مصالح أدونيس ووحدة معايير حقوق الإنسان

من منظور المنطق الحيوي

د. حمزة رستناوي*

[email protected]

*عنوان النص المُقاس: رسالة مفتوحة إلى الرئيس بشار الأسد" الإنسان، حقوقه وحرياته، أو الهاوية..."

*كاتب النص: أدونيس

*المصدر: جريدة السفير 14-6-2011 . على الرابط:

http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1870&ChannelId=44050&ArticleId=1698

*المرجعيّة المستخدمة في القياس: المنطق الحيوي.

*تمهيد ما قبل القياس :

-المقصود بالمصلحة هنا ما ضدّ المفسدة , و المصلحة مفهوم نسبي , فلكل كائن صلاحيّة ما في سياق ما, و الكائنات – و منه النصوص- تتفاوت في درجة صلاحيّتها.

- المُقاييس في المنطق الحيوي: هو الذي يحكم بما يتاح لعامة الناس أو عامة أهل الاختصاص الحكم به من دون أن يخالف التجربة.

- لن أستخدم طريقة العرض التقليدية لمقايسات المنطق الحيوي كونها ما تزال معقّدة, و تحتاج لخبرة خاصّة , و سأستخدم طريقة عرض على شكل أسئلة أطرحها حول النص موضوع القياس مع محاولات للإجابة عليها.

- يمكن لمن يرغب الإطلاع على كامل النص موضوع القياس على رابط الموقع أعلاه,  سأقوم فقط  بعرض فقرتين  أساسيّتين في النص-  و هي ما نسمّيها بلغة المنطق الحيوي "مصالح مفتاحيّة" - و سأقوم بتطبيق مقايسات المنطق الحيوي عليهما, من دون الإدعاء أن هذه المقايسة تتضمّن أحكام تخص كامل النص.

- المقايسة تخص مصالح  الرسالة و ليس المرسل.

*

*المصالح المفتاحيّة – مثال أوّل

"أعرف ويعرف كثيرون غيري أنّ الغرب وبخاصّة الأميركيّ، لا يدافع عن الشعب السوري ولا عن حقوق الإنسان في سوريا، وأنه يدافع عن استراتيجياته ومصالحه. لكنه «موفَّقٌ» في «الحجّة» التي تقدمها له سوريا، وفي «التسويغ» الذي يتيح له أن يقنّع استعماره الجديد بالدفاع عن الإنسان وحقوقه. هارباً من المعركة الحقيقية: معركة الإنسان وحقوقه في فلسطين." انتهى الاقتباس.

*الأسئلة

س1: لماذا تم اختيار هذه المصالح بالذات كمصالح مفتاحيّة؟

ج1:كون المصالح المعروضة تفضح الإخفاء المزدوج  :إخفاء السلطة في سوريّة بشأن انتهاكاتها لحقوق الإنسان , و كذلك إخفاء الغرب و خاصة الأمريكي بشأن كونه مدافع عن حقوق الإنسان في سوريا ضد الانتهاكات.

*س2 : هل المصالح المعروضة قابلة للبرهنة إيجابا أو سلبا؟

ج2:  نعم,  بقرينة أنه  يمكن البرهنة إثباتاً أو نفياً :كون  الغرب يدافع أو لا يدافع  عن حقوق الإنسان في سوريا  .

*س3: هل المصالح المعروضة تتضمّن  مصالحاً ارتيابيّة متأرجحة بين ما هو سلبي و ايجابي؟

ج3: نعم , فالمصالح المعروضة تتضمن مصالح متأرجحة بين ( التوحيد) كمصالح ايجابيّة في تأكيدها على حقوق الإنسان في سوريا و معركة الإنسان في فلسطين..

و بين (الصراع) كمصالح سلبيّة   في إدانتها للغرب الأمريكي..

*س4: هل المصالح المعروضة تحتاج في الحكم عليها لمرجعيّة أهل الاختصاص أم مرجعيّة عامة الناس أم كلاهما.

