محطة للتغيير
إيلاف العباسي
[email protected]
لا شك أن الكثير من محطات حياتنا تمر بنا وقد تكون فرصاً مناسبة لئن نُغير من حالنا وأحوالنا ولكن تمر هذه المحطات في قطار الحياة من دون أن نستغلها ونستفد منها , ولكن مع هذا الفرص الكثيرة التي فاتت علينا إلا أن الوقت لم يفت بعد , وأوان التغيير مازال قائما ً , وبالإمكان تدارك حالنا وحياتنا لكي نقف وقفة جادة معها ونعزم على أمر التغيير هذا .
وقبل أن أذكر هذه المحطة أكتب لتذكير حالي ولمن يقرأ كلماتي المتواضعة هذه عن فرص التغيير ومحطات الحياة التي تداركناها ولم نستغلها كي نبدأ حياتنا من جديد وبإطار التواصل بأسلوبٍ أفضل واسعد مع الحياة ومع خالق الحياة والكون قبل ذلك .
فمن الغريب جداً أن لا تكون أفضل فرصة من فرص الحياة للتغير حينما يقوم الشخص منا بإنشاء عائلته الخاصة ويرتبط بتلك التي اختارها شريكةً للحياة ! , فمن أفضل محطات التغيير في الحياة هو محطة الزواج , حيث يكون عقل الشخص قد نضج وبدأ يستوعب الحياة ومتطلباتها , وما
تقتضيه منه هذه المرحلة للقادم , خصوصاً مع تلك المرأة الصالحة التي في الغالب يكون من يرغب بالزواج بأن قد ارتبط بها ولم يرضَ لأم أولاده إلا أن تكون بصلاحٍ معهود وبخير ٍ معروف .
إن المرأة الصالحة إذا ما كانت صادقة في إخلاصها لله فإنها تستطيع أن تؤسس في المجتمع تلك الأسرة وتخرج من هذه الأسرة ذاك الجيل الذي يحمل في عقله وفكره وقلبه حب الله والعمل من أجل نشر دينه .
لذا فتكوين العائلة حينما يكون قائماً على الحب والودّ والصدق في العلاقة فإنه من أفضل المحطات للشخص كي يتغير .
المحطة الثانية التي فوّتها قطار حياتنا هي : محطة الدراسة الجامعية , ففي عمر الشخص وهو يدخل للجامعة يكون قد نضج بما يكفي كي يستوعب الحياة ويستوعب متطلبات العمر , وبدأ بكل تأكيد قد تفقه في عالم السعادة وتوصل لحقيقة وجوده في هذه الحياة وما يتطلب ذلك من دراسة للواقع وفهم للمكان الذي يعيش فيه , فمرحلة الجامعة هي المرحلة التي يكون أحدنا فيها قد أكمل
مرحلة الطفولة والصبا وبدأت شخصيته تتكون وعقله ينضج للواقع الذي يعيشه , لذا فمن الجميل أن تكون هذه المرحلة هي مرحلة تغيير الشخصية خصوصاً أن الشخص منا قد تجاوز مرحلة المراهقة المبكرة وبدا بمرحلة الفتوّة والشباب , وهي مرحلة من أهم مراحل تكوين العقل والجسم للشخص .
وإذا ما كنا قد فوتنا هذه المرحلة أيضا مع سابقتها فقد فوّتنا غيرها من المراحل التي كان بإمكاننا تغيير شخصيتنا وتغيير واقع حياتنا , ولم يكن أهم المراحل بكل تأكيد مرحلة وقوعنا في الخطأ والزلل , فالله سبحانه وتعالى جعلنا في هذه الدنيا كي يختبرنا وليبلونا أيّنا أحسن عملاً , ومع هذا الاختبار والابتلاء والفتن المتتالية التي نقع فيها إلا أن كل ذلك ممكن
أن يكون في صالحنا إذا ما استفدنا من أخطاء ما وقعنا فيه وغيّرنا للصالح من القول والفعل والفكر .
بعد كل هذا أرجع للموضوع الرئيسي الذي أريد طرحه اليوم لأقول : مع كل ما ذهب من محطاتٍ وفرص أهملنا فيها أن نقوم بتغيير شخصيتنا إلا أن الوقت لم يفت وعقارب الساعة لم تتوقف بعد , ومازالت الأنفاس أجسادنا تتوالى بأنفاسها , لذا فالفرصة
مازالت قائمة كي نستغل محطة جديدة من محطات الحياة , وتتميز هذه المحطة عن كل محطةٍ أخرى بأن التغيير فيها سيكون له طعمٌ من نوعٍ خاص , ولذة من لذات الدنيا التي لم نُعشها من قبل, وكل ذلك لأن هذا الشهر مرتبطٌ بروحانية خاصة مع الله تعالى , روحانية تجعل المستحيل سهل , والصعب هيّن . ولن أبالغ في ما أذكر حينما يعرف أحدنا أن ما
أقصده هو شهر رمضان .
