النظام السوري أوراقه الأخيرة وإفلاسه السياسي

النظام السوري

أوراقه الأخيرة وإفلاسه السياسي

م. محمد حسن فقيه

[email protected]

إن بداية إفلاس النظام ومؤشرات سقوطه بدأت حقيقة من الأيام الأولى للمظاهرات حين وجه بنادق أجهزته الأمنية وشبيحته إلى صدور ورؤوس الشباب الحر الأبي الثائر الذي خرج يطالب بالحرية والكرامة ،  ومازال هذا النظام الغاشم يسير بقدميه قدما نحو سقوطه بتصرفاته الرعناء وردات فعله الحمقاء ، مما يؤشر على ذعره وتخبطه ورعبه من هذا الحراك الشعبي الذي يهدد زواله ويتوعد بسقوطه أقرب مما يتصور.

يبدو أن النظام بدأ يفقد أعصابه بسرعة في الأيام الأخيرة مما حدا به القيام ببعض التصرفات الهمجية ، وبردات فعل غير محسوبة العواقب تساهم في دق المسامير الأخيرة في نعشه المشؤوم يمكن ذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر .

* اعتقال المثقفين والفنانين الذين طالبوا بالحرية والكرامة .

خرج النظام عن طوره وغابت دبلوماسيته أما م المظاهرات المطالبة بالحرية والكرامة من المثقفين والفنانين الذين كانوا يسيرون في ركبه ويعملون في أجهزته وقدموا له الكثير خدمة للثقافة والفن ... والنظام نفسه .

فلقد أقدمت أجهزة النظام الأمنية على اعتراض مظاهرة قام بتنظيمها المثقفون والفنانون في حي الميدان وسط العاصمة السورية دمشق ، دعما للثورة ومطالبها العادلة واحتجاجا على المسرحية الهزلية لحوار النظام مع ملحقاته وأذنابه والتي انطلقت بمشاركة المئات من المثقفين الأحرار والفنانين الشرفاء من أمام جامع الحسن ، وتصدت لها القوات الأمنية وفرقتها بالقوة بعد أن اعتقلت العشرات منهم ، عرف من هؤلاء المثقفين والفنانين الذين اعتقلوا : المخرج محمد ملص والفنانة مي سكاف والناشطة الحقوقية ريما فليحان  وريم مشهدي  وفادي زيدان  ونضال حسن  وسارة الطويل .

وقد شارك في هذه المظاهرة الممثل خالد تاجا والمخرج نبيل المالح .

* تهديد الإعلاميين والصحفيين والمذيعين في الجزيرة والعربية  وال ب ب سي ... قامت أجهزة المخابرات السورية بتهديد المذيعين والإعلاميين في القنوات الفضائية وطالبتهم بالإستقالة من أعمالهم في هذه المحطات ، التي تنقل الحقيقة عن جرائم النظام السوري ضد شعبه الأعزل داخل الوطن ، وهددت بنشر فضائح جنسية مفبركة لفقوها في مكاتب المخابرات ومختيرات الأمن الضليعة بالكذب والتلفيق ، ولم يكن ذلك بدعا جديدا عند هذا النظام البوليسي الفاسد ، فقد أجبروا الفنانين والمذيعين والمقدمين السوريين قبل ذلك على الإستقالة ، من أولئك الذين يعملون في المحطات الفضائية التي تحترم نفسها وتنقل الحقيقة والأخبار عن الثورة السورية على قنواتها الحرة ، وهددوا في حالة عدم الإستقالة باعتقال أهل هؤلاء المذيعين وأقرباءهم  داخل سورية ، وما أمر المذيعة رولا ابراهيم في الجزيرة عن ذلك ببعيد ، فقد أجبر أهلها على التبرؤ منها ، كما قامت عصابات الشبيحة بإحراق بيتها في طرطوس ، بعد أن رفضت الإنصياع لأوامر المخابرات السورية وتقديم استقالتها من الجزيرة ! .

وإذا كان النظام يتهم هذه القنوات بعدم نقل الحقيقة عن طريق شهود العيان وصور كاميرات الناشطين ومقاطع الفيديو التي يرسلونها ، فلم لا يسمح لهذه القنوات بزيارة مواقع الحدث بشكل رسمي لنقل الحقيقة كما يزعمون ويدعون ؟ !

*  توجيه مظاهرات أمام السفارتين الأمريكية والفرنسية .

قاد هذه المظاهرات مخابرات النظام الفاسد والشبيحة وبعض الأذناب والملحقات الفاسدة من المنظومات المنتفعة في أجهزة النظام ، التي تقلدت مناصبها على حساب إذلال الشعب السوري وسمنت من سرقات خيراته .

 والدعوى في قيام هذه التظاهرات ضد زيارة السفيرين الأمريكي والفرنسي  لمدينة حماة ، لدراسة الأمور من الواقع عن دعاوي النظام الكاذبة حول المندسين ... والعصابات ... والسلفيين ... والإرهابيين ... والطرف الثالث ، خوفا من كشف الحقيقة لأن الغرب لا يرتعب ويتحسس إلا من هذه المصطلحات ، لكنه ليس غبيا حتى يصدق دعاوي أكاذيب النظام وإفكه وتلفيقاته .