ج4: : تحتاج لعامة أهل الاختصاص في الشأن السياسي. للتعرّف على دلالة"حقوق الإنسان" مثلاً ,  و كون السياسة تقوم على المصالح الخاصة بسياسة الدولة المعنّية, و  ما تقتضيه كذلك من الإطلاع  عن تاريخ التدخل الغربي في شؤون الشرق الأوسط و المنطقة, و سجل السلطة السورية في انتهاكات حقوق الإنسان..الخ. و كون المصالح المعروضة تحتاج لمرجعية أهل الاختصاص هذا يعني ربط قابلية المصالح المعروضة بمدى توفر أو عدم توفّر  قرائن يقرها عامة أهل الاختصاص.

*س5: أي الاحتمالات التالية أكثر توافقا مع ما تعرضه المصالح المفتاحية في الفقرة السابقة,  اختر  الاحتمال أو الاحتمالين الأكثر توافقا مع التعليل؟

و الاحتمالات هي: عزلة- صراع- تعاون- توحيد؟

ج5: توحيد- صراع

-جاء الحكم بالتوحيد : كون المصالح المعروضة ذات بعد انفتاحي في إدانتها  لانتهاك حقوق الإنسان السوري و  إدانتها للمتاجرة بها من قبل الغرب كذلك , و كذلك لا حظ التوتر المرتفع : يدافع- لا يدافع-هاربا من المعركة ..الخ.

- جاء الحكم بالصراع :كون المصالح المعروضة  تتضمّن  صراعا مع مصالح السلطة السورية و الغرب كذلك,  من أجل توحيد :حقوق الإنسان و حقوق حرّية الأوطان.

*س6: هل تتوافق المصالح المعروضة  مع إثبات برهان حدوثها في الواقع؟

ج6: نعم

 لتوفر قرائن برهان حدوث يقرّها عموم أهل الاختصاص في كون الغرب و خصوصا الأمريكي لا يدافع صادقاً و مبدئيا عن حقوق الإنسان : نماذج العراق و أفغانستان – عدم  التدخل لوقف انتهاكات سابقة في سوريا في الثمانينات مثلا-  تعاون أمني سوري أمريكي إبان ما يسمّى بالحرب على الإرهاب في بداية الألفية الجديدة..الخ. و كذلك توفر قرائن برهان يقرّها عموم أهل الاختصاص في كون السلطة السورية تملك سجل متواتر في انتهاك حقوق الإنسان في الماضي , و حاليا كذلك في محاولاتها إيقاف الاحتجاجات الشعبية"راجع مثلا تقارير منظمة العفو الدولية حول سوريا" .

http://www.amnesty.org/ar/region/syria

 و كذلك توفر قرائن برهان يقرّها عموم أهل الاختصاص في انحياز الغرب و خاصة الأمريكي إلى  إسرائيل و سكوته عن انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني.

*س7: هل تتوافق المصالح المعروضة  مع إثبات برهان الفطرة ؟

و المقصود هنا ببرهان الفطرة :فطرة الإنسان في طلبه الحياة و الحرية و العدل

ج7: نعم

لتوفُّر قرائن برهان الفطرة: فطرة الحرية و الحياة و العدالة, و بما يقرّه عموم الناس : في كون الإنسان في سوريا و فلسطين و أي مكان ينشد الحرية و العدالة , و يحرص على الحياة.ما لم يعقه عن ذلك عائق.

س8: هل ثمة قرائن تشير إلى ازدواجيّة المعايير فيما تعرضة مصالح الفقرة؟

ج8: لا

بل هناك  قرائن برهان وحدة المعايير: فالمصالح المعروضة تتحوّى معايير موحّدة تجاه السلطات في الغرب و بخاصة الأمريكي  و تجاه السلطة السوريّة. فهي تدين  استغلال الغرب لقضية انتهاك حقوق الإنسان في سوريا و تغاضيه عن انتهاك حقوق الإنسان في فلسطين. و تدين استغلال السلطة السورية لحجج" الاستعمار الجديد" في تجاهلها  لوجود انتهاكات لحقوق الإنسان السوري و تبريرها.