يغفل الكثير منا في هذا الشهر عن أهم شيء من الأمور التي تتطلبها الحياة في عصرنا هذا , فينهمك أحدنا بختم كذا مرة من القرآن الكريم , ويفكر أحدنا أين سيصلي التراويح وصوت أي إمامٍ سيختار وفي أي مسجد , وهكذا ينقضي بنا الحال من دون أن نتداركه بأن نجلس مع أنفسنا مع بدايات هذا الشهر _ أو قبله بقليل _ لنُخطط للتغيير الذي كنا قد عزمنا عليه من قبل ولكن أشغلتنا الدنيا عن تطبيقه ,فكم منا من يحب أن يغير من
حاله ويبدل من شخصيته ولكن يعجز أو يتكاسل مع مشاغل الحياة ومتطلبات النفس والعائلة وغير ذلك ! .
بقيت فترةٌ قصيرة على دخول رمضان حيّز حياتنا , فمن الرائع ومن الجميل ومن أجمل ما سيقلب حالنا للأفضل بأن نتفرغ خلال ما تبقى من شهر شعبان وبدايات شهر رمضان كي نراجع أنفسنا ونغير من حالنا ونستبدل من شخصيتنا , فجميعنا يسعى للأفضل في حياته وفي أموره الدنيوية , فلماذا لا يكون هناك رحلة للبحث عن الأفضل في شخصيتنا وفي صفاتنا وفي أخلاقنا وتعاملاتنا اليومية !!
قد يكون كلامي فلسفياً أكثر من المطلوب وقد يكون مبالغة شخص تائه في أحلام اليقظة , ولكنها ليست كذلك , فهي فرصة أحببت خوضها لأول مرة في حياتي بهذه الجديّة وبهذه الهمة وكان من البخل والأنانيّة أن أخوضها لوحدي من دون ذكرها لمن حولي ولمن عرفتهم في حياتي ولمن أحببتهم في الله , لذا أحب أن أخوض ونخوض ويخوض الجميع هذه التجربة , طالما أن الجميع يطلب
الأفضل ويسعى للأحسن ويبذلك كل ما لديه كي يصل للقمة , فلماذا لا نصل للقمة مع الله تعالى بأن نبدأ من هذا الشهر الكريم !!
خصوصاً أن الله تعالى اشترط للأمة صلاحها وصلاح حالها وعزة أمرها ورفع رايتها حينما نُغيّر من أنفسنا ونُبدل من حالنا , لذا وكما ذكرت من قبل قد يكون ذنبٌ في أحدنا _ أنا أو أنت _ على إصرارٍ عليه منذ سنوات هو السبب المانع لإنزال نصر الله , أو قد يكون خلل في شخصية احدنا يأبى أن يغيرها ويصلح حاله هو سبب فيما وصلت عليه الأمة اليوم من سوءٍ وخذلانٍ ومهانة .
إن شهر رمضان المبارك هو هذه الفرصة الأفضل والوقت المناسب جداً لكي نبدأ بمراجعة متأملة لكل ما مرّ من حياتنا , لكل عملٍ كبير ٍ قمنا به , لكل موقفٍ تعرضنا له في حياتنا , نقف مع كل واحدٍ منه وقفة رجلٍ عازمٍ على إصلاح , ووقفة امرأةٍ صادقة ٍ على التغيير , فنأخذ العبر مما فات ونسجل الدروس لما حصل , نسعى للخير ونترك الشر ونبدأ من الآن .
نعم من الآن وليس بعد رمضان وليس في أواخر رمضان بل وليس حتى أوائل رمضان, إن السعي للتغير يمنحك قوة ً وشحنة ً إيمانية تُمكّنك من خلالها على مواصلة المسير والسعي نحو الأفضل والأكمل والأحسن.
شهر رمضان المبارك فرصة ٌ أكبر لهذا التغيير المنشود لذا فلا يجب أن نجعله محطة فائتة كباقي المحطات التي فاتت , ويجب أن نستغله بالخير والصلاح والإصلاح قبل أن تخرج الشمس من مغربها أو قبل خروج الروح من جسدها .
هنيئاً لمن وعى درس ما فات وبارك الله بمن سعى بكل جدٍ لهذا التغيير , ونسأل الله أن يُعيننا ويُمكّن لنا الخير الذي نطلبه والصلاح الذي نرجوه وأن يجعلنا سبباً في عز الأمة وصلاحها وإن لا يجعل ذنوبنا وخطايانا عازلاً عن نزول الخير ومانعةً عن إنزال النصر.
رمضان مبارك و كل عامٍ وأنتم بــ 1000 خير