والسؤال الموجه للنظام : لماذا سمح النظام لموكب السفيرين لزيارة حماة ، مع الإشارة إلى إعلان السفير الأمريكي بتبليغ السلطات مسبقا عن هذه الزيارة ؟

وبحسب دعوى إعلام النظام - الذي لا يعرف الحقيقة ولم ينقلها يوما -  أن  زيارة موكب السفيرين لم تكن بإذن مسبق من النظام والسلطات الأمنية ، لماذا إذن لم يوقف هذا الموكب على مئات الحواجز الأمنية بين دمشق وحماة عندما مر عليها؟.    

ناهيك عن الغرب وأمريكا خاصة ، لم تجامل أوتهادن حاكما مستبدا ضد شعبه كما هادنت حكام سورية ونظامها الاستبدادي ، بالمقارنة مع النظام الليبي والتونسي وحليفها الإستراتيجي وعرابها في المنطقة حسني مبارك ؟ !

والسؤال الآخر : لم قامت أجهزة الأمن بتوجيه دعوة للسفير الأمريكي والفرنسي وغيرهم إلى جسر الشغور؟

وذلك بعد قيام الجيش بتهجير أهلها وإدخال الهتيفة  من القرى المجاورة الطائفية بقيادة الشبيحة مع العصابات المرتزقة المستوردة وعناصر الأمن ، ليتظاهروا فيها تأييدا للنظام بالنيابة عن أهالي الجسر الذين شردوا من ديارهم واعتقلوا شيوخهم ونهبوا ديارهم ومحلاتهم وقتلوا أطفالهم ولم يرحموا حتى أبقارهم التي صبوا عليها جام غضبهم وأفرغوا في أجساد تلك البهائم العجماء رصاص أحقادهم .؟ !

* استخام العنف والحصار بالدبابات للمدن والأحياء والقرى الثائرة مع القتل والاعتقال والتعذيب متزامنا مع ما يدعيه من حوار للإصلاح .

إن الجهة المسؤولة في النظام إذا كانت  ترغب في حوار وطني هادف وجاد وتصغي إلى مطالب الشعب الحقيقية ، فعليها أن تثبت حسن النية وتبدأ هذا الحوار بمصداقية ، تفتح المجال للمعارضين الحقيقيين من شتى الأنواع والأطياف والإثنيات والتوجهات دون تهديد وترهيب ، كما عليها أن توقف آلة القتل والقمع ورفع الحصارعن جميع المدن والقرى والمناطق  وسحب الدبابات والإفراج عن جميع المعتقلين من أصحاب الرأي والذين اعتقلوا في هذه المظاهرات التي انطلقت بحراك شعبي يمثل كل أطياف وأجيال الشعب السوري ورفعوا شعاراتهم المطالبة بالحرية والكرامة بعفوية مطلقة .

 كل ذلك يجب أن يتم مع إعلان النظام عن الحوار والتحضير له قبل الحوار ، وأما ما ينفخ به الأبواق عن المؤامرة الخارجية واستهداف النظام ، فإذا أردنا أن نضع الأمور في نصابها وننظر لها نظرة منصفة وجدنا أن الشعب السوري هو ضحية الخارج والمتآمرعليه ، سواء كان من الجامعة العربية أو الأمم المتحدة أو دول الجوارأو القوي العالمية الفاعلة  الأخرى كأمريكا وروسيا والصين وأوربا وإيران .... وغيرها وذلك بسبب هذا الصمت المشين أو السياسة المنحازة للنظام ، أو تدخلات البعض المشبوهة ودعمها السري للنظام ، والذي لم يفلح بإدانته في مجلس الأمن رغم جرائمه المتعددة والمريعة من القتل والقمع والبطش خلال أربعة أشهر مضت ، فضلا عن إسقاط شرعيته كما حدث في الثورات الأخرى خلال فترة أقصر بكثير وضحايا ودماء أريقت أقل بكثير.

إن هذا التقاعس من المجتمع الدولي  هو الذي يملي لهذا النظام بالاستمرار في استبداده وقمعه لشعبه ويطيل عمره .

إن النظام الوطني الذي يبحث عن  مصلحة الشعب والجماهير الحقيقية ، لا مصلحة طائفة معينه أو حزب شمولي أو حاكم مطلق  مستبد ، لا يخيفه ولا يهز أركانه تآمر جميع العالم في الخارج عليه مادام متوافقا مع شعبه مصطلحا مع جماهيره ، له مالهم وعليه ما عليهم .

الحقيقة المرة : إن هذا النظام البائس  لا يحاور غير نفسه بزعامة أجهزة أمنه وشبيحته ومخابراته السرية تحت أسماء مثقف أو إعلامي أو محلل سياسي أو معارض ! .