سورية: شكراً للنظام
د .عبد الكريم بكار
نحن نعتقد أن كثيراً من المحن يَستَبطن في داخِله مِنحاً ، وإن مِحنة الشعب السوري الباسل المصابر واحدة من تلك المحن التي جعل الله ـ تعالى ـ فيها خيراً كثيراً .
إن النظام أراد كسر شوكة ذلك الشعب وجعله يستمر تحت الضغط والهيمنة حتى يستمر حكمه للبلاد عقوداً وعقوداً أخرى، ولكن أبى الحكيم العزيز الجواد الرحيم أن ينال الظالمون أكثر مما نالوا من الإمهال، وليس هذا هو موضوع حديثي ، وإنما موضوع حديثي هو الخير العظيم الذي عاد على الشعب السوري من وراء الحماقات التي ارتكبهاـ وما زال يرتكبها ـ النظام الغاشم، تصوروا معي لو أن النظام قال عند بداية الاحتجاجات: مطالب الشعب كلها مجابة، ومن الآن ابدؤوا بالإعداد لمرحلة جديدة، ولن أرشح فيها نفسي للرئاسة.. كيف ستكون الحال؟
لا شك عندي أن الوضع سيكون في غاية السوء، حيث إن المعارضة كانت مشتتة، والأرضية الفكرية والحقوقية التي تجمعها كانت شبه مفقودة، بالإضافة إلى أن الجماهير لم تكن وقتها تعرف الصياغة التي تعبر بها عن ظُلامَاتها، كما أن الروح الجماعية كانت ضعيفة... أمور كثيرة يمكن أن تؤدي إلى أن يكون الإصلاح عبارة عن قشور ليس أكثر.
أما اليوم فإن الوضع مختلف كل الاختلاف فالإنسان السوري أخذ الفرصة التي تمكنه من تحرير طاقاته بصورة مدهشة، والتي تمكنه من إخراج ما لديه من نبل وتعاطف وكرم ذاتي، كما أن طول مرحلة الثورة ساعدت على تكوين وعي سياسي وإصلاحي رائع، إلى جانب تكوين روح جماعية فريدة.
شكراً للنظام الذي جعل من أطفالنا ونسائنا وشبابنا ثواراً من طراز رفيع. وشكراً له مرة ثالثة على الفرصة التي مَنحنا إياها كي نرى تجليات تَخَلف الزمرة الحاكمة وهمجيتها ورعوناتها.
أقول – وأنا واثق مما أقول- لو أن عشرة آلاف مرشد و مرب و موجِّه عملوا على تحسين وعي السوريين ونفخ روح العزة فيهم... عشرين سنة لما حصلوا على أكثر من 5% مما أنجزته ثورة الحرية المباركة!
شيء جيد أن يدرك النظام اليوم قبل الغد أن الحرية هي الفكرة التي آن أوانها، ومن ثم فإن الجيوش الجرارة لن تُوقفها، بل ستزيد في التشبث بها والعمل على امتلاكها؛ والمنة لله أولاً و آخراً.