*

*المصالح المفتاحيّة : مثال  ثاني

"صار من النافل القول إنّ الديمقراطية، سياسيّاً، لم يعرفها العرب في تاريخهم الحديث. لم يعرفوها أيضاً في تاريخهم القديم. وهي، ثقافيّاً، من خارج التراث الثقافي العربيّ. غير أنّ هذا لا يعني إطلاقاً استحالة العمل على التأسيس لها. وقد بُدئ هذا العمل مع بدايات الاستقلال. وكان شجاعاً وبنّاءً.”" انتهى الاقتباس

س1: لماذا تم اختيار هذه المصالح بالذات كمصالح مفتاحيّة؟

ج1: لكونه محوريا بالنسبة إلى المصالح المعروضة بدءا بالعنوان. إضافة لكونها مصالح تحظى  بشعبيّة في أوساط النخب الثقافيّة و يواليها فئة من المثقّفين السوريين و العرب بل و غيرهم.

*س2 :هل المصالح المعروضة تتضمّن  ما يمكن برهنته إثباتا أو نفياً؟

ج2: نعم بقرينة إمكان برهنة كون ” الديمقراطية، سياسيّاً، لم يعرفها العرب , و إمكان برهنة كونها من خارج التراث الثقافي العربي , سواء أكان البرهان إثباتا أو نفيا؟


*س3: هل المصالح المعروضة تتضمّن  مصالحاً ارتيابيّة متأرجحة بين ما هو سلبي و ايجابي؟

ج3: نعم , بقرينة نفي معرفة العرب بالديمقراطية تترافق مع عنوان يدعو إلى الحرية, و كذلك تثمين التأسيس  للتجربة الديمقراطيّة مع بدايات الاستقلال. و بقرينة اضطراب المصالح المعروضة وفق ما سيتم تبيانه في:  ج6 ج7 ج8
*س4: هل المصالح المعروضة تحتاج في الحكم عليها لمرجعيّة أهل الاختصاص أم مرجعيّة عامة الناس أم كلاهما.

ج4: الإجابة هي: بالمرجعيتين معا 
-أولا : الحكم على مصالح الحرية يعتمد مرجعية عامة الناس لكونها مطلب فطري
-ثانيا : الحكم على مصالح الديمقراطية يتطلب حدا من التعلم لا يزيد عن المستوى المتوسط او تفهم كون الديمقراطية هي نظام حكم سياسي , وهذا يعني كون صلاحية القياس مضطربة تبعا لدرجة اضطراب المصالح المعروضة عند عامة أهل الاختصاص.

*س5: أي الاحتمالات التالية أكثر توافقا مع ما تعرضه المصالح المفتاحية في الفقرة السابقة,  اختر  الاحتمال أو الاحتمالين الأكثر توافقا مع التعليل؟

و الاحتمالات هي: عزلة- صراع- تعاون- توحيد؟

ج5: صراع
السبب : توفر غلبة قرائن توتر عال + انغلاق  لاحظ مصالح :(لم يعرفها العرب في تاريخهم الحديث.+ لم يعرفوها أيضاً في تاريخهم القديم)

*س6: هل تتوافق المصالح المعروضة  مع إثبات برهان حدوثها في الواقع؟

ج6:الإجابة : نعم,

و لكن  بصلاحيّة مضطربة و مشروطة.

فالديمقراطيّة بالمعنى المصطلحي  ليست فقط طلب الحرّية و  بالعدل و الشورى , بل هي صيغة محدّدة للحكم: يستمد فيها الحكم شرعيّته من الشعب و ليس من مقدّس ديني أو من غلبة العسكر . و هي مشروطة بتداولية السلطة سلميا و فصل السلطات ..الخ.و هي صيغة للحكم ظهرت في أوربا عقب عصر التنوير و لم تستقر كتجربة في الغرب إلا منذ حوالي قرن أو قرنين. و هي بهذا المعنى بالفعل لم يعرفها العرب في تاريخهم القديم و الحديث, و كذلك لم يعرفها غير العرب كذلك قبل عصر التنوير الأوربي. و هو ما لم تشر إليه المصالح المعروضة سلبا أو إيجابا.

