهتّاف الطيب- رحمه الله- فيرددون في الجمعة التي تلت استشهاده- بإذن الله- مقاماته, وينهجون نفس أسلوبه, في الهتاف, والنظام قتل القاشوش- رحمه الله- فإذا مئآت الألوف يتحولون إلى قاشوش, وكان أمراً مذهلاً للنظام, وتحدياً من الشعب, وعنوان صمود في وجه هذا النظام وعدوانه وضلاله, ولسان حال الشعب في كل المحافظات, يقول للنظام: إن قتلت القاشوش- رحمه الله- فكلنا قاشوش, وتحولت الجمعة بحق إلى جمعة نشيد القاشوش, في كل سورية, وإن لم يسمها الناس كذلك, فكان يوماً مهيباً, خشعت فيه القلوب, وذرفت الدموع, وظهرت معاني الوحدة بين أبناء الشعب, من خلال التعاطف مع حماة, وهتّافها الكبير القاشوش.

إن استشهاد القاشوش, كان سبباً في إحياء المشاعر, ولفت أنظار من لم يلتفت إلى جريمة هذا النظام, وإحياء لقيم المقاومة السلمية لهذا النظام, وفضحاً له من جانب آخر..... فهاهم يقتلون هتافاً, لم يكن سوى مردد لشعارات, ماحمل سلاحاً, ولا قتل أحداً, ولم يكن من المندسين, ولا من السلفيين, ولا عنده أجندة خارجية.

وهنا درس مهم, وهو أن شباب الثورة عليهم أن يسخدموا كل الوسائل المؤثرة التي من خلالها يوصلون أفكارهم إلى الناس, تارة بالخطبة, وأحياناً بالمقالة, وأخرى بالفضائيات, ولا ننسى دور الإنشاد, وأثر الشعر, وعظيم أثر الهتافات الهادفة, والقاشوش مثل رائع في هذا الشأن.

رحم الله القاشوش, وأسكنه فسيح جناته, وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان, وإنا لله وإنا إليه راجعون.