 و أما مصالح عبارة" و هي ثقافيّا من خارج التراث الثقافي العربي" فهي تتضمّن مصالح مضطربة , فالمصالح المعروضة تستخدم مصطلح "التراث" و هو يحيل إلى الماضي و التاريخ, و المصالح المعروضة تستخدم كلمة "ثقافيّا" و يفهم منها هنا الأرضية الثقافية المؤسسة و الحاضنة للديمقراطية كالاعتراف بالآخر و تداوليّة السلطة السلمي و المشروعية الدنيوية للحكم...الخ. و بهذا المعنى يستوي التراث الثقافي العربي مع التراث الثقافي غير العربي ما قبل عصر التنوير الأوربي, و الفارق هو زمني يتعلّق بفارق الصيرورة التاريخية للمجتمعات. و هو ما لا تشير إليه المصالح المعروضة سلبا أو إيجابا, بل قد يُفهم من سياق المصالح المعروضة أنَّ الديمقراطيّة هي من داخل التراث الثقافي الغير عربي و من خارج التراث الثقافي العربي؟!

الخلاصة أن المصالح التي تعرضها الفقرة المُقاسة مضطربة الصياغة تفتقر للضبط العلمي و المصطلحي, و بالمجمل نحكم عليها : بكونها تتضمّن تأكيد  قرائن إثبات برهان الحدوث و لكن بصلاحيات مضطربة و مشروطة بالسياقات المحتملة لتوظيف المصالح.

*س7: هل تتوافق المصالح المعروضة  مع إثبات برهان الفطرة ؟

و المقصود هنا ببرهان الفطرة :فطرة الإنسان في طلبه الحياة و الحرية و العدل

ج7: الإجابة: نعم

و لكن بصلاحيّات مضطربة و مشروطة.

  فالعرب كغيرهم ينشدون فطرة الحياة و الحرية و العدالة,  و العرب كغيرهم ينشدون الديمقراطيّة كتعبير سياسي ممكن عن هذه الفطرة ,لا حظ مصالح " لا يعني إطلاقا استحالة العمل على التأسيس لها- و قد بدئ بهذا العمل مع بدايات الاستقلال" و كذلك ربطاً للمصالح المفتاحيّة المعروضة بمصالح عنوان الرسالة: "...الإنسان، حقوقه وحرياته، أو الهاوية..."

و لكن هناك شبهة لنفي برهان الفطرة في مصالح تعبير" و هي ثقافيا من خارج التراث العربي"

فإذا فهمت على أنّ العرب لم ينشدوا  فطرة الحياة و الحرية و العدالة في تراثهم و تاريخهم القديم و الحديث, عندها يكون الحكم على برهان فطرة المصالح المعروضة بالنفي.

أيا كان بالمجمل نحكم:بتأكيد برهان الفطرة و لكن بصلاحيات مضطربة و مشروطة.

س8: هل ثمة قرائن تشير إلى ازدواجيّة المعايير فيما تعرضة مصالح الفقرة؟

ج8: الإجابة:نعم.

و لكن بصلاحيّات مضطربة و مشروطة.

فإذا فُهم من المصالح المعروضة : أن الديمقراطية صلاحيّة غربيّة أو الاستبداد صلاحيّة عربية , فنحن أمام حكم بازدواجيّة معايير. فالمجتمعات البشرية تخضع لقوننة واحدة مع اختلاف  في طرائق و سياقات التشكّل.

أما إذا فُهم من المصالح المعروضة أن العرب قابلين مثل غيرهم ليكونوا ديمقراطيين فالحكم هنا : لا , و نحكم ببرهان وحدة المعايير.

و لكن صياغة المصالح المعروضة في الفقرة المُقاسة جاءت مضطربة و مشروطة ,متعارضة مع سياقاتها فكيف يكون العرب جوهريا "كخلل بنيوي " لا يقبلون الديمقراطية, و هم كذلك  لا يستحيل عليهم  التأسيس لها ضمن ما عرضنا وفق تأويل سابق.

                

* شاعر وكاتب سوري